هل يعقل أن تضحى السعودية أو أى دولة خليجية أخرى بعلاقتها مع مصر ومصالحها الاستراتيجية الكبرى من أجل مستقبل حسنى مبارك، أو من أجل قضية لرجل الأعمال هذا أو ذاك؟!. تقديرى الشخصى أن ذلك صعب، وإذا حدث فتلك كارثة كبرى تستوجب أن ننبه كل الأشقاء العرب إلى إعادة قراءة المشهد السياسى بعد ثورة 25 يناير. كثيرون تحدثوا عن ضغوط وإغراءات خليجية للحكومة المصرية من أجل عدم محاكمة مبارك. بالطبع السعودية ومعظم بلدان الخليج تنفى وجود ضغوط، والقاهرة تؤكد ليل نهار أن العلاقات «سمن على عسل». هذا كلام دبلوماسى.. الذى نعرفه أنا وأنت وسائر خلق الله أن هناك مشكلة موجودة بين مصر والخليج، نتمنى أن تنتهى فى أقرب وقت ممكن. وجود مشكلة لا يعنى أن ننفخ فيها، بل نسعى إلى توصيفها وتفكيكها، كى نتمكن من حلها والأهم عدم تكرارها مستقبلا. بداية علينا ألا نتوقف كثيرا عند مشكلة فى أرض الوليد بن طلال أو مشروع للفطيم أو حسين سيجوانى، لأنه فى حالة وجود تفاهم بين البلدين، يمكن حل المشكلة فورا، كما أن إرجاع الأمر فقط إلى تصريحات للدكتور نبيل العربى حول العلاقات مع إيران ليس صحيحا، لسبب بسيط أن كل دول الخليج بما فيها السعودية والإمارات لديها علاقات دبلوماسية كاملة مع طهران. المشكلة باختصار أن إحدى جرائم نظام حسنى مبارك هى تحويله للعلاقات مع معظم دول العالم، خصوصا العربية إلى علاقات شخصية. المؤكد أن حسنى مبارك ونظامه قدم خدمات جليلة للخليج ونفذ تقريبا كل المطالب السعودية، لكن ذلك قاد إلى كارثة أكبر هى ترسيخ تصور لدى كثير من الخليجيين، مفاده أن العلاقة بين الطرفين هى علاقة طرف خليجى ثرى يقدم المنح والعطايا من ريالات ودنانير ودراهم إلى طرف مصرى فقير، وأحيانا متسول!!. بالطبع لا يمكن التعميم، هناك كثيرون بالخليج يعرفون قدر مصر ودورها القديم، خصوصا فى التعليم، ولا يمكن لوم الخليجيين، بقدر لوم النظام المنهار الذى حصر دور مصر الشامخ فى مجرد تلقى مساعدات ومنح يذهب جزء كبير منها إلى جيوب المسئولين. كل القضايا العالقة بين مصر والخليج يمكن حلها، لكن على الحكومة المصرية من الآن فصاعدا أن تجلس مع كل الإخوة الخليجيين وتقول لهم «إننا نريد إعادة صياغة العلاقة مرة أخرى. وإن العمالة المصرية فى الخليج شىء مهم لنا، واستثماراتكم المباشرة فى مصر شىء مهم أيضا، ومساعداتكم شىء مفيد يعكس الروح الأخوية، لكن قبل كل ذلك علينا أن نتفق على التعامل كشقيقين وندين متساويين لا تمنوا علينا بالمساعدات أو أى شىء آخر». ليس من مصلحة مصر وبلدان الخليج الدخول فى خناقة الآن أو فيما بعد، فالمستفيد الوحيد من ذلك إسرائيل ثم إيران.. لكن من مصلحة الجانبين وضع أسس جديدة لعلاقتهما. من المهم أن يدرك الإخوة فى الخليج أن مبارك سقط وبقية نظامه سيتداعى، وأن هناك حقائق جديدة فى مصر الآن. مصلحة بلدان الخليج ينبغى أن تكون مع الشعب المصرى وليس مع أى حاكم مهما كان اسمه.. قد لا يفهم الكثيرون أن مصر الحرة الديمقراطية القوية العفية هى أكبر وأفضل ضمان لبلدان الخليج ضد كل الأخطار التى تتهددها من الجيران وأولئك الذين يسيل لعابهم إلى النفط.