الكنيسة ترفض والقيادات القبطية تنقسم حول سفر بعض الأقباط الذين قاموا بتنظيم رحلات إلى القدس للاحتفال بأسبوع الآلام وعيد القيامة بكنيسة القدسبفلسطين، وتأتي هذه الرحلات في إطار جسر جوي بدأته شركة طيران "إير سينا" إلى "تل أبيب" لنقل الآلاف من المسيحيين المصريين لأداء مناسك الحج وزيارة المعالم المسيحية في مدينة القدس للاحتفال بعيد القيامة الأسبوع القادم، وفور وصول طائرتين إلى مطار "بن جوريون" بإسرائيل تقلان مسيحيين مصريين لزيارة القدس والحصول على التأشيرة الإسرائيلية لدخول القدس، تباينت ردود أفعال عدد من المفكرين الأقباط حول سفر الأقباط بعد وفاة "البابا شنودة" والذي حظر سفر المسيحيين إلى "القدس" قبل تحريرها ودخولها مع المسلمين، واعتبر البعض أن الزيارة تعد بمثابة تحديًا للكنيسة، كما أنه يفتح الباب مجددًا حول عدم قدرة قيادات الكنيسة على إحكام قبضتها على اتباعها، ومن جانبها قررت الكنيسة القبطية معاقبة جميع المسافرين إلى القدس بحرمانهم من إقامة صلوات "سر التناول" لمدة عام تنفيذًا للقرار السابق للبابا شنودة الثالث قبل وفاته. الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية قال: إن الكنائس الإنجيلية هي المسؤولة عن سفر الأقباط وجميع من سافروا إلى القدس للاحتفال بأعياد القيامة ببيت المقدس تنتظرهم عقوبة الحرمان في "سر التناول"، وهو من الأسرار المقدسة والروحية نتيجة عدم الالتزام بتوصيات الراحل قداسة البابا شنودة، موضحًا بأن المجتمع المقدس والمجلس الملي العام اتخذوا قرارًا بالإبقاء على جميع قرارات "البابا شنودة" الراحل، وأهمها عدم زيارة القدس طالما استمر احتلال الكيان الصهيوني في دولة فلسطين وممارسة أبشع الجرائم بحق الشعب الأعزل، كما أن موقف الكنيسة القبطية سيظل داعمًا ومؤيدًا للقضية الفلسطينية، ولن يتعكر الصفو العام بهذه المحاولات الصبيانية من قلة قبطية غير مدركة للحالة السياسية التي ترعاها الكنيسة. تمرد قبطي أما المطران منير حنا، رئيس الكنيسة الأسقفية، فأكد أن الكنائس المصرية لا تستطيع إجبار أحد أو ترغمه على عدم الذهاب للقدس؛ لأنها حرية شخصية، كما أن البعض يرى أن ذهاب الأقباط للقدس تدعيم للقضية الفلسطينية، كما ذهب من قبل مفتي الديار المصرية د. علي جمعة، موضحًا أنه رغم تأكيد الكنيسة على أن قرار البابا شنودة المتعلق بمنع الأقباط من زيارة القدس حتى تتحرر ما زال ساريًا، إلا أن الأقباط يسافرون بأعداد كبيرة للقدس للمشاركة في عيد القيامة ببيت المقدس، وجميع من يسافرون للقدس لا يمثلون نسبة كبيرة من جموع أقباط مصر، ومنعهم أيضًا ليس ضغطًا على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، والكنيسة ليست لاعبًا سياسيًّا في المنطقة بل دورها يقتصر فقط على العبادات الدينية. ومن جانبه أوضح نجيب جبرائيل، محامي الكنيسة الأرثوذكسية، أن الكنيسة المصرية لن توافق أو تسمح لأي قبطي بمخالفة قرار "البابا شنودة" الراحل بحظر السفر أو الحج إلى القدس طالما استمر العدو الصهيوني في احتلال الأرض الفلسطينية وكل من سافر وأخذ تأشيرة الدولة العبرية هو الذي سيتحمل قرار نفسه، والكنيسة تخلي مسئوليتها وتنأى بنفسها عن هذه الممارسات الفردية، مشيرًا إلى أن هؤلاء الأقباط لم يستأذنوا الكنيسة وذهبوا من تلقاء أنفسهم، وهو ما يمثل قلقًا قبطيًا من استمرار تمرد بعض الأقباط على قرارات الكنيسة، مطالبًا البابا "تواضروس الثاني" إنزال عقاب الحرمان من الصلوات على جميع من انتهكوا وتمردوا على الكنيسة. وفي رأي د. جمال أسعد المفكر القبطي، أن قرار "البابا شنودة" بعدم سفر المسيحيين قرار سياسي اتخذه عام 1979 بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين "مصر وإسرائيل"، وطالما كان القرار ليس دينيًا ويتنافى مع صميم العقيدة المسيحية فإنه غير ملزم لجموع الأقباط .. لافتًا إلى أن الكنيسة لن تستطيع منع أي قبطي من زيارة بيت المقدس للحج وممارسة الشعائر الدينية، ولكن في الوقت نفسه كان على راغبي السفر استئذان الكنيسة والبابا "تواضروس الثاني"، وعدم الذهاب من تلقاء أنفسهم بالسفر إلى القدس بتأشيرات إسرائيلية؛ لأنه يمثل اعتراف مسيحيي مصر بالدولة الصهيونية، وهذا لا يجوز لأن التعامل الشعبي مع الكيان الإسرائيلي يختلف كليًا عن التعامل السياسي بين الرؤساء والحكومات الليبرالية والإسلامية، متخوفًا من أن يكون القرار سياسيًا وليس دينيًا واستغلال الحدث داخليًا من جانب تيار الإسلام السياسي، لذلك لابد من محاسبة المخالفين لتعليمات الكنيسة الرافضة لمثل هذه الأفعال أو تقديم اعتذار رسمي بعد عودتهم حتى لا يقال: إن تماسك الأسرة القبطية أصبح مهددًا. وفي السياق ذاته شدد كمال زاخر المفكر القبطي، على ضرورة إلغاء "تواضروس الثاني" قرار "البابا شنودة"؛ لأنه ليس "إنجيلًا" منزلًا من السماء بعد سفر الأقباط إلى القدس، وطالما استمر التواجد الإسرائيلي في فلسطين فإن أقباط مصر لن يستطيع أحد أن يمنعهم من ممارسة وأداء الطقوس الدينية، متوقعًا تزايد الأعداد خلال الأيام القادمة؛ لأن القدس عاصمة كل الأديان، ولذلك على الكنيسة المصرية احترام الرغبة الدينية لهؤلاء المسيحيين بدلًا من عقابهم، وما حدث لا يمثل تطبيعًا مع الكيان الإسرائيلي ولكنها مجرد زيارة دينية للأماكن المقدسة لنوال البركة وبعيدة تمامًا عن السياسة. وتوقع د. نبيل لوقا بباوي المفكر القبطي، تزايد عدد الأقباط الذين ينوون زيارة القدس هذا العام؛ لأن هذه الرحلات الدينية في الوقت الحالي الذي تمر به البلاد وسط حالة الغليان والتوتر والانقسام التي تسود الحياة السياسية بمثابة متنفس روحي، محذرًا من محاولة إظهار بعض القوى الإسلامية مآرب وأهدافًا أخرى من وراء الزيارة واستغلال الحدث سياسيًا، موضحًا أن القيادات الكنسية ضد مخالفة القرارات الباباوية، ولذلك كان لابد من استئذان الكنيسة واحترام وصية البابا "شنودة" أولًا، ومن ثم السفر حتى لا يتم إحراجها أمام العالم، كما أن جموع أقباط مصر ينتظرون حتى تحرير "القدس" لزيارته مع المسلمين لنصلي جميعًا بداخله. ابتعاد الكنيسة في المقابل أشار ممدوح نخلة، مدير مركز كلمة لحقوق الإنسان، إلى أن حرية الممارسات الدينية مكفولة لجميع المواطنين في أي مكان بالعالم، ولن تستطيع إسرائيل منع الأقباط من ممارسة حقوقهم الدينية في فلسطين، مؤكدًا أن سفر المسيحيين لزيارة القدس كان على الخطوط السياحية الخاصة وليس للكنيسة علاقة بهذه الرحلات، ومن ثم فهي لا تملك محاسبة أو معاقبة الأقباط الذين سافروا لمجرد أدائهم الطقوس الدينية وليس ذنبهم أن القدس محتلة، مطالبًا إلغاء قرار الراحل "شنودة" والسماح لجميع الأقباط بحرية السفر إلى القدس؛ حتى لا يتم استغلال الحدث سياسيًا ضد الكنيسة المصرية في هذا التوقيت الحرج، نافيًا كل ما يتردد حول أن الأقباط لم يعد يهتمون للكنيسة مجددًا ولن يعبئوا بالقرارات أو العقوبات، وعلى العكس ستظل الكنيسة المؤسسة الدينية التي تشمل وتستوعب الأقباط دينيًا. وذهب القس إكرام لمعي أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الإنجيلية، إلى ضرورة تجاوز الزمن، وعلى الكنيسة الابتعاد عن السياسة نهائيًا، ومنح الأقباط الحق في ممارسة الحريات الدينية والحج إلى القدس ولو بالتأشيرة الإسرائيلية؛ نظرًا لأن العالم يتجه نحو السلام والحوار، ويمكن أن نعتبر الزيارة نوعًا من أنواع المقاومة المشروعة ودعمًا قبطيًا لإخواننا الفلسطينيين في قضيتهم، بعيدًا عن تسييس الأمور الدينية.