سيطرت حالة من الذعر على القوى السياسية عقب ظهور نتائج المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية 2011، والتى جاءت معلنة اتجاة البوصلة السياسية فى مصر نحو الحكم الإسلامى بعد اكتساح حزبى الحرية والعدالة الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين والنور السلفى لنتائج هذه المرحلة. الصعود الإسلامى له مبرارته، فلقد استفاد كثيرا من نجاح التجربة فى دول كانت شديدة العلمانية كتونس والمغرب. بالإضافة إلى ذلك نجاحه فى إثبات وسطيته لعامة الشعب المصرى من اختيار نساء وأقباط على قوائمه، واستفادته كثيرا من معارضته للنظام السابق، هذا بالإضافة إلى الخلفية الدينية التى تقبع فى نفوس الغالبية العظمى من الشعب المصرى، والتى تميل بالفطرة إلى الخيار الدينى. سجلت نتائج هذه المرحلة العديد من الشواهد للمتابع للمشهد السياسى المصرى، لعل أبرزها هو نجاح الكتلة المصرية فى حشد عدد كبير من أنصارها من المناهضين للتيار الإسلامى، خاصة فى الدوائر التى يتركز بها أعداد كبيرة من المثقفين والمفكرين والمسيحيين ورموز التيار الليبرالى معتمدين على الدعم المادى الكبير والتعبئة الإعلامية التى حظيت بها الكتلة. وفى المقابل يأتى حزب النور السلفى، والذى يعد مفاجأة هذه المرحلة بنتائج مذهلة، خاصة فى دوائر الأقاليم، والتى يحظى بها التيار السلفى بشعبية جارفة، بل واستطاع انتزاع الصدارة من الإخوان فى بعض الدوائر. كما شهدت هذه المرحلة تراجعا كبيرا لحزب الوفد الذى خسر كثيرا بخروجه من تحالفه مع الإخوان، وهو ما يؤكد ضعف برنامج هذا الحزب إذ لم يحقق أى تقدم يذكر عما كان عليه قبل قيام الثورة. اتهامات الجانب الليبرالى للأحزاب الإسلامية بخرق أصول اللعبة السياسية من استخدامها شعارات دينية، واعتمادها على جهل غالبية الشعب المصرى، ما هى إلا مبرارات للفشل، فلقد عملت هذة القوى منذ سقوط نظام مبارك على محاولة القفز على هذة الثورة، والاستئثار بها، واستخدام التيارات الإسلامية كفزاعة، كما كان يفعل نظام مبارك، دون العمل على تطوير برامجها بما يصل لحلول لرفع المعاناة اقتصاديا واجتماعيا عن المواطن المصرى. علينا أن نعترف أن الإخوان المسلمين هم الحزب الأكثر تنظيما والأقدم فى الحياة السياسية المصرية، وعلى دراية كبيرة بالمشكلات المستفحلة فى المجتمع المصرى، كما أن المرجعية الإسلامية تحوى برنامج شاملا يستطيع حل تلك المشكلات. الصعود الإسلامى لا يدعوا للقلق، فلقد جاء بإرادة شعبية حرة، وبتجربة ديمقراطية أشاد بها العالم أجمع. فالشعب المصرى أثبت أنه جدير بالحرية التى نادى بها، وتبرير بعض القوى السياسية لنسبة التصويت الكبيرة للشعب بأنها جاءت خوفا من الغرامات التى أقرها المجلس العسكرى حيال عدم التصويت، هو اتهام ظالم وإجحاف لحق شعب مصر، بدليل ارتفاع نسبة التصويت على التعديلات الدستورية، رغم عدم إقرار أى غرامات. الصراع الإسلامى الليبرالى أبرز العديد من الإيجابيات، لعل أبرزها هو الإقصاء الشعبى الكامل لفلول الحزب الوطنى دون قانون عزل سياسى كما أن وجود السلفيين والجماعات الإسلامية على الخارطة السياسية، يعنى قبولها لشرعية الحوار مما سيسهم فى نزع العنف والتطرف عن هذه التيارات. الكلام عن دور مجلس الشعب القادم فى تشكيل الحكومة وافتقاده لصلاحياته التشريعية من سحب الثقة فى الحكومة أو محاسبتها يعد مهاترات لا داعى لها فى مثل هذه المرحلة الحرجة، والأولى حديثا فى هذه المرحلة هو أن نعمل على إنجاح باقى مراحل الانتخابات، وأن نتلافى أخطاء المرحلة السابقة كى نحافظ على الإشادة العالمية التى حظينا بها من قبل على جميع القوى السياسية أن توحد جهودها فالانتخابات ليست معركة للصراع على السلطة وإنما هى خطوة لبناء دولة. وعلى المواطن المصرى أن يطمئن، فمصر لفظت كل التيارات الأصولية المتشددة فى مختلف العصور، فإذا انحرف التيار الإسلامى عن المنهج الوسطى، وحاول الاستئثار بالسلطة فإن الشعب الذى أتى بها إلى الحكم سوف يسقطها بلا رجعة.