تتعارض السياسة التي تنتهجها إدارة باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط- خاصة بعد ثورات الربيع العربي- بشكل واضح مع التطورات العالمية السريعة, ففي الوقت الذي تظهر فيه الأحداث الأخيرة أن العالم يتجه نحو التغيير وأنه يتحول إلي عالم يتعارض بصورة واضحة مع سياسات الولاياتالمتحدة مازال الرئيس أوباما يلتزم بالأساليب البلاغية التقليدية في سياساته مع منطقة الشرق الأوسط ويحذو حذو من سبقوه رغم أنه أتي بشعارالتغيير, وهو ما قد يهدد الوضع السياسي للولايات المتحدةالأمريكية وينزع منها ريادتها للعالم. بهذه الكلمات تتلخص الفكرة الرئيسية التي يتبلور حولها كتاب سياسات أوباما في الشرق الأوسط هل ترسم نهاية الدور الأمريكي في المنطقة؟.الكتاب بقلم جرجس فوزي الأستاذ الجامعي في سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية, ومدير برنامج الشرق الأوسط. ويسلط جرجس فوزي في كتابه الضوء علي علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالشرق الأوسط, مقدما شرحا وافيا للخطوات التي اتخذها أوباما في المنطقة وما بها من أخطاء. في الصفحات الأولي من كتابه المكون من ستة فصول, يشير جرجس إلي أن الإدارة الأمريكية انتهجت في الأعوام الستين الأخيرة سياسة محاربة النزعات الثورية في الشرق الأوسط, خشية تهديدها لمصالح واشنطن. وعلي حد قوله, تعمقت حالة غياب العمل الديمقراطي في العقود المتتالية في بلد مثل مصر- من ناصر إلي مبارك- نتيجة الترويج لفكرة عدم نضج الشعوب ثقافيا لممارسة الديمقراطية, وعليه بات العرب يعانون مما وصفه الباحث بالتخلف المزمن في البناء المؤسسي. فقد كانت الديمقراطية بالنسبة لكثير من حكام الشرق الأوسط فكرة غربية هدامة لا تتناسب مع مجتمعاتهم والظروف الاجتماعية لشعوبهم, بل كانت أيضا علي حد اعتقادهم مصدر تهديد لسلطتهم المطلقة. ويضرب جرجس المثل في ذلك بجمال عبد الناصر الذي نبذ الديمقراطية الليبرالية, وبخليفتيه أنور السادات وحسني مبارك اللذين كانا مؤمنين بأن المصريين ليسوا ناضجين بما فيه الكفاية لرسم مستقبلهم. وفي هذا المضمار, ينقل الباحث عن مبارك قوله إبان ذروة الثورة المصرية في فبراير2011 للعالم الغربي: أنتم لا تفهمون الثقافة المصرية وما قد يحدث إذا تنحيت. وبحسب جرجس, لعب مبارك طوال فترة حكمه علي وتر المخاوف الغربية بإيحائه للغرب بأن الديمقراطية لا تصلح مع الشعوب العربية لأنها قد تعزز شوكة المتطرفين والإرهابيين, وبزعمه أن الديمقراطية لا تصلح مع مصر لأنها قد تفتح منفذا للإخوان المسلمين يصلون من خلاله إلي السلطة. وفي ليبيا أيضا, نبذ الزعيم الليبي معمر القذافي رغبة الليبيين في التنعم بالديمقراطية والحرية, واصفا إياهم بالمضللين والجهلاء. وحتي في المملكة العربية السعودية, أدلي مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ببيان إبان ثورات الربيع العربي قال فيه إن المظاهرات لا أصل لها في الشرع, وإنها لا تجلب الخير بقدر ما تجلب الشر والبلاء. ووفقا للباحث فقد دعم صناع القرار الأمريكيين وعلي رأسهم الرئيس أوباما الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط لقدرتها علي إرساء الاستقرار, وكبح جماح شعوبهم, فقد شاع بين المسئولين الأمريكيين أن المسلمين غير مهيئين لممارسة الديمقراطية, وأن العرب حتما لن يحسنوا الاختيار إذا ما أتيحت لهم فرصة البت في مسألة ما. ومن ثم ينقل جرجس عن مندوبة الولاياتالمتحدة السابقة في الأممالمتحدة جين كيركباتريك قولها ذات مرة عن العرب والديمقراطية: إن العالم العربي هو المكان الوحيد في العالم الذي يهز قناعتي بأن الناس سيختارون الأصلح إذا ما أتيحت لهم فرصة الاختيار. وعلي حد قول جرجس, أجبر الديكتاتوريون في الشرق الأوسط المسئولين الأمريكيين علي دعمهم; إذ حذروهم بقولهم: إما نحن, أو المتطرفون. ولهذا وجدت واشنطن أن من الأصلح والأسلم لها أن تدعم عملاءها في الشرق الأوسط. ومن ثم تكشفت هذه السياسة الداعمة للديكتاتورية في ظل الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية علي حد سواء, وأثناء الحرب الباردة وبعدها كذلك. ويري جرجس أن تطبيق الأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط يخدم تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة. وهذا هو ما يطبقه الرئيس أوباما بحذافيره وينتهج في ذلك نهج سلفه الجمهوري جورش بوش. يقول جرجس إن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خاض الحرب في العراق من خلال الربط بين الترويج للديمقراطية واستخدام القوة العسكرية, فلطالما كان معتقدا أن بإمكان الولاياتالمتحدة إعادة تشكيل الشرق الأوسط عنوة, دون الإدراك أن ذلك سيفقده شعبيته. لذا توترت العلاقة بين الولاياتالمتحدة والبلدان الإسلامية إلي حد كبير في عهد بوش, فما جلب الغزو الأمريكي للعراق سوي البؤس, والخزي, والدمار, والقتل, فضلا عن تدميره اقتصاد البلد وبنيته التحتية. وعلاوة علي ذلك, أفضي التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان إلي عسكرة قطاع هام من الرأي العام العربي والإسلامي وانقلابه ضد القوة الغربية الإمبريالية, علي حد وصف الباحث الذي يوضح ذلك بقوله إن الدعوة إلي المقاومة المسلحة دوي صداها عبر البلدان الإسلامية, حيث استمع العديد من الشباب الغاضب لدعوات الجهاد التي أطلقها أسامة بن لادن, مؤمنين أن الغرب يشن حربا علي الإسلام والمسلمين. وبحلول نهاية رئاسة بوش, تحول موقف الكثير من المسلمين حيال السياسة الخارجية الأمريكية إلي عداء صريح. فقد أظهر استطلاع عام أجري في عام2007 أن79% من المشاركين المصريين, والمغاربة, والباكستانيين, والإندونيسيين يرون أن الولاياتالمتحدة سعت لإضعاف وتقسيم العالم الإسلاميس. ز موارد الشرق الأوسط النفطية, فيما رأي64% من المشاركين أنها ترغب في نشر المسيحية في الأراضي الإسلامية. أما أوباما, فقد أبهج فوزه في عام2008 برئاسة الولاياتالمتحدة الكثيرين في الشرق الأوسط. فيذكر أنه تعهد بالمساعدة في التفاوض لأجل إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين, والتقرب من النظام الإيراني المتعنت, وسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان. وأقنع خطابه الذي ألقاه في القاهرة العديد من المسلمين العاديين بأن فصلا جديدا في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وهذه المنطقة المضطربة قد بدأ. وعلي حد قول جرجس, جاء أوباما حاملا ميراث تدهور سمعة بلاده في الشرق الأوسط, وجاء في وقت كانت فيه الولاياتالمتحدة متورطة في التعامل مع ديكتاتوريين يضطهدون شعوبهم. لذا قرر الرئيس أن يضع لنفسه أجندة جديدة تختلف عن تلك التي كانت تخص أسلافه, مؤكدا أنه لن يفرض علي الدول الأخري القيم الأمريكية, وأن سياسته الخارجية في الشرق الأوسط ستركز علي إرساء الاستقرار, والبحث عن أرضية مشتركة تحقق مصالح كافة الأطراف. ولكن بعد انتهاء أول أربع سنوات يوضح جرجس خيبة أمل الكثيرين التي نتجت من فشل الرئيس في الارتقاء من لغته الخطابية السامية إلي إحداث تغيير حقيقي. فبعض المسئولين الأمريكيين- علي حد قوله- رأوا أن هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن وأماكن أخري ولدت الكثير من الشباب الراديكاليين فيما أبادت آخرين, وأن واشنطن فشلت في تقديم المساعدة الملموسة إلي حكومات جديدة في خضم التحولات الصعبة. وينوه الباحث إلي أن أوباما بدا معاديا للعالم العربي عندما هدد باستخدام حق النقض الفيتو- ضد أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية, كما أن تساهله مع دول معادية وعجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه المنطقة بدأ يهز صورته شيئا فشيئا. ومن وجهة نظر جرجس, تكمن المشكلة الرئيسية في أن واشنطن غيرت أوباما أكثر مما غير هو فيها, ويتجلي ذلك في فشله في التوسط في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين. فبعد ضغطه في البداية علي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف بناء المستوطنات, خفف أوباما من تدخله في القضية خوفا من التكلفة السياسية التي قد تعود عليه وعلي بلده بسبب ذلك. و في الوقت الذي كانت تتهاوي فيه الأنظمة العربية, كان أوباما يصب تركيزه علي جنوب آسيا, حيث كانت باكستان تخوض حربا بالوكالة مع الهند علي حساب المصالح الأمريكية. وبحسب جرجس, طلب الرئيس الأمريكي من كبار أعضاء الإدارة وقتئذ تعقب أسامة بن لادن, ومن ثم بات تقرب أوباما من العالم الإسلامي مجرد وسيلة لإعادة بناء سمعة بلده المدمرة, ولإعادة بناء مكانتها في العالم, ولدحر طالبان والقاعدة. ويقول جرجس إن نهاية العالم الأحادي القوة وتعدد مراكز الثقل الإقليمي والدولي قد يفتح الباب أمام ثلاث دول لتملأ الفراغ الناجم عن تراجع النفود الأمريكي في الشرق الأوسط: وهي إيران وتركيا, وفي مرحلة لاحقة مصر بعد أن تستقر أوضاعها الداخلية. ومن مظاهر توسع الدول الثلاث في محيطها الإقليمي امتلاكها أجندات مستقلة للسياسة الخارجية ومصالح تغاير المصالح الأمريكية. ولا يستبعد الباحث أن ينتقل مركز القوة والفعالية من القوي الكبري إلي دول الشرق الأوسط نفسها بفعل عوامل عديدة من بينها الرأي العام العربي والاتجاهات الأيديولوجية التي سوف تحتم علي الحكومات أن تصغي إلي رغبات الشعوب في صناعة القرار بشكل مستقل. وخلاصة الكتاب, كما يقول مؤلفه في ختامه: إن محنة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط هي نتاج مرير لأكثر من نصف قرن من الفشل الدائم في رؤية المنطقة من الداخل, والحد من تأثير المصالح الخاصة عليها, وعليه ربما تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية قد وصلت إلي نقطة نهاية دورها في الشرق الأوسط.