لست فقيها قانونيا ولا دستوريا, ولكن القواعد العامة للقانون في المجتمعات المتحضرة هي أنه لا يوجد شخص فوق القانون, وأنه لا محاكمة إلا بقانون, كما أنه لا عقوبة إلا بنص والمتهم بريء دوما حتي تثبت إدانته. هذه القواعد كلها حالة بشأن المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك, فهو كشخص ليس فوق المحاسبة القانونية, وهو مطلب سائد لدي قطاعات من الرأي العام. ولكن ذلك وحده لا يكفي لأن أساس المحاسبة سوف يقوم علي تعريف الشخص وعما إذا كان شخصا عاديا كما هو اليوم, أم أن التهم التي سيحاسب عليها جرت في أثناء توليه منصب رئيس الجمهورية, حيث كانت تنطبق عليه قواعد أخري تنتمي إلي دستور معطل الآن ولكنه كان ساريا في السابق!. هنا فإن المادة85 من الدستور تضع قواعد خاصة لمحاكمة رئيس الجمهورية, فاقتراح اتهامه يأتي من ثلث أعضاء مجلس الشعب, أما إعلان الاتهام فيكون من ثلثي الأعضاء, وبعدها يوقف عن العمل ويتولي مهامه نائب الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء, وتجري المحاكمة أمام محكمة خاصة. فماذا نفعل الآن والدستور معطل, ومجلس الشعب لا وجود له, أم أنه وقد تخلي الرجل عن سلطاته فإنه صار مثل عامة الناس. هنا تبدو المعضلة أكثر تعقيدا, فإذا كان الرجل عاديا, فكيف يمكن محاسبته علي قضايا مثل التربح من المنصب والتي تنطلق من النص الدستوري الذي يقول إنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يحصل علي أموال تزيد علي دخله الذي يحدده القانون. وينطبق الأمر نفسه علي كثير من المسئوليات السياسية التي تتضمنها عرائض الاتهام الموجهة للرئيس السابق ولكنها كانت مسئوليات رئيس الجمهورية وليس رجلا عاديا ربما كان له رأي وموقف ولكنه في النهاية لا يزيد علي كونه رأيا. جماعة منا تريد أن تخرج من المعضلة بأن يشكل المجلس الأعلي للقوات المسلحة محاكم للثورة تضع قوانينها الخاصة ووسائل تنفيذها. ولكن المجلس ليس مجلسا لقيادة الثورة, وإذا قام بالمهمة فهل يذهب قادة الثورة بعد ذلك إلي منازلهم؟! وإذا أقام المحكمة فإن أحكامها لن تكون مقبولة من بنوك ودول العالم؟ إنها معضلات كثيرة تحتاج إلي اجتهاد فقهاء!. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد