نحن علي موعد مع أزمة جديدة تضاف قريبا الي اخواتها في قائمة طويلة تزداد تنوعا وتعقيدا يوما بعد يوم. العمالة المصرية العائدة قسرا وغصبا من مهجرها لدي الاشقاء شرقا وغربا هو عنوان الازمة المقبلة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لم يعد سرا ان الامارات ترفض منذ شهور استقدام عمالة مصرية جديدة او تجديد عقود المصريين المنتهية او نقل كفالتهم. السعودية والأردن اعلنتا مؤخرا عن حملة لتصفية العمالة السائبة اي غير القانونية ونسبة كبيرة منها من المصريين. الاجراء نفسه يتكرر مع ليبيا لأسباب مختلفة ولكن النتيجة واحدة وهي التضييق علي المصريين وطرد واعتقال العشرات منهم دون ان يخلو الامر من الاعتداء والإهانة او القتل احيانا. العمالة المهاجرة في بلدان النفط هي جرح مصر النازف دائما وقلبها الموجوع بفعل ظلم الاهل وبطش الاشقاء وقلة حيلة او تجاهل اولي الامر. ظلت دائما هذه القضية إحدي اوراق الضغط علي مصر من اشقائها عندما يغضبون. هذه هي الحقيقة دعك من تجميلها بأكاذيب دبلوماسية سرعان ما تفضحها شركات الطيران ومراكز الحدود البرية. حدث هذا كثيرا في الماضي. والسيناريو لا يختلف في كل مرة. خلافات سياسية تحول العمالة المصرية لورقة للضغط او قضية للمساومة. دول الخليج قلقة من الثورة وكارهة للإخوان وغاضبة لعزل مبارك او كما يقولون لغدر شعبه به. اي لديها اسباب كافية لاستخدام هذه الورقة الآن للضغط علي مصر او عتابها بقسوة. المساومة هنا مطروحة: العمالة مقابل العفو عن مبارك او السماح له بمغادرة البلاد. وهو مطلب خليجي لم يكن سرا منذ اليوم الاول للثورة. الاردن له اسبابه الاقتصادية للتخلص من آلاف العمال الوافدين. غير ان لديه ايضا ما يدعو للمساومة علي بقاء العمالة مقابل الغاز المصري الذي ادي توقف صادراته او عدم انتظامه الي خسائر اقتصادية فادحة هناك. موقف جيراننا الليبيين مختلف بعض الشيء عن اشقائنا الخليجيين. ذلك انهم اصحاب ثورة مثلنا ولا يبدو انه يزعجهم كثيرا وجود الاخوان في الحكم. وهم غير آسافين بحال من الاحوال علي اسقاط مبارك. إلا ان مشكلتهم الكبري معنا هي نفس مشكلتنا مع الخليجيين والإمارات تحديدا. الليبيون يتهمون مصر بإيواء فلول القذافي وبان هؤلاء يستخدمون الاراضي المصرية لإدارة وتمويل الثورة المضادة في بلادهم. وبالتالي فلديهم اسبابهم للغضب ومن ثم العتاب والمساومة. والمقايضة هنا هي علي العمالة المصرية مقابل تسليم فلول القذافي. اسباب الغضب ليست هي المظهر الوحيد الذي يعطي الازمة الليبية تفردها واختلافها عن مثيلاتها الخليجيات. سبل وآليات معالجة الازمة ايضا تجعلها مختلفة تماما. ذلك ان امكانية الوصول الي نتائج جيدة وسريعة مع الليبيين تبدو اسهل مقارنة بدول الخليج التي يتحكم في مواقفها عوامل سياسية ونفسية عديدة ومعقدة تحتاج لوقت طويل نسبيا لمعالجتها. علي الحكومة التعامل بجدية وشفافية مع الاتهامات الليبية الموجهة لرموز نظام القذافي المقيمين في مصر. تأخرت الحكومة كثيرا في القيام بهذا حتي بدأ العمال المصريون يدفعون الثمن من ارواحهم وأرزاقهم وكرامتهم. نريد ان تعلن الحكومة طبيعة المطالب الليبية وأدلة الاتهامات وهل لدينا أموال مهربة. وما هي الشروط الليبية لاستقبال عمالة او استثمارات. ليبيا ليست مجرد فرصة اقتصادية هائلة فقط. ولكنها جزء لا يتجزأ من منظومة الامن القومي المصري وعمق استراتيجي مهم لنا. وهو ما يفرض حضورا مصريا مكثفا هناك. لا يعقل ان نتركها نهبا للشركات الغربية تستولي علي كل استثماراتها ومشاريعها ونفطها كما حدث في العراق. ولا يمكن ايضا ان نتجاهل حقيقة ان الغرب يطلب, إن لم يكن قد اخذ بالفعل, ثمنا باهظا لمشاركة الناتو في ضرب معاقل القذافي خلال الثورة. لا نعرف ماذا تعهد الليبيون ان يقدموا في المقابل وتلك كارثة حقيقية. هم احرار في بلادهم ولكن إن لم تكن لدينا القدرة لكي نسمح او نمنع, فليس اقل من ان نعرف ما جري ويجري علي حدودنا وهذا اضعف الايمان. لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق