أدهشني ثوار يناير دائما عندما طرحوا أن مهمتهم لم تكن أبدا الإطاحة بشخص الرئيس, وإنما تغيير النظام; ولكنهم عندما مرت أمور أساسية من أركان النظام السابق أمام أعينهم فإنهم لم يلتفتون إليها. بل إنهم عندما قاموا بمليونيتهم الأخيرة انصرفوا مرة أخري إلي الشخص أو الأشخاص الذين وضعوا رؤوسهم علي أكفهم فداء لهذا الوطن خلال حرب أكتوبر, ولكنهم تركوا النظام كما هو وكأن أحدا لا يلحظ ما فيه من خراب. سأحاول التفصيل حتي تظهر الصورة جلية وواضحة, فعندما جري الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, ومن بعدها طرح الإعلان الدستوري, لم يجر الخلاف علي ما جاء فيهما, ولكن علي عما إذا كان ذلك واجبا أو لا. لم يطرح أحد اختلافا مع الإعلان الدستوري لأنه جاء بقاعدة العمال والفلاحين التي هي جزء أساسي من النظام السابق. ومضت القاعدة في الإعلان وعلي أساسها سوف تجري أية انتخابات في عهد الثورة ولا يعلم أحد بوجود اعتراضات عليها في الدستور الجديد, أي أن واحدة من أعمدة النظام الذي كان الشعب يهتف بسقوطه مرت وبقيت واستمرت. وخلال الأيام الماضية جري إعادة تشكيل المجلس الأعلي للصحافة من مجموعة من أفضل وأنبل عقول مصر, وهم أخوة وأصدقاء وصادقوا النية. ولكن المجلس ليس فقط جماعة من الأتقياء في السياسة والفكر, وإنما هم جزء من نظام لإدارة الصحافة القومية وملكيتها والتحكم فيها ولا مكان له في دولة ديمقراطية حقة. صحيح أن يد المجلس ضعفت بعد ذهاب من كان يتحكم فيه, ولكن الثورة قالت دائما أن مهمتها لم تكن الإطاحة بفرد أو أفراد وإنما بنظام متكامل وجب تكفينه ودفنه ليس فقط لأنه لم يؤد مهمته, ولكن أيضا لأنه لا مثيل له في العالم. وبصراحة إذا كانت هناك نقابة لها مجلس منتخب تخص الصحفيين والتقاليد والأخلاق الخاصة بحرية التعبير, فلماذا يوجد المجلس الأعلي للصحافة؟ وإذا كان الغرض من المجلس هو الإشراف علي الصحف القومية والعمل علي إنقاذ مؤسسات علي وشك الإفلاس بالاقتراض من المالية العامة فهل هذا هو النظام الذي نريده أم أنه النظام الذي تريد الثورة الإطاحة به؟ أم أن في الأمر أكذوبة كبري وهي أن الثورة لا تعرف تحديدا ما هو النظام الذي جاءت للخلاص منه لأنها لم تحدد حتي الآن ما هي المؤسسات التي تريد الخلاص منها, وما هي المؤسسات التي تريد إصلاحها, وما هي الهيئات التي تريد إقامتها؟ [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد