إعادة تشكيل مجلس الجامعات الأهلية برئاسة وزير التعليم العالي    آخرها طالب من ذوي الهمم.. 3 مواقف إنسانية لوزير التعليم في جولاته بالمدارس    رايات وابتهالات.. استعدادات مكثفة للاحتفال بالليلة الختامية لمولد السيد البدوي    أبطال "WE INNOVATE" يقتنصون المركزين الأول والثالث في تحدي الأمن السيبرانى العربي بجايتكس نورث ستار    وزيرة التنمية المحلية تستقبل أعضاء من لجان الإدارة المحلية والشباب بالبرلمان    "مياه سوهاج" تدعو المواطنين لتركيب القطع الموفرة لترشيد الاستهلاك    نائب رئيس المجتمعات العمرانية يتفقد سير العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها بالعبور الجديدة    وزير الخارجية الإيراني: نقدر الجهود المصرية لتحقيق الاستقرار بالمنطقة    قمة أمريكية أوروبية في برلين الجمعة تجمع بايدن بماكرون وشولتز وستارمر    مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى من باب المغاربة    إصابة مدنيين بجروح جراء عدوان إسرائيلي على إحدى النقاط بمدخل مدينة اللاذقية    خبير عسكري: المنطقة تتجه نحو حرب إقليمية طويلة    السيسي ووزير خارجية إسبانيا يؤكدان ضرورة التوصل إلى تهدئة شاملة للأوضاع في غزة ولبنان    صدام قوي بين موناكو وليل.. ومهمة صعبة لسان جيرمان    بعثة الزمالك تسافر إلى الإمارات استعدادا للسوبر المصري    باريس سان جيرمان لاستعادة توازنه.. وموناكو لتأكيد الصدارة    فرص أمطار خفيفة.. الأرصاد تعلن درجات الحرارة اليوم الخميس    بدون ركاب.. انتشال أتوبيس عقب سقوطه في ترعة الشرقاوية بشبرا| صور    السكة الحديد تفصل سائق قطار لتعاطيه المخدرات وتحيله للنيابة    القبض على عاطلين بحوزتهم 4 آلاف قرص مخدر بالقليوبية    إحالة عاطل بتهمة سرقة الدراجات النارية في المطرية للمحاكمة    يوسف الشريف يعود للدراما بمسلسل جديد والعرض خارج رمضان 2025    أبرز تصريحات محمد هنيدي مع أنس بوخش    بعد اعتذار أحمد سعد.. كيف تعامل «مهرجان الموسيقى العربية» مع غيابه؟    مهرجان «المهن التمثيلية» يكرم اسم الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة    نائب بالشيوخ: النسخة الثانية لمؤتمر الصحة والسكان تسهم في تعزيز السياسات الصحية    لن يتجاوز سعرها 500 ألف جنيهًا.. شروط استيراد سيارات المعاقين (فيديو)    «عبد اللطيف» يتابع انتظام العملية التعليمية بعدد من المدارس في الجيزة    الأمم المتحدة: الدول العربية تساهم ب 5% فقط من الاحتباس الحراري العالمي    ناقد فني: يوسف وهبي ترك الهندسة بسبب حبه للتمثيل.. ومسرحياته تميزت بالتراجيديا    عثمان الخشت: الإيمان في عصر التكنولوجيا يواجه تحديات جديدة    سعر طن الأرز الشعير اليوم الخميس 17 أكتوبر 2024    تحرير 5 محاضر ل«مخالفات تموينية» في حملات على أسواق قلين بكفر الشيخ    اتحاد الكرة: مكافأة خاصة للاعبي منتخب مصر.. وسنتأهل إلى كأس العالم    إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية اليوم    "المال الحرام".. أحمد كريمة يرد على عمر كمال والأخير يعلق    من هو رئيس المخابرات العامة الجديد خليفة عباس كامل؟    جامعة سوهاج تستضيف خبيرًا عالميًا في جراحات القلب    مركز معلومات تغير المناخ يصدر روشتة القمح للموسم الزراعي الجديد    «إنت بتأذي ابنك».. رسائل نارية من شوبير إلى ياسر ريان    التابعي: الأهلي يخسر أمام سيراميكا في هذه الحالة.. ورحيل زيزو عن الزمالك "مرفوض"    أحمد عيد يطير إلى المغرب للانضمام لمعسكر المصرى استعداداً للموسم الجديد    «التعليم» توجّه بحصر أعداد طلاب «أولى ثانوي» لتسليم التابلت    انفوجراف.. الأزهر للفتوى: تطبيقات المراهنات الإلكترونية قمار محرم    «طاقة الشيوخ» تدرس آليات جذب الاستثمارات وتحويل السيارات للعمل بالوقود    مسؤولة أممية: مستوى المعاناة في غزة يتحدى القدرة على الوصف والاستيعاب    تعرف على أماكن القوافل الطبية اليوم وغدا.. الكشف والعلاج مجاني    كيفية تدريب طفلك على تنظيف يديه بشكل منتظم.. لحمايته من الأمراض المعدية    رئيس جامعة القاهرة يوجه بسرعة إنجاز الأعمال بالمجمع الطبي للأطفال    جدول ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل انطلاق الجولة السابعة    وزير الري يشهد إعداد مشروع إقليمي في مجال التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    حالة الطرق اليوم، احذر زحام خانق بمعظم شوارع وكباري ومحاور القاهرة والجيزة    طرح البرومو الرسمي لفيلم "آل شنب".. وهذا موعد عرضه    بايدن يقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا ب 425 مليون دولار    هل يجوز تأدية صلاة الفجر بعد شروق الشمس.. الأزهر يوضح    5 أدعية نبوية للحماية من الحوادث وموت الفجأة.. بعدانقلاب أتوبيس الجلالة وقطار المنيا    قوى خفية قد تمنحك دفعة إلى الأمام.. توقعات برج القوس اليوم 17 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر لن تنهض بأموال قطر أو غيرها
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 03 - 2013

وكأن حالة من الهوس انتابت السلطة الحاكمة وكثيرا من المصريين, مؤداها أن مصر علي وشك الإفلاس ولن ينقذها من هذا المصير المحتوم إلا أموال قطر أو غيرها, يفضل إحسانا أو حتي إقراضا بالربا إن لم يتيسر الإحسان.
وفي ظل عتامة الحكم التسلطي تستشري الشائعات المزعجة ثم يتبين أن لبعضها علي الأقل نصيب من الحقيقة: قطر تريد شراء أراض أو مشروعات علي محور القناة, قطر تريد شراء قطعة أرض مميزة علي نيل مصر ومبني التلفزيون التاريخي القائم عليها, قطر تريد استئجار آثار مصر الفرعونية وتحتكر الانتفاع بها وتنقل ما يمكن حمله منها إلي أراضيها, قطر حصلت علي مقتنيات متحف البريد العربي من مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة. وهلم جرا!
ومن ناحيتها, السلطة الراهنة وحكومتها العاجزة تشتهي المعونة المالية أو الاقتراض بأي شكل ومن أي مصدر: من صندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي والبنك الإسلامي وصناديق التنمية العربية والسعودية والإمارات وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي, وربنا يجعل بيت المحسنين أيا كانوا عمارا! غير أن مشكلة مصر التنموية ليست في فقر الأموال ولكن في فقر الفكر التنموي وغياب المشروع النهضوي بحق. ودليلنا بسيط وواضح, في ظل النظام الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد, دخل مصر من المعونات والقروض ما يتعدي تريليون( ألف مليار) جنيه بسعر الدولار الحالي, منها قرابة500 مليار جنيه من الولايات المتحدة المتحدة وحدها علي صورة معونات عسكرية واقتصادية, ومع ذلك انتهي أغلب أموال المعونات والقروض منهوبا ومهربا إلي الخارج بواسطة عصبة الحكم الفاسدة, ولم يبق للشعب الكريم منها إلا معاناة الفقر والقهر والظلم الاجتماعي الفادح. المشكل إذن ليس في نقص الأموال ولكن في نظام الاقتصاد السياسي الذي يوظفها لمصلحته بينما يهمل المورد الأهم لأي اقتصاد في عصر المعرفة, أي البشر معين المعرفة, ومعيار التقدم, بل يهينهم ويحط من كرامتهم. ولذلك عبنا علي جميع أطوار الحكم التسلطي التي تلت الثورة احتفاظها بهذا النظام كما كان وهرولتها لاقتراض واستجداء الأموال من الخارج بالإضافة إلي الجباية الجائرة من الشعب المسكين. فذهنية هذا النظام تخنزل الاقتصاد في المال, وهو تعريف ضيق وعقيم خاصة في بلد كمصر قام مجدها دائما علي الابتكار والإبداع الإنساني, أي إنتاج المعرفة بالمصطلح العلمي المعاصر. ولايقدر علي هذا إلا البشر الأصحاء والمتعلمون جيدا والمتمتعون بحريات الفكر والابتكار. ولكن هذه المميزات التاريخية هي بالضبط ما يقتل نظام الاقتصاد السياسي القائم.
هذا النظام يختزل الاقتصاد الوطني في خزينة أموال وقع عليها عندما تسلم السلطة ينفق منها علي أغراضه, وأهمها أمن النظام وضمان استمراره, ولو علي حساب إضعاف الطاقة البشرية للبلد وقتل قدراتها الإبداعية. ولا يفهمون من الاقتصاد إلا حجم الأموال بالخزانة وكيف يزيدونها كي ينفقوها كما يعن لهم وبلا مساءلة فعالة, مهملين التبعات الوخيمة لذهنية الاقتراض والاستجداء وبيع الأصول, كالوريث السفيه الذي يضيع ما ورث تبديدا, ويزيد عليه اقتراضا. ربما بمنطق أن من سيواجه أعباء الدين, فوائد وتسديدا, لو استقر التداول الديمقراطي للسلطة, سيكون غيرهم.
مصر, علي العكس, تحتاج إلي مشروع نهضة حقيقي يقوم علي الاستثمار في أغلي مواردها, أي المصريين أنفسهم, بالرعاية الصحية والتعليم الجيدين والمناخ المواتي والمؤسسات المجتمعية الكفيلة بدعم الابتكار والإبداع والبحث العلمي والتطوير التقاني والإبداع الأدبي والفني, وبإقامة مشروعات إنتاجية تتيح فرص العمل الوفير والجيد لأبنائها سبيلا للقضاء علي الفقر المخيم علي الوطن. هذا هو ماتحتاج مصر لتنهض اقتصاديا وتكافح البطالة والفقر والظلم الاجتماعي, فماذا عن قطر, هل يمكن أن تسهم قطر في مثل هذا المشروع.
أولا, فاقد الشيء لا يعطيه. فقطر لم تستطع علي الرغم من ثرائها المالي, الأسطوري والباذخ, أن تصنع لنفسها علامة فارقة في ميادين الإبداع الإنساني في الأدب والفن والعلم. فلا بأس إذن من أن تشتري أو تستأجر لردح من الزمن بعضا من قشوره الخارجية إن أمكن. وقد نجحت قطر بلا شك في الحصول علي بعض مشروعات تحاكي مظاهر الحضارة الغربية الراهنة, ولكن أساسا بإدارة أجانب, في الأغلب الأعم من بريطانيا والولايات المتحدة, يحصلون علي مكانة متميزة لا يحلمون بها في بلادهم, ويقوم أيضا علي تشغيلها أجانب آخرون من جميع أنحاء العالم. إن قطر هي, في النهاية, بلد صغير لكنه مستودع أموال هائلة نتجت عن صدفة جيويولوجية بحتة من دون تاريخ أو تراث أو حضارة. ولذلك فليس غريبا ولا مستهجنا أن يسعي أول الأمر فيها لشراء أو استئجار قشور حضارة تتباهي بها الدويلة الخليجية المقفرة, وكما يقول العامة: شرا العبد ولا تربيته. ولكن الغريب والمستهجن قطعا هو من يفكرون في بيع تراثهم ومعالم حضارتهم التليدة بثمن بخس, قد تبعثره سلطة غير رشيدة, بدلا من استثماره بكفاءة لرقي موطنهم ولفائدة الإنسانية جمعاء. فماذا عن استثمار قطر في خارجها؟
ثانيا: قطر لم تستثمر في أي مكان إنتاجيا, ولا ينظر أن تستثمر في مصر بما يضمن نهوض الاقتصاد من كبوته. فقد اقتصر ما يسميه أهل السلطة الحاكمة في مصر وأول أمر قطر بالاستثمار في الاستحواذ علي مشروعات قائمة فعلا, وعلي الأغلب منشآت عقارية, الأمر الذي لا يترتب عليه من حيث المبدأ زيادة في الناتج أو خلق فرص عمل كثيرة وجيدة جديدة كما تحتاج مصر لتجاوز محنة البطالة-الفقر بها. وتضم الأمثلة شراء متجر هارودز في لندن وسلسلة متاجر سنسبري في إنجلترا ومتجر برينتم في باريس, وإن شملت الاستحواذات أنصبة في بعض شركات البتروكيماويات والسيارات والطائرات والأفلام والبنوك, وفي فرق كرة القدم. وكلها خارج المنطقة العربية وليس ضمن أغراضها المعلنة أو الفعلية معاونة البلدان العربية الشقيقة علي تجاوز أزماتها التنموية المستفحلة. ويجب ألا نتناسي السيطرة السياسية النافذة التي قد تتأتي لقطر أو غيرها من الدائنين من خلال تراكم الودائع القابلة للسحب بدون إنذار أو الديون التي تستحق فوائد ربوية ولابد من أن تسدد اقساطها في يوم آت. وقد كان لمصر خبرة مأساوية سابقة في عهد الخديو إسماعيل انتهت بتشكيل صندوق دين ورقابة أجنبية, إنجليزية وفرنسية مشتركة, علي مالية الحكومة المصرية, ثم بتعيين وزيرين, إنجليزي وفرنسي, في الحكومة المصرية لضبط ماليتها وضمان تسديد الديون التي رهن لها الخديوي إيرادات الحكومة من الضرائب وعائدات المشروعات المملوكة للدولة حتي السكك الحديدية, وانتهت بخلعه بتحريض من الدول الدائنة. ولا يخدعن أحد نفسه, إن سيطرة قطر علي اقتصاد مصر ستعني في النهاية أيضا سيطرة الانجليز والأمريكان الذين يسلمون لهم قياد مشروعاتهم علي اقتصاد مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.