جاء استخدام السلاح الكيماوي في مناطق الغوظة الشرقية بريف دمشق بمثابة نقطة تحول خطيرة في المعادلة السورية, ليس لما خلفته من مئات القتلي والمصابين من النساء والأطفال في مشاهد مأساوية هزت الضمير العالمي, وإنما أيضا لأنها تقلب قواعد الأزمة السورية وتنقلها إلي مسارات جديدة وسيناريوهات مفتوحة بعد ان ظلت تراوح مكانها لأكثر من عامين ونصف. فبالرغم من أن السلاح الكيماوي استخدمه النظام السوري مرات عديدة من قبل وبصورة محدودة في مناطق حلب وحمص, فإن اللجوء إليه بهذه الطريقة وبهذا العدد الكبير من الضحايا أدي إلي استنفار المجتمع الدولي والسعي لاتخاذ مواقف حاسمة من جانب القوي الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدة بعد أن ظلت مترددة بين الرغبة في إسقاط نظام بشار الديكتاتوري والحذر في دعم المعارضة والخوف أن يخلف بشار نظام إسلامي متشدد تسيطر عليه عناصر القاعدة بعد أن أضحت جبهة النصرة طرفا فاعلا في العديد من المناطق السورية, وهو ما قد يمثل تهديدا حقيقيا للمصالح الامريكية ومصالح حليفتها إسرائيل التي كانت استخباراتها أول من كشف النقاب عن وجود اسلحة كيماوية في سوريا. ويشكل التدخل العسكري أبرز الخيارات الحاسمة من جانب إدارة الرئيس أوباما في حالة إثبات فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في ريف دمشق, فالاعتبارات الاخلاقية أمام مثل تلك الجريمة الإنسانية وضغوط الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي تدفع أوباما ومعه حلفاؤه البريطانيون والفرنسيين إلي التدخل العسكري, فمن ناحية فإن النظام الدموي في دمشق بلجوئه إلي استخدام الأسلحة الكيماوية لكسر شوكة المعارضة والجيش الحر يعطي المسوغ للتدخل العسكري الخارجي, ومن ناحية ثانية فإن الموقفين الروسي والصيني, اللذين مثلا حائط صد داعما لنظام بشار ضد التدخل الغربي, سواء عبر استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد استصدار أي قرار لفرض العقوبات علي سوريا أو عبر تقديم الدعم المسلح المباشر للنظام, لا يمكن لهما ان يستمرا علي نفس المنوال أمام جريمة استخدام الاسلحة الكيماوية لأنه سينزع الشرعية عن حجج الدولتين في دعم النظام في مواجهة ما تسميه جماعات إرهابية مسلحة, وأن الحل السياسي وليس العقوبات هو المخرج للأزمة في إطار صيغة الاحتفاظ ببشار في أي تسوية مستقبلية للأزمة, ومن ناحية ثالثة حتي لو أحبطت روسيا أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن يبرر التدخل العسكري الأمريكي تحت الفصل السابع, فإن الولاياتالمتحدة أمامها خياران في هذه الحالة:الاول التدخل المباشر دون تفويض من مجلس الأمن علي غرار ما حدث في كوسوفو وشن غارات جوية ضد الصرب, وما حدث أيضا في العراق ثم إضفاء الشرعية بعد ذلك من الأممالمتحدة واستصدار قرارات من المجلس تحت مظلة الواقعية السياسية, والثاني اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة واستصدار قرار تحت غطاء الاتحاد من أجل السلام يعطيها مشروعية التدخل مع حشد دعم الجامعة العربية. التدخل العسكري سوف يأخذ شكل الضربات الجوية لتدمير سلاح الجو ومواقع إطلاق المدفعية السورية والتي تمثل أداة النظام الرئيسية في مواجهة الجيش الحر, وهو ما يعني تحولا جوهريا في موازين القوي بين قوة المعارضة وقوة النظام بما يعجل بسقوطه خاصة مع سيطرة الجيش الحر علي مناطق عديدة في سوريا, لكن هل يشكل التدخل العسكري الخارجي حسما للصراع وإنهاء الازمة السورية؟ بالطبع تجارب التدخل العسكري في العراق وأفغانستان وحتي ليبيا وغيرها أثبتت أن الخيار العسكري وحده لا يمكن ان يحقق الاستقرار, فمن دون وجود رؤية وحل سياسي شامل غالبا ما يكون التدخل عاملا لاستمرار الفوضي وعدم الاستقرار كما أن الضربات لن تقتصر علي القوة الجوية السورية وإنما ستمتد إلي تدمير البنية العسكرية السورية الكاملة. ومشكلة سوريا أن النظام الديكتاتوري يراهن منذ اندلاع الثورة ضده علي الخيار الأمني القمعي في سحق المعارضة واستخدام كل ما يملك من أسلحة تقليدية وفتاكة, ومعتمدا علي تناقضات الموقف الدولي بين روسيا والصين وبين والولاياتالمتحدة وحلفائها, إضافة لحلفائه الإقليميين إيران وحزب الله والذي أدي تدخله إلي انتقال الصراع إلي لبنان والتي انعكست في التفجيرات الأخيرة في الضاحية الجنوبية وبيروت. لكن رهان بشار الأمني قد فشل بشكل ذريع فلا النظام قضي علي المعارضة ولا المعارضة بدورها أسقطت النظام, وكانت المحصلة النهائية تدمير سوريا ومقتل عشرات الآلاف من الاشخاص وفرار ملايين اللاجئين إلي دول الجوار. ورغم أن النظام السوري وافق علي دخول فرق التفتيش الدولية للمناطق التي استخدم فيها السلاح الكيماوي, إلا أن كل الدلائل تشير إلي تورطه فيها بما يعجل بالتدخل العسكري مع تحريك الولاياتالمتحدة قواتها في البحر المتوسط بما يؤكد أننا إزاء فصل درامي جديد في الأزمة السورية, لن يكون الحل الأمثل, وإنما المخرج هو عملية سياسية شاملة تؤدي إلي رحيل هذا النظام, الذي فقد مشروعيته الكاملة, وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل أطياف الشعب السوري تسعي إلي تكريس الديمقراطية الحقيقية التي تحقق التعايش بين أبنائه وتلفظ العناصر المتطرفة وتحافظ علي وحدة واستقلال سوريا وتوقف مسلسل القتل والدمار, فهل يعي النظام السوري الدرس هذه المرة أم سيقوده عناده إلي انهيار سوريا مع سقوطه؟ لمزيد من مقالات احمد سيد احمد