مصر حائرة وممزقة بين تياري الاستقواء والاستعلاء, فبيننا من لاذ واستقوي بالجيش, للخلاص من سوء الحظ الذي يلاحقنا كظلنا, منذ تولي الإخوان المسلمون سدة الحكم. ومما عزز من قوة هذا التيار استعلاء الإخوان علي الاستجابة لمطالب الجماهير المصدومة من عدم وفاء حكامنا الجدد بتعهداتهم, والاعتراف بأخطائهم وتواضع خبراتهم ومهاراتهم القيادية. إن صراع الاتجاهين علي الغلبة يطلق رصاصة رحمة مبكرة علي تجربتنا القصيرة جدا في الحكم المدني, فالناس ضاقوا ذرعا ويفضلون إرجاع العجلة للوراء, لإنقاذ البلاد من مصير مشئوم, إذا استمر الإخوان في مسارهم الراهن. وبوضوح سيكون من الظلم البين التنازل بهذه البساطة عن مكسب مهم للثورة, متمثلا في أن يحكمنا مدني. ووسط هذه العتمة والتخبط يطل حزب النور السلفي برأسه كبديل جاهز للإخوان, مستغلا أن جبهات المعارضة الليبرالية واليسارية والثورية لم تقدم بدائل مقبولة يقتنع بها رجل الشارع العادي, بل إن بعضها شارك بحماس جارف في وصلات تشجيع تيار الاستقواء. وأجاد النور توظيف ما تلقاه من لطمات وصفعات من الإخوان ليظهر وكأنه علي يسار الرئيس محمد مرسي وليس في كتفه, وحاول الظهور كطرف مرن منفتح علي التعاون مع الآخرين بضوابط وشروط يراها ضرورية. وبدأ النور في تجهيز عتاده, تمهيدا للقفز من مركب الإخوان, ويتضح من جملة مواقف قيادات النور والسلفيين أن الهوة الفاصلة بين الجانبين تتسع, وأحدثها كان تصريح الشيخ ياسر برهامي بأن مرسي ليس رئيسا لكل المصريين. وبالتأكيد فإن السلفيين لديهم ما يكفيهم من الثقة في مقدرتهم علي حشد أنصارهم والفوز في أي سباق انتخابي قادم, غير أن ظهور هذا البديل سيثير عشرات علامات الاستفهام أمام عيوننا, حول صلاحية النور ليصبح بديلا مناسبا للإخوان, تفاديا لمأزق عودة المؤسسة العسكرية, يتصدرها مدي استعداد الحزب لتغيير جلده وأفكاره موضع الخلاف مع القوي الأخري, والتدليل علي أنه لن يكون نسخة مكررة من الإخوان بكل ما شاب تجربتهم من خطايا وإخفاقات؟.