بمرونة كبيرة وسرعة قياسية قام النظام السوري ببدء تدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية وفقا لقرار مجلس الأمن2118 الناجم عن الاتفاق الأمريكي الروسي, في دلالة واضحة علي أنانية هذا النظام وتقديم كل ما يحفظ بقاءه واستمراره حتي وإن كان التضحية بمقدرات الشعب السوري بما يزيد من أمد الأزمة وتعقيدها. فالترسانة الكيماوية هي جزء أصيل من القوة العسكرية للشعب السوري وقدراته الردعية تجاه العدو التقليدي إسرائيل الذي لا يزال يحتل الجولان ويمتلك كل أنواع أسلحة الدمار الشامل سواء كانت نووية أو كيماوية, وبالطبع المستفيد الوحيد من تلك الخطوة هو الجانب الإسرائيلي, فإضافة إلي استنزاف الجيش السوري وأسلحته التقليدية في المعارك مع المعارضة, فإن التخلص من الأسلحة الكيماوية يعني انتهاء أي تهديد محتمل يمكن أن يشكله الجانب السوري لعقود قادمة, والمفارقة أنه في الوقت الذي يظهر نظام بشار مرونة عالية في تدمير قدرات سوريا العسكرية, فإنه يبدي ممانعة تجاه أي حل سياسي يخرج البلاد من موقف اللاحل الذي تعيشه منذ ثلاث سنوات, ولا يزال يراهن علي الحل الأمني في القضاء علي المعارضة ووأد الثورة بمساعدة إيران وحزب الله, ويراوغ الآن بورقة الكيماوي للإفلات من أي ضربات عسكرية أمريكية, فهي بمثابة طوق النجاة له من الانهيار بعد أن فقد كل شرعية للاستمرار في الحكم مع قتل عشرات الآلاف وتهجير الملايين وتدمير البنية الأساسية لبلاده, وهو يحاول أن يعطي رسالة للغرب, وعلي رأسه الولاياتالمتحدة, أنه يتعاون مع فرق التفتيش الدولية ويلتزم بالقانون الدولي, مع أنه بهذا يكرر السيناريو العراقي في التخلص من أسلحة الدمار الشامل بما يجعل سيف العقوبات والحصار الدولي مسلطا علي رقبة الشعب السوري الذي يعيش حاليا محنة إنسانية حقيقية في كل جوانبها, كما أنه يحاول إعطاء رسالة لروسيا أنه ملتزم بمبادراتها حول الكيماوي بما يضمن له استمرار دعمها القوي, ويستطيع من خلال ذلك فرض الحل السياسي الذي يريده إذا ما انعقد مؤتمر جنيف2, والذي يواجه تحديات كثيرة, تحت اعتقاد أن موازين القوي الآن في مصلحة مع المعارضة وأن الضغط الدولي قد تراجع. والواقع أن تدمير الكيماوي السوري ليس حلا للأزمة بل علي العكس سوف يعقدها, لأن جوهر القضية الحقيقية في سوريا هي الصراع بين الديمقراطية وتطلعات الشعب السوري صوب الحرية والكرامة وحقه في اختيار من يمثله, وبين نظام ديكتاتوري يستخدم كل الحيل الشرعية وغير الشرعية من أجل البقاء والتسلط, وأحد جوانب التعقيد في الأزمة هو تعدد أطرافها وتعارض مصالحهم, فظاهريا يبدو الصراع بين طرفي النظام والمعارضة لكنه في حقيقته صراع إقليمي تتداخل فيه أطراف كثيرة مثل إيران وحزب الله كداعم للنظام, وأطراف عربية وخليجية داعمة للجيش الحر, وصراع دولي بين روسيا التي تحاول استعادة دورها في النظام الدولي وتحجيم التوسع والتغلغل الأمريكي في الشرق الأوسط ومحاصرة الظاهرة الإسلامية وهو ما يفسر دعمها المستميت للحفاظ علي بشار, وبين الولاياتالمتحدة وأوروبا والذين لا يهمهم قضية الديمقراطية بقدر التخلص من القدرات السورية بما يضمن أمن حليفتها إسرائيل. وزاد من التعقيد دخول القاعدة الممثلة في جبهة النصرة علي خط المعارضة مما أسهم بشكل كبير في تشويه قضية الشعب السوري العادلة في الحرية وأفقد كثيرا من التأييد الشعبي والدولي للمعارضة والجيش الحر, وأعطي الفرصة للنظام لتبرير أفعاله الإجرامية بحجة أنه يحارب الإرهاب, كما أنه أحدث خلطا وترددا في الموقف الدولي وجعله بين نارين إما سقوط بشار أو بديل إسلامي متطرف. كل هذا جعل الأزمة السورية وكأنها نزيف مستمر الخاسر الحقيقي فيها هو الشعب السوري مع استمرار عمليات القتل والتدمير والتهجير في ظل غياب أفق واضح وحل سياسي للأزمة يحقق ثلاثة أهداف أساسية أولها رحيل النظام الديكتاتوري وتشكيل حكومة وحدة وطنية توقف دوامة العنف وتقود البلاد وفق خريطة طريق واضحة تكرس الديمقراطية والحرية والتعايش بين كل أبناء الشعب, وثانيها تطهير المعارضة السورية من كل العناصر الإرهابية المتطرفة المحسوبة علي القاعدة والتي لا يمكن أن يكون لها مكان في سوريا المستقبل, وثالثها وقف كل صور التدخل الخارجي وتشابكات الأطراف الإقليمية والدولية والتي تتخذ من سوريا ساحة لصراع المصالح وانتهاك وحدة وسيادة البلاد. المخرج من وضع اللاحل للأزمة السورية لن يكون سوي بتحقيق تلك الأهداف الثلاثة ومن دون ذلك هو التفاف علي الحلول الحقيقية واطالة أمد الأزمة واستمرار نزيف الدم السوري, وينبغي للمعارضة أن توحد صفوفها وتقدم رؤية شاملة وواقعية تمكنها من التفاوض في مؤتمر جنيف2 لحشد التأييد الشعبي في الداخل والخارج, ومع فشل الحلول العسكرية في حسم الصراع لأي من طرفي الأزمة, فإن استمرار النظام وتعنته ومراهنته علي الحل الأمني لن يجدي في ضمان بقائه لأنه عاجلا أو آجلا سوف يسقط, والتكلفة العالية لاستمراره هو تدمير سوريا وتفكيكها والتخلص من الكيماوي بداية لفصل مأساوي جديد. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد