ظلت ورقة المقاطعة الشعبية لإسرائيل احدي اوراق الضغط العربية القليلة ان لم تكن الوحيدة التي بقيت لمواجهة العربدة الاسرائيلية. كان وما زال الرفض الشعبي للتطبيع هو حائط الصد المنيع الذي تحطمت عليه احلام وأطماع اسرائيل في الاندماج بالمنطقة وإسقاط القضية الفلسطينية في غيابات النسيان العربي. وكان طبيعيا ان يستبد القلق والغضب بالمواطنين في كل مرة تخرق فيها شخصيات وقوي شعبية هذا الحظر الاخلاقي الذي فرضته الشعوب وليس الحكومات. حدث هذا كثيرا من قبل ويحدث الان ونحن نتابع انباء الزيارات الجماعية التي قام بها مئات من اخواننا الاقباط الي اسرائيل الشهر الماضي لزيارة الاماكن المقدسة خلال اسبوع الالام واحتفالات عيد القيامة. من هنا تأتي اهمية التحرك السريع والحكيم للبابا تواضروس الثاني بإعلانه رفض هذه الزيارات وتأكيده التزام الكنسية بالحظر الذي كان البابا شنودة قد فرضه علي سفر الاقباط الي القدس طالما ظلت تحت الاحتلال. موقف البابا الراحل كان تاريخيا ووطنيا وعبر عن رؤية ثاقبة تعي الضرورات السياسية التي تتجاوز وتسمو فوق الاشواق الانسانية الطبيعية للمؤمنين الذين تهفوا قلوبهم لزيارة تلك البقاع المقدسة. بقدر ما يبعث الموقف الرسمي للكنيسة علي الارتياح والتقدير, تثير مواقف وتصريحات عدد من الشخصيات القبطية المستقلة القلق. ليس فقط لأنها تبحر عكس التيار الشعبي الجارف برفض التطبيع ولكن ايضا لما تعكسه من افتقار حقيقي للوعي السياسي الذي تعبر عنه قيادات الكنيسة. بعض التصريحات لم تخل من استفزاز مثل تلك المنسوبة الي كمال زاخر مؤسس التيار العلماني وعضو المجلس الاستشاري القبطي الذي اعتبر ان اضفاء اي طابع سياسي علي زيارة الاقباط لإسرائيل هو مزايدة عليهم. وان زيارتهم تأتي تلبية لطلب ملح للفلسطينيين لدعم قضيتهم. وبالتالي' فلن نكون ملكيين اكثر من الملك' علي حد قوله. لم يكتف مفكر قبطي اخر هو مدحت بشاي بتبرير الزيارات بل طالب الكنسية بالتراجع عما اعتبره قرارات سياسية( يقصد رفض التطبيع) وبان تلتزم بدورها الروحي. ويبدو انه في غمرة حماسه للتطبيع نسي ان هناك عقولا لمن يستمعون اليه فأعلن انه لا عيب في سفر الاقباط بتأشيرات اسرائيلية لان غالبيتهم يسافرون ولديهم يقين بان هذه التأشيرة فلسطينية(هل فهم احد شيئا). ايهاب رمزي محامي الكنيسة كان اكثر حدة ولكن ليس بالضرورة تعقلا فقد اعتبر انه لا لوم علي الاقباط طالما ان النظام يتعاون مع حماس. وان كثيرا من القيادات الكنسية عارضت قرار البابا الراحل ولكنه اصر عليه. ويتبني المفكر القبطي د. جمال اسعد موقفا مشابها معتبرا ان حظر السفر كان موقفا سياسيا وطنيا للبابا شنودة ولكنه غير ملزم دينيا. كما ان الظروف تغيرت. بينما طرح د. نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الانسان بعدا اخر وهو ان ما يفعله الاقباط بزياراتهم للقدس لا يختلف عما فعله من قبل المفتي السابق الشيخ علي جمعة الذي زار المدينةالمحتلة العام الماضي. ولجبرائيل الحق بالطبع فلا يمكن ان ننكر علي المواطن العادي قبطيا كان او مسلما تصرفا اقدم عليه رمز ديني كبير بحجم المفتي. غير ان القياس هنا يبقي غير سليم لان جمهور العلماء المعتبرين من فقهاء المسلمين استنكر ما فعله المفتي رغم ان اصواتا اسلامية من خارج وداخل الازهر دافعت عنه. بل اعتبر البعض ان الزيارة عملا ضروريا لتأكيد حق المسلمين في المسجد الاقصي. المؤسف والغريب ان يعصف مثل هذا الجدل العقيم الاقرب للهزل في موضع الجد بأحد الثوابت القليلة التي يجمع عليها المصريون باختلاف توجهاتهم السياسية ودياناتهم اي رفض التطبيع مع اسرائيل ما لم تحل القضية الفلسطينية. اخطر ما يمكن ان يحدث هو ان يخلخل هذا الجدل يقينا شعبيا راسخا بعدم شرعية الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية وفي مقدمتها القدس. وبان زيارة تلك البقاع الكريمة هو اعتراف وترسيخ لأمر واقع مرفوض. رحم الله البابا شنودة الذي تعهد بالا يذهب الي القدس إلا يدا بيد مع شيخ الازهر. [email protected] لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق