في الجلسات الترفيهية.. وفي التجمعات النسائية في النوادي.. أو حتي بين الصديقات في جلسات النميمة, ينصب كل حديث عن المرأة عن مدي جمالها وقوامها وشعرها. وماترتديه من مجوهرات وماتملكه من رصيد في البنوك وعن أحدث بيوت الأزياء التي تشتري منها ثيابها, وأحدث الماركات العالمية التي تستخدمها في ماكياجها وكريم بشرتها, ولكن نادرا ماتدور الأحاديث حول شخصيتها أو عقلها.. ورصانتها واتجاهاتها العلمية, ومكانتها في المجتمع ومدي ماتقدمه لوطنها؟ كأنما المرأة خلقت من أجل أن تكون جميلة فقط,, فلماذا هذه النظرة القاصرة؟وهل تغيرت بعد ثور25يناير واعتصامات ميدان محمد محمود والعباسية وأخيراجمعة رد الشرف وحرائرمصر؟ د. فاروق محمد العادلي أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة يؤكد أن في عمليات التنشئة الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي في مجتمعاتنا العربية, تتصرف معظم الأسرة ويتصرف الآخرون مع البنت علي نحو يؤكد لها أن وجودها غير مرغوب فيه, وأنه إنما جاءت إلي الحياة في سعي الأسرة لكي يولد لها ولد, وأنها تمثل عبئا في الإنفاق عليها بغير عائد, وتركز عمليات التنشئة علي إعداد الفتاة علي أن تكون زوجة, وترسخ الممارسات الاجتماعية اعتقادا لدي الفتاة يصاحبها مدي الحياة بأنها خلقت لذلك فقط, ويترتب التركيز علي هذا الدور أن تنصرف المرأة عن الاهتمام بملكاتها العقلية وتنشغل بكيانها الجسدي ملامحها وقوامها وشعرها وملابسها, وما إلي ذلك, ويصبح كل همها في الحياة كيف تبدو أو تعرض نفسها بشكل تحوز به إعجاب الرجل, في حين تهتم الأسرة في الغالب بتعليم الولد وتدفعه إليه وتحفزه عليه ولاتتردد في تحمل أية أعباء تقتضيها, فإنها لاتبدي غير اهتمام فاتر بتعليم البنت, ولاتتردد في إخراجها من المدرسة حين يتقدم لها العريس, وأكبر دليل علي ذلك هو قول بعض الأمهات المأثور تعليم الولد ضروري لأنه هايفتح بيت.. لكن البنت مسيرها للجواز وما أدفعه في تعليم البنت من الأفضل أن أجهزها وأجوزها بيه. وفضلا عن ذلك فالأسرة ترسخ في ذهن البنت أن تعليمها هدفه مجرد اكتساب قدر من الثقافة العامة وبعض الخبرات والمهارات التي تؤهلها لشغل أدوارها في الحياة الزوجة والأم وربة البيت. ويستقر في بعض الأوساط اعتقاد خاطئ بأنه لايصح أن تكون الزوجة أكثر تعليما من الزوج, ومن ثم ترغم الفتاة في بعض الحالات علي أن تتوقف عن التعلم بعد المرحلة الثانوية أو تكتفي بالمرحلة الجامعية حتي لايؤدي تعليمها الأعلي إلي تقليل فرصها للزواج, وهكذا تتصرف المرأة علي نحو يلتقي مع ذلك التصور لوضعها في الحياة فتقمع حاجاتها ومشاعرها, وتلغي تميز شخصيتها وثراءها, وتكرس كل اهتمامها للعناية بجسدها ونظافته, موضوع علاقتها بالرجل, وتفني في شخصية الزوج وتصبح مجرد امتداد له, ويصبح كل همها في الحياة أن تشبع حاجات الرجل من غذاء وغيره, وتنجب أبناء تكمل بهم متعته ويضمنون استمرار اسمه في الوجود, ويحمون ثروته من أن تئول للآخرين, وهكذا لايبقي للمرأة العربية بصفة عامة غير دور طفيلي في الحياة هو ببساطة دور إشباع حاجات الرجل, ولوفعلت غير ذلك نظروا إليها علي أنها امرأة غير سوية مسترجلة ومستقوية..!!..والمثير للدهشة أن كثيرا من الزوجات في الريف مازلن يتحمسن حينما يقدم أزواجهن علي الزواج من جديد, فذلك يعني أن تضاف قطعة أرض تملكها الزوجة الحديثة إلي حيازة العائلة, فضلا عما توفره الزوجة الحديثة من أيد عاملة جديدة تخفف العبء عما يوجد لدي العائلة من أيد عاملة وأولهم الزوجة القديمة. هذا الوضع الاجتماعي يمثل مكانة المرأة التقليدي في مجتمعاتنا العربية الذي عاشته ومازالت تعيشه في قطاعات مجتمعاتنا العربية لاسيما القبلي والريفي, والذي ثارت عليه المرأة المتعلمة في البيئات الحضرية نتيجة لما حدث من تغيرات طرأت علي وضع المرأة نتيجة التعليم, وبرغم أن هذه التغيرات تمت في إطار تبعيتها للرجل, إلا أنها تغيرات تبشر بالأمل في تغيير نظرة الرجل للمرأة, وهو دور يجب أن تضطلع به التربية, بمعني حل الصراع في الثقافة بين القيم التقليدية والقيم الجديدة التي بدأت في الظهور في المجتمعات العربية التي كان يسودها تفكير تقليدي وبدأت تحكمها قيم جديدة تقف في سبيل التغيير, فالتعليم هو خير أداة من أدوات النضال الوطني. ومما لاشك فيه أن النظرة إلي النساء العربيات عموما- والمصريات بشكل خاص- قد تغيرت بعد نزول النساء إلي المظاهرات كتفا بكتف إلي جانب الرجال للمطالبة بالتغيير والقضاء علي الفساد والمفسدين, في تونس ومصر واليمن وليبيا واخيرا سوريا وكانت المرأة المصرية مفاجأة أذهلت العالم في ميدان التحرير وماسبيرو, ومحمد محمود وقصر العيني, واخيرا ثورتهن في جمعة رد الشرف وحرائر مصر التي ظهرن فيها كما لم يظهرن من قبل في رفض كل أنواع الممارسات العدوانية ضدهن, وبعد كل هذه الوقفات أوالاعتصامات والإضرابات وبعد هذه الصحوة النسائية والمطالبة بالتغيير, تغيرت بالطبع معظم أحاديث النساء في التجمعات والجلسات بل حتي علي التليفون, واتخذت مسارا آخر, وقد أصبحت معظم الأحاديث تدور فيما يحدث علي الساحة السياسية لحظة بلحظة من خلال مشاركتهن فعليا في الأحداث أو من خلال متابعتهن للأخبار علي الفضائيات والإنترنت, وأصبح جل اهتمامهن بالعلم والتعليم, وانصبت أحاديثهن حول المستقبل الواعد لللأسر المصرية وكيفية النهوض به ومن هنا يؤكد د. العادلي ضرورة الاهتمام بتعليم المرأة وإزالة المعوقات الثقافية التي تعترضها حتي لاتعود إلي الخلف مع الاهتمام بتربية الأجيال القادمة وترسيخ القيم الثقافية الجديدة التي تتفق مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الراهنة, ولانستطيع أن نغفل الدور الترشيدي المهم الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في إبراز دور المرأة بعد الثورة, كما أن كتب الأدب ومجلاته في مجتمعاتنا العربية يجب أن تحفل بإبراز المرأة الحقيقيةوليست الهزلية في صورتها العزيزة القوية.