في الوقت الذي كانت فيه مختلف الجهات المهتمة بالشأن الميداني العراقي تعلن أن شهر أكتوبر الماضي هو الأكثر دموية في العراق منذ أعوام ذروة الاقتتال الطائفي كان نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي يزور الولاياتالمتحدة حيث التقي أركان الإدارة الأمريكية وعلي رأسهم الرئيس أوباما ونائبه بايدن قبل أن يغادر فجاة إلي بغداد السبت الماضي, ولسنا هنا بصدد أسباب العودة المفاجئة للمالكي إلي بغداد لأنها أكثر من أن تحصي بقدر ما نحن بصدد إلقاء الضوء علي مسار العراق الجديد الحافل بأنواع القتل وسط امتداد موجات القتل والتخريب إلي الإقليم لتصبح سمة إقليمية بعد أن كانت عراقية خالصة, وإن تعددت الأسباب فإن الحصيلة واحدة.... العراق الجديد الذي سعت الولاياتالمتحدة إلي إقامته لم يشهد أي جديد إلا أنهار الدماء اليومية, أما بالنسبة للديمقراطية وتداول السلطة ومشاركة الجميع في حكم العراق بعد ما سمي بديكتاتورية صدام حسين فقد تم استبدالها بديكتاتورية من نوع آخر قامت في البداية علي المذهب والعرق ثم انحسرت إلي الكتلة, فالحزب ثم إلي الفرد, وذلك خلال سنوات عدة تم إنجاز المشروع الديمقراطي الأمريكي لعراق جديد مقوماته الفوضي وديكتاتورية الفرد المرتكز علي المذهب إضافة إلي القتل وغياب أي معلم من معالم الدولة الحديثة.... العراق الجديد اختصر تطور الديكتاتوريات في سنوات معدودة وربما يكون هو الإنجاز الوحيد للجهود الأمريكية التي أشرف عليها بايدن بجانب تفجير الألغام الطائفية والمذهبية في بلاد الرافدين والانطلاق إلي الإقليم ضمن آليات حملت الكثير من المسميات المصنعة أمريكيا وعلي رأسها الربيع العربي الذي التهم البشر والحجر في المنطقة دون أي تقدم بعد التخلص من ديكتاتوريات كانت تؤدي أدوارا تجاوزها الزمن وطبيعية الصراع وانتهت صلاحيتها أمريكيا... المالكي الساعي لولاية رئاسية ثالثة في حكم العراق التقي أوباما ولدية الكثير من العروض غير المعلنة والطلبات المعلنة, وأول هذه العروض هو لعب دور في التقارب الإيراني الأمريكي وفي الملف السوري ومكافحة ما يسمي بالإرهاب, ونظرا للتعقيدات والحساسيات ولإدراك واشنطن بتورط عراقي مذهبي غض الطرف عنه من حكومة المالكي إن لم يكن قد شجعه في المعارك الدائرة في دمشق وغيرها وهو ما أصبغ المعارك بالصبغة المذهبية خاصة وأن التورط العراقي كانت مبكرا في النزاع السوري وهو ما يعني الدخول في مواجهه مع الأطراف الأخري الداعمة للقوي التي تريد الإطاحة بالأسد, أما طلبات المالكي فكانت السلاح الذي يستخدمه في مكافحة القاعدة خاصة في المناطق الغربية في الحدود مع سوريا, خاصة وأن ما يسمي بتنظيم دولة العراق الإسلامية في العراق والشام بات فاعلا في الصراع السوري إضافة إلي ما أعلن عن تبنيه للعديد من الهجمات الانتحارية المنظمة التي شهدتها بغداد ومدن عراقية مؤخرا.... الولاياتالمتحدة تدرك جيدا الأمور في العراق وتعي كيف يفكر المالكي, ولديها معلومات مؤكدة عن الجهات الفاعلة في الميدان والتفجيرات التي يشهدها العراق وأهدافها وكيفية توظيفها من قبل أطراف في الحكومة لإبقاء الوضع علي ما هو عليه ولصالح استمرارها واستمرار المالكي أو ما يسمي بالمشروع الطائفي للعراق كبداية, وهذه الأمور وغيرها الكثير من المعلومات الموثقة جعلت أوباما يطالب بوقف التهميش والإقصاء وضرورة أن يشارك الشيعة والسنة والأكراد في العراق في الحكم. وبالرغم من مطالبة الرئيس الأمريكي إلا أنه في النهاية لن يعمل إلا ما يلبي مصالح بلاده حتي وإن احترق الجميع, هذه المصالح تمرس المالكي بمعاونه إيران علي كيفية التعامل مع الولاياتالمتحدة بشأنها وزاد من الأمر المتغيرات علي الساحة الإقليمية والدور الإيراني في سوريا بمعاونة العراق الذي أنقذ نظام بشار الأسد من الإنهيار حتي الآن بوسائل دعم مختلفه معروفة.... وداخليا فإن الوضع العراقي علي المستوي السياسي كما هو عليه من جمود وأزمات وعدم ثقة بين الفرقاء السياسيين والجميع يلعب بمختلف الأدوات في إدراة الصراعات التي لانتهي علي الحكم الذي استحوذ علية المالكي وائتلاف دولة القانون الذي يترأسه بل إن المالكي همش الأطراف الشيعية التي دعمته للوصول إلي الحكم والاستمرار فيه وهو الأمر الذي عبر عنه زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر بانتقاده زيارة المالكي إلي واشنطن معربا عن أمله بأن يستغيث المالكي بشركائه في العملية السياسية بدلا من استجداء( حرب عالمية ثالثة) من دول أوصلت العراق إلي الهاوية ودعم للإنتخابات المقبلة, مؤكدا أن صفقات الأسلحة مع أمريكا لن تكون أفضل من السابق. الصدر أشار إلي أنه' كان من المفترض جمع كل الأطراف العراقية لكي ينتشل العراق من تلك الخلافات والصدامات والصراعات.... هذه الصراعات التي أشار إليها الصدر لم تشهد أي حلحلة بل العكس ازدادت وغذيت في ظل موجة الفوضي الإقليمية وبقي العراق في دوامة العنف وبلا قانون ينظم العملية الانتخابية البرلمانية المقررة العام المقبل والتي يتمني الجميع أن تكون البداية لإخراج العراق من دائرة الطائفية السياسية لأن السنوات الماضية أثبت أن عجاف وبامتياز يفوق أي وصف... ويبقي الباب مفتوحا أمام الكثير من السيناريوهات التي تنتظر المنطقة في ظل استمرار الحرب السورية والفوضي العراقية ويبقي للعراق دور لذاته و لجغرافيته والمعادلات الطائقية السياسية التي تحكمه في الكثير من الأمور التي تحفل بها المنطقة في ظل الصراعات الإقليمية الجارية ومع تواصل وانكشاف المخططات الأمريكية لتفتيت دول المنطقة تحت مسميات متعددة.