مرت علينا في الأسبوع الماضي الذكرى الرابعة والعشرون لاسترداد طابا وهي بقعة صغيرة في سيناء، تم استردادها بعد معركة قانونية على مستوى التحكيم الدولي بين مصر وإسرائيل. ليصدر حكم التحكيم الدولي في 19 مارس 1989 بأحقية مصر في ملكية هذه المساحة المقدرة بكيلومتر مربع واحد. هي ذكرى غالية تعيد تأكيد التمسك بكل حبة رمل في الأراضي المصرية والدفاع عنها مهما يكلف الأمر وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة، فهذه الأرض سالت من أجلها دماء مصرية كثيرة ولن يسمح الشعب بالتفريط فيها أبدا، فكل بيت في مصر وكل أسرة لديها شهيد مات على هذه الأرض .. وعلى ذكر الدماء التي سالت، لن ننسى أبدا شهداء رفح الذين راحوا بمنتهى الخسة والنذالة .. ولا يفوتنا أن هذه الذكرى قد أظهرت للعيان بما لا يدع مجالا للشك، مدى فقر ومحدودية عقول من يديرون البلاد فهم لا يعرفون تاريخ الدولة التي يتولون حكمها لفترة - من المؤكد والواضح - أنها ستكون وجيزة لضيق أفقهم وفقر تجربتهم وإنعدام رؤيتهم، حتى إنهم يبدون أقزاما أمام هذه الدولة العملاقة الضاربة في أعماق التاريخ والزمن. * يوم التاسع عشر من مارس هو ذكرى أخرى ولكنها سوداء، فهو اليوم المشئوم لأول إستفتاء عرضه المجلس العسكري الذي تولى شئون البلاد بعد تنحي النظام السابق .. نعم هو يوم مشئوم لأنه اليوم الذي تم فيه تقسيم الشعب المصري إلى أهل الجنة من ناحية وأهل النار من ناحية أخرى، وإلى مسلم ومسيحي، وإلى محبي الاستقرار والداعين إلى عدم استقرار الدولة .. لقد تعاون المجلس العسكري في إتمام مرور هذا الإستفتاء مع تيار اليمين الديني، واعترف الجميع بذلك بعد شهور .. لقد أدى هذا التعاون إلى تمزيق وحدة المعارضة على وجه التحديد، لن ننسى أنه بسبب ذلك سالت دماء الشعب في العديد من المواجهات بين ابناء الوطن الواحد الذين كانوا صفا واحدا خلال الثمانية عشرة يوما، ودخل الجمع في مهترأ الدستور أولا أم الإنتخابات البرلمانية ثم الرئاسية .. ومازالت نفس سياسة التقسيم سارية بإدخال الشباب والتيارات السياسية في مهاترات وإشتباكات كلنا في غنى عنها، لأن مصر لا تحتمل ذلك في الوقت الحالي على الأقل.. إنه مشهد عبثي بكل ما تحمله الكلمة من معان ذلك الذي نعيشه الآن جراء سياسة يؤكد الكثيرون أنها لم تكن عفوية .. فعلى من يعتقدون أن الشعب المصري طيب ورحيم، هذا صحيح ولكنه ليس مغفلا أو ساذجا وذاكرته أصبحت حاضرة بشكل قوي وغير قادرة على نسيان الجراح الكبيرة .. فلا تنسوا أنتم " أنا قد لبسنا على أيديكم الحدادا والسوادا ". * وعلى ذكر الحداد، كان الاحتفال بعيد الأم هذا العام مميزا، إذ تم الإحتفاء بأمهات من ضحوا بدمائهم ومن راحوا ضحية الإشتباكات في محافظات عدة من مدنيين وضباط ومجندين، وعلى الرغم من إتشاحهن بالسواد فإن القوة في عيونهن وأصواتهن مصدر إلهام ونور للجميع ولن يستطيع أحد مهما يكن أن يطفئها ... فاللهم أفرغ علينا وعليهن صبرا لكي تعبر مصر الأيام المقبلة. [email protected] لمزيد من مقالات رشا حنفى