لم يعد غريبا ما يتعرض له فنانو البيت الفنى للمسرح كل يوم، فطالما هانت مصر للدرجة التى باتت عروضها تُرفض في مهرجانات عربية هزيلة دون أن يشعر المسئولين عن الثقافة في بلدنا بأى لحظة غيرة على صورة هذا الوطن وقيمته. فإنه من الطبيعى أيضا أن يعامَل الفنانون معاملة المتسولين، وأنا أعتذر أشد الاعتذار عن هذا اللفظ، ولكن للأسف ليس هناك تفسير آخر لما يحدث مع فنانون يمثلون مصر في بلدان لم تسمع عن كلمة "فن" في الوطن العربى إلا من مصر، فهذا الأسبوع حدثت واقعتين غريبتين ومتناقضين أشد التناقض، ولا تعكس سوى نظرة صناع الثقافة المتدنية لفنانى المسرح باعتبارهم كم مهمل وجودهم كعدمه، بل إن عدمه هو الأفضل على الأقل في المرحلة الآنية. الواقعة الأولى حينما تم السماح لعرض "سلقط في ملقط" بالسفر للعرض في تعز "اليمن" رغم كل ما تمر به اليمن من ظروف قاسية معروفة لأى عابر سبيل في شوارع مصر، وحتى ولو كان ذلك تحت مسمى اختيار تعز عاصمة ثقافية لليمن، فهل هذا يساوى التضحية بصناع العرض المسرحى؟ ما حدث أن الفنان إميل شوقى مخرج العرض قد سافر مع مصمم الديكور ناصر عبد الحافظ قبل فريق العرض لتنفيذ الديكور هناك توفيرا لتكاليف شحن الديكور من مصر، بالإضافة لتدريب مجاميع من شباب اليمن للقيام بأدوار المجاميع والكورس، وبالطبع تسببت حالة الانفلات الأمنى وانتشار السلاح في الشارع اليمنى، في إلغاء العرض والاستضافة بالكامل، بعد ضغوط من الجماعات الإسلامية هناك بعدم إقامة أى حدث فنى، حتى أن محافظ تعز جعل إقامة المخرج ومصمم الديكور في فندق بمنطقة جبلية بعيدة، مع مرافقة عناصر مسلحة لهم خلال تنقلاتهم خوفا على حياتهم، والنتيجة أن عاد المخرج قبل سفر فريق العمل. والمضحك هو تصرف محافظ تعز المحترم جدا، لأنه خاف على الفنانين المصريين أكثر من مسئولى وزارة الثقافة المصرية أنفسهم، والسؤال: ما الداعى المُلح الذى ألقى بفريق هذا العرض إلى التهلكة في ظل هذه الظروف القاسية، ألم يسمعوا في وزارتنا البهية أن الفن حالة إبداعية، وأنه من المنطقى أن يؤثر خوف فريق العمل مما يحدث هناك، على تقديم عرض مناسب ويليق بمصر، أم أن الموافقة على سفر العرض جاء أصلا لاسترضاء صناع العمل بعد استبعاده من المهرجان القومى للمسرح؟ وهل تمت دراسة الأمر بحيث يتم توفير سبل الحماية الكافية لأفراد العرض قبل سفرهم أم أنهم تُركوا لذوق اليمنيين وكرم ضيافتهم؟ وهل كانت العلاقات المصرية اليمنية ستتأثر مثلا إذا لم يسافرهذا العرض أم أن سلامة فنانينا كانت الأولى بأن توضع في الاعتبار؟ أما الواقعة الثانية والأكثر هزلية، فهى رفض العلاقات الثقافية بوزارة الثقافة لتحمل نفقات سفر مصممة الأزياء البديعة نعيمة عجمى للمشاركة باسم مصر في فعاليات المهرجان العالمى الأول للأزياء الذى أقيم قبل يومين في الفلبين وتشارك فيه 32 دولة، والذى يحتفل بمصر باعتبارها ملهمة لكل فنانى ومصممى الأزياء في العالم – بحسب الوصف الفلبينى-، ولكن للأسف تعرضت الفنانة نعيمة عجمى لأسوأ أنواع الإهمال والتجاهل من مسئولى العلاقات الثقافية، رغم الاهتمام البالغ من الجانب الفلبينى على الوجود المصرى، حتى ضاع وقت السفر، وحينما يئس مدير المهرجان الفلبينى طلب من الفنانة نعيمة عجمى إرسال صور لأعمالها وصورة شخصية وسيرة ذاتية وفيديو مسجل لتوجيه كلمة شكر للمهرجان وذلك لعرض في حفل الافتتاح تعويضا عن عدم ذهابها لاستلام جائزة مصر واشتراكها في المسابقة الرسمية، والحقيقة أن الحجة التى تسببت في الحرمان المصرى، هى أنالمهرجان لا يدخل في بروتوكول التعاون مع العلاقات الثقافية الخارجية لأنه مهرجان مستقل وغير حكومي، رغم أن هذا المهرجان يشمل مسابقة في تصميم الأزياء المسرحية وكرنفال أزياء في الشارع ومؤتمر لمركز السينوجرافيا العالمي الذي انتمت مصر له بعد جهود مضنية من مصمم الديكورحازم شبل ومجموعة من الورش الخاصة بتصميم الازياء والحلي والماسكات، والحقيقة أن تفاصيل الموضوع كثيرة ومتشعبة ولكنها كلها تؤكد النظرة الرسمية للفن بشكل عام، والإصرار على عدم الشفافية فى إعلان معايير سفر العروض والفنانين للمهرجانات المختلفة، فتلك واقعتين في غاية التناقض والغرابة، ففى الوقت الذى يتم التضحية فيه بفريق عمل كامل للسفر إلى دولة يقتل فيها كل يوم العشرات، إلا ان الوزارة قررت تحمل تلك النفقات، رغم انها لم تسفر عن شيء، في حين رفضت سفر فنانة واحدة لتكريم اسم مصر واستلام جائزتها في مهنة ظلمها وتجاهلها الجميع عند عمد طوال السنوات الماضية وهى مهنة "تصميم الأزياء المسرحية".. رحماك ربى من هذا العذاب. لمزيد من مقالات باسم صادق