لا يوجد في التاريخ طريقة يمكن فيها للحدث أن يحدث بأكثر من طريقة حتي نعرف أيهما كان الأصلح والأفضل. وما جري في مصر أن المصلحين والثوريين اتفقا علي أن النظام القائم لم يعد يصلح لقيادة البلاد إلي ما هو أبعد وأرقي ومن ثم وجب تغييره أو التغيير فيه; وفشل الإصلاحيون في الأخذ بيد النظام قفزات إلي الأمام, بينما نجح الثوريون في الإطاحة به كله. ومع الوضع الجديد طرح الواقع اختيارا آخر, هذه المرة بشهادة الشعب, حينما أراد الإصلاحيون أن يكون النظام الجديد من رحم النظام القديم; أما الثوريون فقد كانوا يريدون خلق جديد من عدم. الأولون احترموا التقاليد التاريخية, والآخرون أرادوا السير فورا فوق السحاب, بينما كلاهما أراد دستورا جديدا. وكانت شهادة الشعب مع الخيار الأول وبغالبية كبيرة لم يجادل فيها أصحاب الخيار الثاني. ومن هذا المنطلق جاء الإعلان الدستوري فيه ملامح من القديم, ولكن فيه خروج واضح عليه. القديم ظل في استمرار نسبة العمال والفلاحين التي لم يعرفها أحد لا قبلنا ولا بعدنا, وفي استمرار نص المادة الثانية من الدستور, ولكن الجديد كان في القيود علي قانون الطوارئ, وسلطات رئيس الجمهورية, وفي التعديلات الدستورية الرئيسية التي جعلت محكمة النقض حاكمة في صحة الانتخابات, وفي ضمانات كثيرة لانتخابات نظيفة لا مجال هنا لإعادة ذكرها. الخطوة كبيرة سارت بعيدا عما كنا عليه, ولكنها ظلت بعيدة عن طلاق مع الماضي. لم تجر بعيدا لمنع التمييز بين الطبقات الاجتماعية, فتحت الباب لتمييز من أجل المرأة لا تعرفه بلدان ديمقراطية أخري. الخبراء ربما يجدون أمورا أخري تستحق التفكير والتغيير, ولكن كل ذلك جزء من عملية أكبر بكثير وهي الإعداد للدستور الجديد. ما جري حتي الآن كان أشبه بدورات تدريبية بدأت بالاستفتاء علي التعديلات, ومرت بالإعلان الدستوري, وسوف نشهد التطبيقات في انتخابات مجلسي الشعب والشوري, وفي كل الوقت سوف تكون الساحة ممتلئة بالآراء بقدر ما فيها من بشر, ولكن عند الوصول إلي المحطة النهائية سوف يصل الإصلاحيون إلي غايتهم, والثوار إلي مرادهم, دستوريا ديمقراطيا بحق. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد