لم يكن اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية وإقامة علاقات دبلوماسية معها في مايو عام1956 حدثا عاديا أو خطوة سهلة بمعايير الوضع الدولي آنذاك وعلاقات القوي فيه, فقد أقدمت مصر علي هذه الخطوة في وقت كانت تحتدم فيه المنافسة العالمية بين المعسكرين المتصارعين علي النفوذ والمكانة في العالم إلي الحد الذي جعلت وزير الخارجية الأمريكية آنذاك فوستر دالاس يعقب علي الخطوة المصرية بالقول:' ان مصر قد انضمت إلي معسكر الأعداء' ويدعو إلي إعادة تقييم العلاقات مع مصر. والواقع انه حتي قبل قيام علاقات رسمية كاملة بين القاهرةوبكين فان البلدين وزعامتيهما قد التقيا حول رؤية مشتركة للوضع الدولي وقواه بشكل خاص حول تيار القومية الإفريقية الأسيوية الناهض والذي تبلور في اجتماع باندونج في ابريل عام1955 م. واذا تعدينا هذه الفترة المبكرة من استهلال علاقات مصر مع الصين الجديدة الي المراحل التي تطورت فيها عبر علاقات الحرب الباردة بين القوتين العظميين عندئذ, فسوف نلاحظ عددا من التشابهات في إدارة كل من مصر والصين لعلاقاتهما مع هاتين القوتين, وما أخذته من أشكال. فحول علاقات الصينبالولاياتالمتحدة مرت الصين عقب تحقيق ثورتها الشعبية عام1949 بتجربة مريرة مع الولاياتالمتحدة علي مدي25 عاما تبنت فيها واشنطن سياسة عدم الاعتراف ببكين, والتهديد العسكري, والاحتواء السياسي والحصار الاقتصادي, وإنكار تمثيلها في الأممالمتحدة, ولم يتراجع هذا العداء إلا مع بداية السبعينات ومجيء إدارة نيكسون, وإدراكها لعقم سياسة تجاهل الصين. أما مصر فقد مرت بعد ثورة23 يوليو بعلاقات مضطربة مع الولاياتالمتحدة نتيجة لمواقفها المستقلة التي رفضت الدخول فيما كان يراد للمنطقة من ترتيبات ونظم أمنية رأي قادة ثورة يوليو أنها ليست من أولوياتهم, ولا تعكس التحديات الحقيقية التي تواجه منطقتهم. أما علي مستوي علاقات مصر والصين مع الاتحاد السوفيتي السابق, فثمة تشابهات يمكن للمتابع أن يرصدها, فبعد تحالف وثيق قام بين بكينوموسكو منذ بداية الخمسينات بدأت مع نهاية الحقبة مظاهر التشقق في هذه العلاقة حول قضايا سياسية وأيديولوجية تتصل بدور موسكو في توجيه قيادة العالم الاشتراكي, والتطبيق الاشتراكي, ومفاهيم الماركسية اللينينيه, وقضايا الحرب والسلام, وامتلاك الصين قوة نووية وخلافات علي الدور. أما مصر وعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي فقد سجلت الفترة منذ منتصف الخمسينات حتي أوائل السبعينات مستوي عاليا من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية, غير أن هذه المرحلة الايجابية في علاقات مصر والاتحاد السوفيتي شهدت تراجعا مع منتصف السبعينات, وكان وراء هذا التراجع, التحول الذي أحدثه أنور السادات في السياسة الخارجية المصرية وتوجهه إلي الدبلوماسية الأمريكية للتعامل مع مخلفات حرب أكتوبر وما بعد ذلك. وقد استمر هذا التراجع ووصل إلي حد القطيعة عام1985 حين بدأت هذه العلاقات تأخذ اتجاها ايجابيا يقوم علي المصالح المتبادلة واحترام اختيارات مصر. وقد قوي هذا الاتجاه بمجيء جورباتشوف إلي قيادة الاتحاد السوفيتي وسياسته الجديدة في مصر باتجاهها الواضح إلي إحداث توازن في علاقاتها الإقليمية والدولية وتصحيح الاختلالات التي حدثت فيها خلال السبعينات عربيا ودوليا, أما في الأوقات التي اتجهت فيها القوتان العظميان خلال الحرب الباردة إلي بث الاستقرار في علاقاتهما وبناء علاقات وفاق وتعاون فان كلا من مصر والصين قد رحب بذلك وكلاهما اشترط ألا يتم علي حساب مصالح القوي الصغيرة والمتوسطة وإلا يمثل هذا اتفاقا علي الهيمنة علي العالم. دولتان لهما مثل هذا الرصيد من الخبرات والتجارب المشتركة, كان لابد لهما من رؤية إستراتيجية مشتركة وهما مقبلتان علي القرن الحادي والعشرين, وهي الرؤية التي انعكست في البيان المشترك الذي صدر عن زيارة الرئيس الأسبق حسني مبارك للصين في الفترة من5-9 ابريل عام1999 والذي تضمن' إعلان تعاون استراتيجي بين البلدين' علي المستوي الثنائي والدولي. وعلي الرغم من أهمية هذا الإعلان إلا إننا لا نعتقد أنه قد تم تفعيلة, أو إنشاء آلية مؤسسية في صورة' حوار استراتيجي' يضمن استمرارية وتعميق هذا التعاون, وهذا هو التحدي الذي يواجه البلدين اليوم خاصة مع الحركة الدولية التي تتطور نحو تأسيس نظام متعدد الأقطاب يحقق للمجتمع الدولي ديموقراطية العلاقات الدولية, وللصين مكانتها المستحقة كقوة كبري تشارك في صنع القرار الدولي, ويحقق لمصر, شأنها شأن كل الدول الصغيرة والمتوسطة, حرية الحركة والإختيار وأن لا تقع أسيرة لقوة واحده تنفرد بقرارات السلم والحرب. ونأمل أن مصر وهي مقبلة علي بناء علاقات دولية تعتمد علي التوازن وتعدد الاختيارات سوف تكون حريصة علي تعميق علاقاتها مع قوة صاعدة مثل الصين وأن تنتقل في إدارتها لهذه العلاقات من مجرد' الإعلانات والبيانات المشتركة' إلي العمل المؤسسي المنتظم الذي يضمن تفعيل هذه الإعلانات علي المستويات الثنائية والدولية. ومن خلال عده زيارات للصين كاتب هذه السطور ولقاءات مع عدد كبير من مراكز البحث, وعلي المستوي الرسمي والحزبي ممثلا في وزارة الخارجية الصينية, والحزب الشيوعي الصيني, لمسنا أن الصين مستعدة لمثل هذه النقلة وهذا المستوي الجديد للعلاقات. لمزيد من مقالات د. السيد أمين شلبي