القانون يسمو علي الكافة بمن فيهم الحاكم, ويحمي المواطنين من التعسف والتحكم والاستبداد والظلم. عندما تغيب سيادة القانون تندلع الثورات ويسقط الشهداء, وإن تعمد قنص أعين المتظاهرين والقتل العمدي لهم لا يشكل فقط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان, بل يمثل أيضا جرائم خطيرة يجب أن يتحمل نتائجها مرتكبوها وكل من أمر بها أو حرض عليها, كما يعكس غياب آليات المحاسبة القانونية ذات المصداقية, وهي عماد سيادة القانون, وهو الأمر الذي دعا المتظاهرين إلي المطالبة بإتخاذ الخطوات اللازمة لملاحقة مرتكبي تلك الجرائم بأنفسهم. إن غياب سيادة القانون ترتب عليه عدم معرفة البعض من رجال الشرطة لحقوقهم وواجباتهم الأساسية وعدم إلمامهم الدقيق أو اتباعهم لقواعد فض التظاهرات والتعامل مع المتظاهرين المنصوص عليها في القوانين الوطنية وقرارات وزارة الداخلية التي أرستها أيضا الوثائق الدولية ومن أهمها مبدأ التناسب والتدرج في استخدام القوة, وأيضا عدم إلمام بعض طوائف الشعب بحدود وضوابط الحق في التجمع والتظاهر السلميين بحيث تمادي الأمر فاختلطت أعمال البلطجة والشغب في العديد من الحالات بحالات التظاهر السلمي. فضلا عن ذلك, فإن غياب سيادة القانون أدي إلي بطء إجراءات التقاضي ووجود عوار تشريعي في منظومة العدالة الجنائية التي ظلت عهودا طويلة بلا تحديث, فترتب علي ذلك محاكمة قتلة الثوار بالتهم التقليدية من قتل عمد وشروع فيه, بدلا من محاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية, علي الرغم من الأسلوب المنظم وواسع النطاق الذي صاحب الهجمات علي المتظاهرين إبان أحداث ثورة25 يناير المجيدة. كما أدي ذلك إلي محاكمة كبار رجال السلطة كشركاء في تلك الجرائم, بينما تتم محاكمة صغار الجنود كفاعلين أصليين, وإن غياب سيادة القانون ترتب عليه عدم إلمام المتقاضين بحقوقهم وواجباتهم بحيث أصبحت المحاكم ساحات للتشاحن بدلا من ممارسة دورها الطبيعي في إرساء الحقوق في جو من الهيبة والوقار من خلال أطراف حريصة علي ذلك, وهو ما أدي في نهاية الأمر إلي تأخير رد الحقوق لأصحابها ومن أهمها تعويض الضحايا, الأمر الذي يتعين معه علي المشرع المصري التدخل لوضع آليات قانونية ناجزة لتعويض ضحايا الجرائم الجسيمة, حتي لا يشكل ذلك ذريعة أخري للاحتجاجات والاشتباكات, وهو الأمر الذي نأمل أن يضعه أعضاء البرلمان المرتقب نصب أعينهم. ويجب أن نضع في الاعتبار أن مفهوم سيادة القانون لا يعني فقط تطوير التشريعات وتطبيقها علي الجميع بلا تمييز, بل يعني أيضا تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة التي تصبح بمقتضاها كافة الأشخاص الطبيعية والاعتبارية بما في ذلك مؤسسات الدولة مسئولة أمام القانون, وبحيث يتم سن القوانين التي تطبق عليهم بتوافق مجتمعي لتكون معبرة عن حاجات المجتمع, ومبجلة للحقوق الأساسية لأفراده, وتضمن حق كل مواطن في ولوج محراب العدالة بلا إرهاق أو عسر, وتطبيق القانون علي الجميع بحيادية وإنصاف, من خلال قضاء مستقل وقضاة مستقلين, مع ضمان اتساقه مع أعلي المعايير الدولية خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان, فضلا عن وجود مؤسسات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان, وسلطة تنفيذية محددة السلطات, وانتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية, وقواعد تحكم سلوك الشرطة وكافة أجهزة الأمن, في ظل إعلام محايد صادق يعبر عن حقيقة الواقع المصري. إن الساحة الدولية تشهد في الوقت الراهن تطورا حقيقيا في تحديد مفهوم ومؤشرات سيادة القانون وطرق تعزيزها في دولة ديمقراطية, بحيث اضطلعت العديد من المنظمات الدولية ومنها منظمة الأممالمتحدة بوضع أدلة تتضمن معايير تفصيلية لقياس سيادة القانون في دولة ما, بينما مازالت مؤسسات الدولة تعاني فقدان أسس سيادة القانون من مساواة وشفافية ومحاسبة مما أدي إلي تدني مستوي مصر في التقارير الدولية الخاصة بمكافحة الفساد وإعمال معايير سيادة القانون, وكل ذلك يدعو إلي الحسرة والأسي في دولة ذات حضارة عريقة وقيم دينية عظيمة, وتقاليد راسخة تدعو جميعها إلي العدل والمصداقية والشفافية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وإن المتمعن في قراءة قواعد الدين الإسلامي الحنيف سوف يتبين بلا عناء كيف أن الشريعة الإسلامية الغراء بمصادرها المختلفة تحوي من المبادئ ما هو كاف لتعزيز سيادة القانون في مصرنا الغالية. ويعكس ذلك ما ورد في وثيقة الأزهر الشريف الصادرة شهر يونيو الماضي التي أبرزت جوهر الإسلام فيما يتصل بالحرية والعدل والمساواة. الأمر الذي دعانا إلي المفاخرة في العديد من المحافل الدولية بعودة دور الأزهر الشريف في إعلاء كلمة الحق وإرساء سيادة القانون. كل ما تقدم يقودنا إلي نتيجة هامة وهي أن الشعار الذي يجب أن يسود في المرحلة القادمة هو الشعب يريد إعلاء سيادة القانون, ولن يتأتي ذلك إلا من خلال صياغة دستور يعبر عن إرادة طوائف الشعب كافة يرسخ مفهوم سيادة القانون, ويعلي من قيمة دولة المؤسسات, مع تبني استراتيجية شاملة لإصلاح مؤسسات الدولة يتم تطبيقها عن طريق برامج وخطط عمل مدروسة تهدف بصفة أساسية إلي زيادة الوعي بمفاهيم سيادة القانون بين أفراد الشعب المصري ومتخذي القرار علي حد سواء. المزيد من مقالات المستشار.عادل ماجد