أثارت زيارة الرئيس محمد مرسي السريعة والمكثفة لبرلين منذ أيام اهتماما غير مسبوق في ألمانيا يفوق بمراحل الاهتمام السياسي والإعلامي الألماني التقليدي باي زيارة يقوم بها رئيس عربي آخر. وبالطبع فإن تصريحات الرئيس المصري حول اليهود وما أثارته من انتقادات واسعة في دولة مثل ألمانيا تتعامل بحساسية بالغة مع اي انتقاد لليهود أو لليهودية أو لدولة إسرائيل, كان لها دور كبير في هذا الإهتمام الضخم, إلي درجة ان الرئيس مرسي عندما سئل مجددا عن هذه التصريحات اثناء مشاركته في ندوة مؤسسة كوربر البحثية التي حضرها لفيف من المفكرين والسياسيين والإعلاميين الألمان أجاب عن هذا السؤال خمس مرات خلال الساعات القليلة التي قضاها في برلين إضافة إلي عشر مرات في القاهرة قبل قدومه لألمانيا! ربما كان من سوء الحظ ان يسبق الزيارة جدل واسع في الأوساط الثقافية والإعلامية الألمانية حول إتهام مركز سيمون فيزنتال اليهودي للصحفي والناشر المعروف ياكوب أوجشتاين بمعاداة السامية. وبغض النظر عن أن ياكوب اوجشتاين يكتب في موقع دير شبيجل فإنه يعتبر ايضا نجل رودلف اوجشتاين مؤسس هذه المجلة الألمانية العريقة, وربما يفسر ذلك حرص رئيس تحرير المجلة الحالي جيورج ماسكولو علي إدارة الندوة التي نظمتها مؤسسة كوربر مع الرئيس مرسي وكذلك يفسر حرصه علي السؤال بشكل ملح عن تصريحاته حول اليهود بل وسؤاله إذا ما كان سيعتذر عنها غير مقتنع برد الرئيس مرسي بأن هذه التصريحات تم اجتزاؤها عن سياقها وانها تتعلق بالسلوكيات الوحشية في الإعتداء علي الابرياء كما شاهدها ايضا في شبابه في الإعتداء الإسرائيلي علي مدرسة بحر البقر وغيرها من الإعتداءات. وساهمت المصادفة ايضا في تركيز الإهتمام الألماني علي تصريحات الرئيس, حيث تصادفت الزيارة مع ذكري وصول النازي للحكم في المانيا قبل80 عاما فكانت عقدة الذنب الالمانية تجاه اليهود حاضرة في وسائل الإعلام وفي العديد من الفعاليات التي شاركت فيها المستشارة نفسها قبل لقاء الرئيس مرسي بنصف ساعة! غير أن الإهتمام الأكبر كان بطبيعة الحال بالعنف الذي آلت إليه الإحتجاجات في مصر والذي مثل صدمة للألمان فانهالت التحذيرات هنا علي لسان المسؤلين الألمان من مختلف الأحزاب قبل واثناء الزيارة من ان تنتهي الثورة السلمية المصرية نهاية دموية. وكان واضحا الإنقسام في المشهد الألماني إزاء ما يجري في مصر وكيفية استقبال المستشارة الألمانية للرئيس المصري, فطالب قسم من المسئولين والوزراء ونواب البرلمان بأن تضع المانيا شروطا واضحة للدعم الفني والإقتصادي والتنموي لمصر خلال المرحلة المقبلة اهمها ان يجري الرئيس حوارا جادا مع قوي المعارضة بكل اطيافها وان يسعي بكل جهد ممكن لتفاي مزيدمن الإنقسام في المجتمع المصري وان تتم مراعاة حقوق الإنسان والحريات الاساسية وخاصة فيما يتعلق بالأقباط والمرأة وان تجري الإنتخابات البرلمانية بنزاهة لتشكيل برلمان قوي يمثل مصالح الشعب المصري وغيرها من المطالب. اما القسم الأكبر من المسئولين والبرلمانيين الألمان فرفضوا فرض شروط مسبقة وطالبوا المستشارة بأن تستقبل الرئيس المصري علي اساس من المشاركة والحوار فتستمتع لرؤيته وتتباحث معه حول مايمكن ان تقدمه المانيا من دعم لمصر لإجتياز المرحلة الإنتقالية بنجاح. ويبدو أن المستشارة إستجابت للرأي الثاني فاتسمت تصريحاتها في المؤتمر الصحفي مع الرئيس مرسي بالتوازن والتأكيد علي ان هذا اللقاء هو بداية حوار مكثف معه من أجل إنجاح عملية التحول الديموقراطي في مصر وأن المانيا تريد ان تكون شريكا قويا لمصر في هذه العملية ولكن ميركل اشارت ايضا إلي ضرورة الحفاظ علي حقوق الإنسان والحريات والحوار مع المعارضة وهو ما كان الإعلام الألماني ينتظر سماعه منها. وبناء علي ذلك تباينت ايضا اصداء زيارة الرئيس مرسي لألمانيا, فخرجت بعض الصحف تؤكد ان المستشارة إستجابت للمطالب السياسية وربطت إستكمال برنامج تبادل الديون المصرية لألمانية بما قيمته240 مليون يورو بتطور عملية التحول الديموقرطي في مصر. في حين خرجت تعليقات صحفية اخري بأن ميركل تعاملت ببراجماتية وتعهدت بمواصلة الدعم التنموي والإقتصادي لمصر مقابل حصولها علي تأكيدات من الرئيس المصري فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل وإستمرار الجهود المصرية لإستئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية بالإضافة إلي إستئناف منظمة كونراد اديناور الألمانية لنشاطها في مصر بعد تقنين وضعها. اما المحللون والخبراء السياسيون فكان لهم في الأغلب رأي آخر عبر عنه مثلا شتيفان آخراينر خبير الشؤون المصرية في الجمعية الالمانية للسياسة الخارجية, الذي حذرالمانيا او الإتحاد الأوروبي والمسئولين الأوروبيين الداعين لإستخدام لهجة التهديد في التعامل مع مصر من محاولة ممارسة تأثير علي التطورات المصرية الداخلية مطالبا بسياسة المانية واوروبية اكثر تحفظا فيما يتعلق بالشأن المصري. ويشير آخراينر إلي ان برلينوبروكسل تفتقران اساسا لأدوات التأثير علي الوضع السياسي في مصر, فالدعم الإقتصادي ليس وسيلة ضغط كافية كما ان إتصالاتهم سواء بالقوي الإسلامية او المعارضة في مصر ليست قوية بما يكفي للتأثير, يضاف إلي ذلك حالة السيولة السياسية في مصر حاليا فليس واضحا بعد اي سياسة سينتهجها الإخوان المسلمون في النهاية وإلي اي مدي إبتعد الجيش عن السياسة وإلي اي مدي ستتمكن المعارضة من توحيد صفوفها؟ بل حتي فلول نظام السابق ليس واضحا بعد إلي اي مدي فقدوا قوتهم؟ في ظل هذه الظروف لابد من الإبتعاد واتاحة فرصة كافية لمصر لكي تبدأ بنفسها بداية جديدة مضيفا أن تلويح الغرب لمصر بملفات حقوق الإنسان والحريات بعد عقود من دعم نظام مبارك يعد ضربا من إزدواجية المعايير وضعفا في المصداقية. اما يان تيخاو مدير مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي في بروكسل فيتفهم القلق الألماني والأوروبي علي مسيرة الديموقراطية في مصر غير أن احد اسباب قيام الثورة المصرية كما يقول كانت رغبة المصريين في الإستقلال بقراراتهم ومصيرهم عن الغرب, كما ان الديمقراطية المصرية لن تكون غربية ولن تحدث بين يوم وليلة.