بين فرحة النصر وضرورة التواضع, سيجتمع برلمان الثورة بعد أيام. فازت التيارات الإسلامية. وكم لهذا الفوز من تبعات ثقيلة وتحديات جسام. لقد كان فضل الله علي مصر عظيما, حين هيأ للثورة أسبابها ووقاها من المخاطر والفتن حتي تحركت سفينة النجاة والحرية من شاطئ الفساد والظلم, تمخر عباب الفتن تجاه شاطئ الأمان والصلاح والرفعة والتقدم. كم من التحديات واجهت هذه السفينة, أمواج عاتية من القراصنة وأعداء الإنسانية والثورة, ومازالت, لكن عناية الله أقوي وقدر الله غالب والحمد لله.. ويبقي الدرس المستمر الذي يجب أن يلازمنا دوما.. وهو أن وعد الله حق, وسنن الله في خلقه ثابتة. لقد تعرض الشعب المصري طوال العقود الأخيرة لظلم فاحش بين قهر وفقر ومرض وجهل وتعتيم وتضليل عاشه غالبية الشعب المصري, وبين صفوة من خيرة أبناء مصر البررة من العلماء والفقهاء والصالحين والمصلحين والمفكرين من الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم الذين لاقوا من ويلات العذاب ما لاقوا في سراديب السجون المظلمة, لم يكن هذا بعيدا عن الله حاشاه لكنها سنن الكون وفطرة البشرية, وتدافع الناس, حتي يميز الله الخبيث من الطيب, ويأتي نصر الله لعباده المظلومين بأدوات وقدرة تفوق الخيال وتحقق المنال ويتجسد فيهم قول الله ووعده( ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). لم يكن الإخوان أو السلفيون أو غيرهم من شرفاء الليبراليين الذين تعرضوا للظلم إلا أسبابا لنصرة الله ومدد السماء. وكم من المظلومين والمرضي والفقراء, بل والجياع, قد تضرعوا إلي الله بأن ينتقم من المفسدين. أذكر ذلك حتي يتقين الفائزون أن فوزهم كان بفضل الله وبفضل دعوات المظلومين وليكون ذلك أجدي لهؤلاء الفائزين بالتواضع وإدراك المسئولية.. مسئولية اصطفاء الله لهم واختيارهم لأداء رسالة العدل بين الناس, وما أصعبها من مهمة إذا غاب عنها توفيق الله ومرضاته وتأييده, والذي لن يكون إلا في إطار تقوي الله مع الأخذ بكل أسباب العلم والرفعة والتقدم. لا وقت للضياع, وسباق الزمن من أجل الخير لمصر هو العنوان الكبير الذي يجب أن نرفعه جميعا, خاصة المسئولين والنواب في مجلس الشعب وغيره, لأن هذا هو التحدي الحقيقي والميدان الجاد الذي يفرز الغث من السمين.. ومن هنا اقترح أن يخلو الاجتماع الأول لبرلمان الثورة من الشكليات, وأن يدخل مباشرة في الموضوع الكبير إنقاذ مصر فليبدأ بشكر الله والثناء عليه, ثم شكر الشعب المصري ثم الإقرار بقيمة وقامة شهداء الثورة وكل قطرة دم أريقت في سبيلها والتعهد بالقصاص ورد الحقوق لأصحابها, بعد ذلك تبدأ الجلسة.. ملفات ضخمة تنتظر أعضاء البرلمان بعد الاسراع في اختيار الرئيس والنائبين منها.. ضرورة الدفع بعجلة الإنتاج سريعا وعاجلا من خلال لجنة مشاريع قومية ووطنية عاجلة واستراتيجية. تطمين الجميع علي حكمة برلمان الثورة من خلال الالتزام بسياسة وسطية رشيدة تضمن حقوق المواطنة للجميع ووحدة المجتمع المصري, كما تضمن الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية. تشكيل لجان تكون بمثابة حكومة ظل وتتفوق في إمكاناتها علي الحكومة الفعلية بالعلم والوضوح والمقترحات والجدية والحب حتي يعمل الجميع في تنسيق وتكامل ووئام في ظلال مصلحة مصر. تأكيد سيادة الدولة وقوتها وعدم المساس بأركانها, خاصة القضاء والجيش وحرية ومسئولية الصحافة. إن علي النواب وخاصة الاسلاميين أن يكونوا صورة مشرفة للاسلام من التجرد والمسئولية الوطنية وتحقيق آمال من اختاروهم وأن يحذروا الوقوع في الخطأ أو الفشل, وأن يبذلوا قصاري جهدهم في سبيل الله والوطن. عليهم ذلك وأكثر لأن الكثيرين يتربصون بهم, لأنه حين الفشل لا قدر الله لن يتهم النواب ولكن سيتهم الاسلام وتلك هي الكارثة! تأكيد قوة مصر وقيمتها الفعلية وإرسال رسالة للجميع, خاصة إسرائيل وأمريكا, بأن مصر الآن ليست مصر قبل52 يناير, وأن التعامل والعلاقات حين تكون في إطار من احترام السيادة المصرية وإرادة الشعب أجدي من الابتزاز والمؤامرات والأبواب الخلفية. أخيرا إن الشعب المصري الأبي الذي قدم أعظم نماذج الثورة السلمية والانتخابات البرلمانية لقادر علي درء ما يحاك له من فتن وما يحفر له من عثرات, وذلك بالوعي والصبر والحكمة حتي نفوت علي أعداء ثورتنا المباركة العظيمة فرص التخريب وإعاقة المسيرة, خاصة في يوم الاحتفال بيوم الثورة52 يناير حتي يكون يوم سلم وفرح وأمان.. وحمد وعرفان.. وتواضع وإيمان. [email protected] المزيد من مقالات إسماعيل الفخراني