الديماجوجية في القاموس تعني استثارة الشعب واللعب علي مخاوفه الافتراضية وصولا لاستقطابه علي غير أساس من الواقع, ومن خلال متابعاتي لردود الافعال من الفرقاء بعد نجاح الجولة الانتخابية الأولي. أرصد وأحذر هنا من ظاهرة أو توجه بدأ في التبلور وربما يشكل هو الأزمة القادمة بعد الانتخابات, فلقد بدأ فريق الليبراليين والعلمانيين واليساريين المصريين في حشد بعض الآراء التي تقول شيئا قريبا مما قاله ليبراليون ويساريون بعد ظهور نتائج المرحلة الانتخابية الأولي, وأعني هنا قولهم إن الميدان سيظل موجودا حتي بعد الانتخابات, أي أن يبقي الميدان علي شرعيته الثورية حسب رؤيتهم حتي مع انتقال الشرعية الشعبية للمنتخبين حسب الصندوق, وهو وضع لا أعرف كيف ولا إلي أين سيمضي بهذا البلد حين يتنازع الشرعية فريق اسلامي اختاره الشعب وحاز شرعيته, وفريق ليبرالي خسر الانتخابات ويعتقد أن شرعية الميدان تعلو علي شرعية الشعب الذي لفظه, ولا أعرف ماذا سيحدث إذا ما احتكم المنتخبون لقاعدتهم الشعبية ضد فريق الشرعية الثورية؟, وماذا إذا ما احتكم الفريقان للشارع وتصادما في الميدان؟ هنا ستكون مصر أشبه بلبنان أخري. وعلينا أن نسأل أنفسنا السؤال الصعب عمن هو مانح الشرعية الحقيقية في هذا البلد؟ وكيف تقاس شرعيته تلك؟ وكيف يمارسها؟ وأخشي أن أقول إن من لم تعجبهم نتيجة الصناديق قد غيروا بوصلتهم180درجة مقارنة بكتاباتهم هم أنفسهم في الاسابيع والاشهر الماضية, والسبب ليس خوفهم علي الشرعية الثورية كما يقولون, وانما سبب التحول هو تيقنهم من أن الصندوق الانتخابي هو المعبر الحقيقي عن الشرعية الشعبية سيأتي بأغلبية اسلامية, وهو طبعا عكس ما يريدونه, وهنا ألمح نبرة واسلوبا ديماجوجيا بامتياز في كتابات هؤلاء الافاضل لأنهم يستغلون فزاغة الاسلاميين ويلعبون علي وتر المخاوف المحتملة من نشوء الدولة الدينية التي يتخيلونها حال فوز الاسلاميين في الانتخابات, مع أن الاسلاميين لم يتركوا فرصة واحدة لتوضيح موقفهم من أنه لا توجد ولم توجد يوما تلك الدولة الدينية في تاريخ الاسلام. والمدهش أن الليبراليين يبدون وكأنهم يتنكرون لكل قيم الليبرالية في موقفهم الحالي من نتائج الصندوق, خاصة أنهم هم أنفسهم قد اعترفوا بنزاهة الانتخابات وحيادية القائمين عليها, وكان المفترض منهم تفهم أنه عندما يقول الشعب كلمته, فلا يصبح هناك مجال لأي شرعية أخري, والشرعية الثورية التي يتحدث عنها هؤلاء السادة لا يمكن أن يغتصبها فصيل من الشعب دون آخر مادمنا نتحدث عن ثورة الشعب, أما لو كان الجيش هو من قام بالثورة كما حدث في1952 فالشرعية الثورية تكون له, لكنها شرعية لا يمكن أن تستمر طويلا ولابد من عودتها للشعب عن طريق الانتخابات والدستور. د.أحمد الجيوشي أستاذ هندسة القوي الميكانيكية