التحية الواجبة هي لشخص السيد رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور الذي فاجأني سيادته بالتكرم بالاتصال بي في صباح يوم الثلاثاء قبل الماضي(2013/11/5) وهو ذات اليوم الذي نشرت فيه صحيفتنا( الأهرام) مقالي الذي حمل عنوان: نداء إلي السيد الرئيس والفريق أول السيسي. كان النداء من أجل الرجاء بالتدخل لدي لجنة الخمسين الخاصة بإعادة كتابة الدستور المصري الجديد, كي تضع علي جدول أعمالها اقتراحا تقدمت به إلي اللجنة يتضمن تشكيل مؤسسة وطنية تحمل اسم مجلس الأمن القومي تكون وعاء للفكر وللتخطيط الاستراتيجي وتقوم بصياغة الاستراتيجية العليا للدولة في المجالات المختلفة للأمن القومي المصري بكل أبعاده ومكوناته: الدفاعية والأمنية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والثقافية والإشراف علي تنفيذها من خلال ثلاثة مجالس عليا هي: المجلس الأعلي للدفاع والأمن والمجلس الأعلي للسياسة الخارجية والمجلس الأعلي للاقتصاد والتنمية المجتمعية الشاملة. فاجأني السيد الرئيس بأنه قرأ المقال وأنه مهتم بالإطلاع علي نص اقتراحي بخصوص مجلس الأمن القومي وطلب مني سيادته أن أرسل له النص ووعدني بأنه إذا وجده جديرا بالاهتمام فسوف يرسله إلي لجنة الخمسين. وبعد أقل من نصف ساعة جاءني اتصال آخر من إحدي الجهات المعنية التي أطلعت علي المقال وشد اهتمامها وطلبت إرسال نص اقتراح مشروع تأسيس مجلس الأمن القومي الذي تحدثت عنه في مقالي المذكور. وتأكدت بعدها من وصول نص الاقتراح إلي هذه الجهة وأنه محل دراسة واهتمام, عندها تأكدت أن مصر تتغير وأننا بدأنا نسير في الطريق الصحيح. اتصال سيادته حفزني علي تكثيف الجهود من أجل الوصول إلي جهة القرار في لجنة الخمسين وبالفعل أمكنني الاتصال بالأستاذ عمرو موسي رئيس اللجنة والصديق الأستاذ محمد سلماوي المتحدث الرسمي باسمها, وحصلت علي موعد بلقاء مدته ربع ساعة مع الأستاذ عمرو موسي ظهر يوم الثلاثاء الماضي(12 نوفمبر الحالي) وفوجئت أنه علي علم كامل ليس فقط بالمقالات التي كتبتها بهذا الخصوص ولكنه كان علي علم أيضا بنص الاقتراح الخاص بمجلس الأمن القومي, وعندما سألته من أين حصلت علي هذا النص فكان رده هو المفاجأة الكبري والسارة عندما قال إنه حصل عليه من السيد الرئيس الذي أرسل إليه كامل الملف الذي كنت قد أرسلته إلي سيادته. عند هذا الحد أستطيع أن أقول إن السيد الرئيس قد قام بأكثر مما هو مطلوب من سيادته, وأن الأمر كله بات مسئولية لجنة الخمسين لذلك حرصت علي تسليم أربعة ملفات كاملة أخري تحوي نص المقترح والمقالات التي نشرتها في الأهرام بخصوصه باعتبارها بمثابة مذكرة تفسيرية أو مذكرة توضيحية. تركت الملف الأول بمكتب الأستاذ عمرو موسي للأستاذ محمد سلماوي حسب رغبة سيادته, وتركت الثاني في مكتب الدكتور جابر نصار أمين لجنة الخمسين وأستاذ القانون الدستوري رئيس جامعة القاهرة, أما الملفان الثالث والرابع فقد سلمتهما باليد لكل من الأستاذ سامح عاشور والأستاذ محمد عبد العزيز نائب رئيس لجنة نظام الحكم( حركة تمرد). كنت أتوقع, بعد تسليم هذه الملفات, أن أتلقي أي اتصال أو أي استفسار من أي من سيادتهم, لكنني, وللأسف, صدمت من حالة الصمت, غير المبرر منهم جميعا, وكأنهم يكررون السلوك نفسه لمن سبق أن سلمتهم نص هذا المقترح قبل أكثر من شهر ونصف. وأخشي أن يكون عدم الاقتناع أو عدم الاهتمام أو أن تكون ضغوط الوقت سببا في تجاهل دراسة مقترح تأسيس مجلس الأمن القومي وتضمينه في الدستور, أو أن تكتفي اللجنة بالنص الوارد في دستور2012 وتعديلاته بخصوص كل من مجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي وهو نص ليست له أي علاقة بمضامين المشروع الذي تقدمت به وتحمس له السيد الرئيس والجهات المعنية والذي لا يتعامل مع الأمن القومي بالمفهوم الضيق للأمن ولكن يتعامل معه من منظور سياسي- اقتصادي- اجتماعي- ثقافي إلي جانب كونه دفاعيا وأمنيا. كما أنه يحرص علي أن يكون المجلس وعاء للفكر وللتخطيط الاستراتيجي والرؤي المستقبلية, وأن يضم في صفوفه النخبة المميزة من المفكرين والعلماء والخبراء المدنيين والعسكريين جنبا إلي جنب لتكوين عقل جماعي وطني قادر علي الدراسة والتحليل والتخطيط والتنبؤ في كل مجالات الأمن وكل ما يتعلق بالدفاع عن المصالح وتحقيق الأهداف الوطنية العليا ومواجهة كل أنواع التهديد الداخلية والخارجية, وأن يضم في صفوفه مراكز البحوث والدراسات والتخطيط والتنبؤ السياسي المميزة في بلدنا. مجلس الأمن القومي بالصيغة التي اقترحها هو مجلس يجيب علي السؤال المحوري: من نحن وماذا نريد الآن وغدا وبعد عشر سنوات وبعد عشرين وثلاثين سنة. يقرأ التحديات المستقبلية ويخطط للموارد. وضربت مثلا بأن إسرائيل( العدو اللدود المجاور لنا) يخطط لحروبه القادمة عام2020 وعام2030 من منظور: من هم الأعداء, وما هي الجبهات المرشحة للمواجهة, وما هي الأسلحة التي سوف تستخدم في هذه الحروب. وما هي الاستراتيجيات اللازمة لخوض هذه الحروب والانتصار فيها. أين نحن من هذا النوع من التفكير والتخطيط ليس فقط علي المستوي العسكري والأمني ولكن علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية, ولماذا ولمصلحة من نضيع علي أنفسنا تمكين بلدنا من أن يكون له عقل استراتيجي يخطط للحاضر وللمستقبل ويتجاوز كل ما هو متعارف عليه من أطر ومؤسسات وهيئات تقليدية بليدة. نحن في حاجة إلي فكر جديد يأخذ بأحدث ما في النظم السياسية الحديثة ويكون قادرا علي توظيف كل القدرات والطاقات الوطنية. من حقنا ومن واجبنا كمصريين, أن نكون مبدعين ومتألقين, وألا نكتفي أن نكون دائما مقلدين. ندائي هذه المرة للسادة أعضاء لجنة الخمسين: نريد منكم دستورا عصريا لدولة عصرية حديثة, دولة قوية قادرة علي صنع المستقبل الذي تحلم به الملايين وقادرة علي الدفاع عنه. كي تسترد مصر عافيتها ومكانتها التي يراها كل العرب صمام الأمان لمستقبلهم قبل حاضرهم, وهذا لن يحدث دون أن يكون لمصر عقل يفكر ويخطط ويصنع الاستراتيجيات والسياسات العليا بأرقي أدوات البحث والمناهج العلمية التي يعرفها العالم ويحترمها, وهذا هو بالتحديد مجلس الأمن القومي الذي اقترحه وأرجوكم أخذه في اعتباركم. لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس