تغافلنا عنك يا وطن فوقعت غنيمة بين متصارعين, وتنبهنا إليك حينما أدركنا أنك مسئولية نتحملها جميعا, بهذه الكلمات يمكن ان نلخص المشهد السياسي الذي عاشته مصر علي مدي الأيام الماضية. فما بين صراع علي حصد مكاسب وغنائم اعتقد البعض أن وقت الحصاد قد آن, وبين من رأي ان المخاض ما زال مستمرا وأن الولادة متعثرة لخروج الجنين من رحم الأحداث دون تشويه. ليلبد المشهد ببوادر صراع مجتمعي يهدد بامكانية التحول الي احتراب اهلي لا يبقي ولا يذر بل يدمر البلاد والعباد. وفي هذه اللحظة الحالكة وجب البحث عن مخرجات لتلك الأزمة. ويتمثل أبرزها فيما يلي: أولا- الادراك الصحيح لمقتضيات اللحظة وصعوباتها, فحسن الادراك شرط لحسن التعامل والمعالجة, فبدون ان يدرك طرفا المشهد السياسي أن ثمة ازمة ثقة واستقطاب حادة بينهما لن يتمكنا من تجاوزها, بل يظلان يدوران في حلقة مفرغة من تبادل الاتهامات والحديث عن الصفقات والمؤامرات والترتيبات السرية والعلنية دون التوصل الي تفاهمات تجسر الفجوة في مواقفهما. مع الأخذ في الحسبان ان الادراك ليس شرطا كافيا للنجاح وإنما هو شرط أولي لبدء عملية ناجحة. ثانيا- اتخاذ خطوات عاجلة وجادة من اجل مواجهة جميع العقبات في سبيل العودة الي الحوار المجتمعي كشرط أولي لوضع اسس العيش المشترك, فحالة الاستقطاب الحادة التي يعيشها المجتمع المصري اليوم تمثل تهديدا مباشرا للحمة الوطنية, فليس مقبولا ان يتم تقسيم المجتمع الي كفار ومؤمنين او إلي اهل الجنة واهل السعير, لأن مثل هذه التقسيمات وإن كانت تخالف الشرع الحنيف في الحكم علي النيات, إلا انه تظل خارج الخلاف السياسي الذي يدور اليوم بين طرفين يحمل كل منهما منطقا في رأيه وحجة في حديثه دون الانتقاص من موقف أحدهما أو الانحياز الي رأي الآخر. واذا كانت الديمقراطية لا تنجح في مجتمع لا يؤمن افراده بثقافة الديمقراطية وآلياتها ومؤسساتها, فإن المصالحة المجتمعية كذلك لا يمكن أن تنجح في ظل غياب الارادة أو القابلية للمصالحة لدي الأطراف كافة. ثالثا- في خضم هذه الحالة المتردية التي وصلت اليها علاقات القوي السياسية في المجتمع, يصبح المخرج الأوحد هو الجلوس الي مائدة الحوار والبدء في اجراء مصالحة شاملة شريطة ان تكون علي اسس سليمة ومقبولة من الطرفين, اخذا في الاعتبار ان هذا لا يعني وضع شروط مسبقة او املاءات محددة, بل تعني وضع مجموعة من المبادئ الحاكمة للبدء في اجراءات تلك المصالحة, من أولي تلك المبادئ محاسبة كل من أخطأ في حق هذا الوطن طبقا لقواعد العدالة الانتقالية حتي لا يهرب احد من العقوبة, ضمانا لتحقيق أهداف الثورة وتعزيزا لمنظومة الحقوق والحريات. يليها النظر الي المستقبل في ضوء خبرات الماضي وتجارب الحاضر, اي يجب ان يكون البناء هو الشاغل الاوحد للجميع دون تبني أي سياسات انتقامية أو تصفيات حساب مع هذا الطرف أو ذاك. رابعا- يجب ان تدرك الاطراف كافة ان العمل بالسياسة ليس نزهة او خلوة, بل يتطلب تفهما للواقع المتغير وقدرة علي التعامل معه في ظل التقلبات والتحولات التي تعصف به, علي أن يلتزم كل طرف في ذلك بمرجعيته الفكرية التي تفرض عليه تبني خيارات معينة وحسم موقفه علي نحو قد لا يروق للطرف الآخر, فعلي سبيل المثال حينما طالب حزب النور بوضع خريطة طريق جديدة للمرحلة الانتقالية الجارية كان يستهدف منها اعلاء مصلحة الوطن وتحقيق التوافق المجتمعي حتي لا ينفرد فصيل مهما يكن بادارة شئون البلاد في تلك المرحلة تحاشيا للاخطاء التي وقعت حينما حاول فصيل ان ينفرد بالحكم والادارة, وهو ما يعكس الرؤية التي ينطلق منها حزب النور في النظر الي ادارة شئون مصر بأنها ليست مغنما وإنما مغرما وحملا ثقيلا. خلاصة القول إن التجربة التي عاشتها مصر علي مدي العامين والنصف الماضيين سواء تحت حكم المجلس العسكري, وحتي يونيو2012 مع تسليم دفة الحكم الي الدكتور محمد مرسي وما تلا ذلك من سياسات عصفت بمستقبل التوافق المجتمعي والعيش المشترك, تفرض علي الجميع أن يدرك أن مصر مسئولية يتحملها الجميع وليست غنيمة يتصارع عليها الجميع. لمزيد من مقالات عماد المهدى