لقد اكتشف المصريون بعد عام من حكم الجماعة المتأسلمة أن تلك الجماعة تسير في طريق ممنهج يعادي الدولة الوطنية المدنية ويهددها في ثوابتها ويضرب أصولها ويزلزل أركانها ويقود حتما إلي انهيارها. لقد استيقظ المصريون علي حقيقة مفزعة وموجعة مفادها أنهم أمام جماعة تمارس أعمالا إرهابية منظمة من خلال تشكيلات داخلية وبالتعاون والتنسيق مع تنظيمات قطرية ودولية وبدعم, وتلك هي المفارقة المشبوهة, من أولئك الذين ملئوا الدنيا عويلا وصراخا من ضربات الإرهاب وشنوا حروبا وأسقطوا أنظمة ومزقوا دولا لمواجهته والقضاء عليه. نحن أمام جماعة تجسد الفاشية في أبشع صورها, إغتصبت الحكم وانحرفت به ومنيت بالفشل وأضاعت الفرصة التي أسقطت عليها واقتنصتها فنبذها الشعب بإجماع غير مسبوق, وأنهي بذلك مشروعا لتنظيم فشل علي مدي تاريخ ممتد لأكثر من ثمانين عاما في تقديم أي إنجاز إيجابي في حياة المصريين أو إفراز أي إبداعات في الفكر والثقافة والبشر. لقد تعددت وتنوعت أشكال وصور ذاك الإرهاب وأدواته وتوحدت أهدافه, وهنا نبادر بالقول إن المفهوم الشامل للإرهاب لا ينحصر في ذاك الأكثر شيوعا وهو الاستخدام غير المشروع للسلاح, بل ينصرف أيضا إلي أنماط أخري من أعمال إرهابية غير مسلحة والتي يمكن أن نطلق عليها الناعمة والتي تتمثل, في الحالة المصرية, في الممارسات الآتية للجماعة المتأسلمة. نذكر أبرزها علي سبيل المثال لا الحصر: القفز علي المشهد والاستحواذ عليه في الثامن والعشرين من يناير2011, بمنطق المغالبة والترهيب لا المشاركة والترغيب. في مشهد غير مسبوق إستبقت الجماعة إعلان النتائج الرسمية لانتخابات2012 الرئاسية وحشدت وتوعدت وهددت بحرق مصر في حالة عدم فوز مرشحها, الأمر الذي يثير شكوكا مشروعة عما إذا كان ذاك المنصب قد تم شغله اغتصابا ؟ وبالمثل تقود الجماعة حملات حشد وعنف وقطع طرق وإقتتال وسفك دماء وتهدد بالشيء ذاته إذا لم يستعد ممثل الأهل والعشيرة موقعه في قصر الاتحادية, ناكرة بذلك ورافضة ومتحدية الإرادة الجمعية التي عبر عنها أكثر من ثلاثين مليون مصري تمردوا علي النظام وعزلوا رئيسه وكتبوا وثيقة وفاته في الثالث من يوليو.2013 إصدار وثيقة التمكين المسماة تجاوزا بالإعلان الدستوري بتاريخ21 نوفمبر2012, تلك الوثيقة التي أسست لكل ما تبعها من كوارث, بما فيها ممارسة الإرهاب التشريعي والإداري, الفكري والديني, بفجاجة وبدون إستحياء. هذا عن الإرهاب الناعم الذي لا يقل قسوة عن التقليدي منه, إذ إن الأول في معظمه يقتل بغير دماء ويغتال في هدوء ويحرق بدون نار ويدمر بغير قذائف. أما الأخير المسلح فإنه يستخدم العنف وآليات التخريب والقتل, بما في ذلك استدعاء ميليشات الجهاز السري لتحقيق الأهداف ذاتها لكن بأدوات تتناسب مع واقع الحال ومتطلبات المرحلة. فمنذ انطلاق الجمهورية المصرية الثانية في الحادي عشر من فبراير2011, حولت تلكم الجماعة حياة المصريين إلي كابوس مزعج ومسلسل من الترويع أزهقت فيه الأرواح وأستبيحت الدماء وقطعت الطرق وحرقت المؤسسات وتعطل الإنتاج ودمرت المرافق وتهاوي الاقتصاد. وفي السياق ذاته, تم استقطاع شبه جزيرة سيناء وتحويلها إلي ما يشبه إمارة تتمركز فيها بؤر الإرهاب والهاربون من السجون والمفرج عنهم بقرار من الرئيس والمهربون وتجار السلاح والمخدرات. لقد أضحي هذا الجزء من الوطن مركزا متقدما يجمع شتات الإرهابيين يتقاسمون فيه التضليل والنفاق والخرافات, ويعيشون خارج سياق التاريخ ويتوقف بهم الزمن عند عصور الظلام والجاهلية. لقد بات موقعا مجهزا للقيادة والسيطرة وظهيرا وعمقا استراتيجيا لإخوان الداخل يتم تحريكه أو استدعاؤه للترويع وإشاعة الفوضي حسبما يتراءي للقيادة المركزية بمركز الإرشاد أو بالتنظيم الدولي المرتبطة به. وفي الاتجاه نفسه أستقطعت الجماعة لنفسها إمارتين في عمق العاصمة, إحداهما بميدان رابعة العدوية والأخري بميدان النهضة أمام جامعة القاهرة, وجعلت منهما مركزين تحشد فيهما شبابا تم شحنهم من قري ونجوع مصر لاستخدامهم دروعا بشرية, بما في ذلك النساء والأطفال, لحماية الرموز المتنكرة في النقاب والمتآمرة علي الوطن والهاربة من العدالة أصحاب فتاوي التحريض علي العنف والقتل, من ناحية, وللتصعيد بهدف توهم اكتساب موقع تفاوضي يوفر نوعا من الخروج الآمن للمطاردين من العدالة, ومن سوف تطاردهم, من ناحية ثانية, ولإيصال رسالة إلي المتشككين أو المترددين خارجيا مفادها أن المصريين منقسمون علي أنفسهم بهدف تشويه إرادة الأمة التي عبرت عنها بجلاء وتحضر في الثلاثين من يونيو والثالث والسادس والعشرين من يوليو.2013 نحن أمام جماعة انكسر حلمها وأطاح به زلزال المصريين وذهب معه الحلم الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الغربي بالقبض علي مصر وإخراجها من معادلة القوي الإقليمية والدولية. والمصريون يواجهون اليوم خيار الكينونة بكل مكوناتها والمستقبل بجميع تطلعاته أمام تنظيم عنصري فاشي أحمق, آليته الإرهاب, به يغتصب ما لا يستحق, وبه يدوس إرادة شعب بأكمله وينكر الواقع وينشر الترويع ويستبيح القتل ويحمي إغتصاب الحكم والانحراف بالسلطة ويسقط الدولة والوطن. لقد باتت مصر مهددة في قلبها وحدودها وهويتها ومستقبل شعبها.. وحان وقت الخلاص, وعلي من يطالب بصفقة تفاوضية مع من أعلنوا الحرب علي الوطن أن يرحل معهم.. إن التخاذل اليوم في إنقاذ الأمة من أعدائها عار علي أصحابه ويلقي عليهم بقوة شبهات الإرهاب الصامت. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى