صورة قاتمة لحاضر مصر ومستقبلها ترسمها أغلب تعليقات الصحف ووسائل الإعلام الألمانية ومعظم تصريحات السياسيين وتحليلات الخبراء الألمان منذ ثورة30 يونيو وحتي اليوم. بالطبع تباينت التعليقات والتصريحات والتحليلات في حدة انتقاداتها ولكنها اجمعت علي توصيف عزل الرئيس السابق محمد مرسي من قبل الجيش بأنه انقلاب عسكري بجدارة مما يشكل انتكاسة للعملية الديموقراطية الوليدة في مصر. ولفت النظر هنا منذ الايام الاولي تجاهل الإعلام الألماني لظاهرة نزول المصريين بالملايين في جميع انحاء البلاد للمطالبة برحيل الرئيس السابق مقارنة بالتركيز علي عملية عزل الرئيس ووضعه تحت الإقامة الجبرية. وركزت وسائل الإعلام علي تحذيرات خبراء الشرق الأوسط والمحللين الألمان من أن إنهاء تجربة اول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر بهذا الانقلاب حتي لو كان مدعوما بمظاهرات شعبية حاشدة سيدفع قوي الإسلام السياسي في مصر ودول الربيع العربي حتما نحو التخلي عن التجربة الديموقراطية والإنتخابات كألية لتحديد النخبة الحاكمة في البلاد ومن ثم اللجوء للعنف واستخدام القوة. كما حذر السياسيون الألمان مرارا وفي مقدمتهم وزير الخارجية فسترفيله وكذلك المستشارة انجيلا ميركل الرئيس المؤقت والحكومة الإنتقالية الجديدة في مصر ومن ورائهم الجيش من إقصاء الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة ومن ملاحقة قياداتهم سياسيا ومن احتجازهم تحت اي مبرر مطالبين بالسماح لهيئة دولية محايدة مثل الصليب الأحمر بمقابلة الرئيس المعزول بل وطالبت ميركل اكثر من مرة بالإفراج عنه كخطوة اولي ضرورية للتوصل لحل للأزمة. ولا تزال نداءات الخارجية الألمانية للقيادة الجديدة في مصر تؤكد ضرورة ضبط النفس وعدم التصدي للعنف وتفادي التصعيد والسماح بالمظاهرات السلمية ما يقوي الإنطباع السائد هنا بأن العنف يصدر من الشرطة والجيش المصريين فقط. ربما لذلك بدا الموقف الالماني الرسمي وكذلك التناول الإعلامي للتطورات في مصر غير متوازن من وجهة نظر الملايين الذين ثاروا علي حكم الإخوان المسلمين, رغم ان الحكومة الألمانية تجنبت تماما حتي الآن وصف عزل الرئيس مرسي بأنه إنقلاب عسكري. وإجتهد العديد من المحللين والكتاب الألمان من امثال فولكر بيرتز وجيدو شتاينبرج وميشائيل لودرز وغيرهم في تفسير الموقف الألماني المتحفظ من ثورة30 يونيو علي حكم الإخوان, فكان من بين التفسيرات العلاقات الجيدة بجماعة الإخوان التي إستثمرت فيها الدبلوماسية الألمانية الكثير من الوقت والجهد وربما المال ايضا والتي بدأت قبل ثورة25 يناير وكذلك الرهان الالماني علي أن حكم الإخوان يحقق لألمانيا واحدا من اهم اهداف ومبادئ سياستها الخارجية وهو ضمان امن إسرائيل. وهو ما تحقق بفضل علاقات الإخوان المسلمين بحركة حماس وجهود الوساطة التي قام بها الرئيس مرسي للتوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة مما ترتب عليه وقف إطلاق الصواريخ علي المدن الإسرائيلية مثلا. من بين التفسيرات ايضا الخوف الالماني المتضخم من الحركات السلفية الجهادية, حيث تشهد المانيا مواجهة امنية مع السلفيين المتشددين الذين تعتبرهم خطرا امنيا عليها فتراقب حدودها خوفا من عودة ابنائها الذين وقعوا تحت تأثير هذه التيارات المتطرفة وتوجهوا للجهاد في سوريا وليبيا وغيرها من الدول. ويلاحظ من يتابع الخطاب الرسمي والإعلامي الألماني الفارق الواضح بين تصوير الإخوان كممثلين للإسلام المعتدل في حين يصور السلفيون المتشددون بأنهم الخطر الإرهابي الجديد. وتخشي برلين ان يصعد نجم السلفيين في مصر كبديل للإخوان السلمين وزاد من مخاوفها تأييد حزب النور للإنقلاب علي الرئيس مرسي ونظامه. هذا فضلا عن تفسيرات اخري مثل مخاوف ألمانيا من فشل تجربة الإسلام السياسي في مصر وتأثير ذلك علي المنطقة بأكملها وعودة جماعة الإخوان المسلمين للعمل السري والعنف وتحول بعض انصارها للجهاد وتأثيرات ذلك علي الغرب إذا لم يتمسك هو نفسه بدعم اليات الديموقراطية التي دعا الإسلاميين في مصر للعمل بها. ومما ذكره فولكر بيرتز رئيس معهد الدراسات الأمنية والسياسية في برلين وابرز مستشاري السياسة الخارجية للحكومة الألمانية أن المانيا تدرك ان الرئيس مرسي يتحمل مسئولية الفشل في الحكم لإستناده فقط علي شرعية مؤيديه وعدم إدراكه ان الفوز بأغلبية بسيطة في الإنتخابات كان يتطلب منه الإهتمام بمن لم ينتخبوه إلا أن برلين تري ان السيناريو الأفضل للديموقراطية والعملية الإنتقالية في مصر كان يستلزم إجراء الإنتخابات البرلمانية كما كان مقررا في شهر اكتوبر وأن يعاقب الشعب جماعة الإخوان عبر صناديق الإقتراع فيفقدوا اغلبيتهم البرلمانية وهنا كان السؤال حول إستمرار مرسي من عدمه سيطرح نفسه تلقائيا. ويمكن تفسير التناول الإعلامي الألماني لما يحدث في مصر بالتأثر إلي حد كبير بمصادر مثل قناة الجزيرة التي تحظي هنا بمصداقية كبيرة كما أن هناك إستياء المانيا من القنوات المصرية الخاصة والرسمية والتناول الإعلامي المصري الذي يوصف بأنه منحاز بشدة للجيش ويحركه فلول نظام مبارك العائدين بقوة للصورة ويشارك في عملية شيطنة جماعة الإخوان المسلمين وتصويرها كجماعة إرهابية بعيدا عن معايير العمل الصحفي والموضوعية. ورغم أن المراسلين الالمان في مصر ينقلون التطورات في مصر لبلادهم بقدر كبير من الموضوعية والإحترافية الإعلامية إلا انهم ينقلون ايضا ما يعتبرونه تطورا سلبيا في المشهد الإعلامي المصري الذي لم يعد فيه مكان للمتعاطفين مع جماعة الإخوان ويبرر إستخدام العنف ضد انصار الجماعة بوصفه حربا علي الإرهاب. وقد دخلت تصريحات السياسيين وتعليقات المراقبين الألمان هذه الايام مرحلة جديدة هي التحذير من سيناريو سوريا في مصر ومن نشوب حرب اهلية في مصر بسبب العنف والعنف المضاد. غير انه من حسن الحظ توجد اصوات مثل فولكر بيرتس ترفض هذه التحذيرات. وقد صرح بيرتز للإعلام الألماني قائلا مصر لن تواجه حربا اهلية وليست مهددة بحرب اهلية. فالإخوان والجيش معا جذورهما ضاربة في الشعب المصري, والمصريون أسرة واحدة كبيرة, يعرفون من هم ويعرفون انهم كلهم مصريون حتي لو كانت لديهم تصورات مختلفة حول كيفية حكم بلدهم او النظام الأصلح للحكم. إن مصر ربما تعرف في تاريخها عنف الشارع ولكنها ابدا لم تعرف الحروب الأهلية.