فلتسقط الديمقراطية إذا كان ثمنها هو ضياع مصر وحربا أهلية وتقسيما جغرافيا وطائفيا وعرقيا.. ولنواجه حقيقة أنه بعد مرور أكثر من عامين علي ثورة يناير بات مؤكدا أن التجربة الديمقراطية الوليدة قد فشلت في التوصل الي صيغة توافقية تتيح حياة سياسية سليمة تضمن تداولا سلميا للسلطة وفرصا متساوية لجميع الاتجاهات والتيارات.. والمحصلة النهائية مزيد من التدهور علي كل الأصعدة أمنيا واقتصاديا وتفسخا اجتماعيا غير مسبوق وانهيار لقيم كانت فخرا لهذا الوطن.. والآن في انتظار لحظة الانهيار الكامل للدولة قد يصل الي الحرب الأهلية. هذا الفشل المخجل في ادارة الحياة السياسية وما تبعه من انهيارات اقتصادية بالغة الخطورة, قد استدعي السؤال الذي طالما دار في أذهان المصريين منذ أحداث الفوضي الشاملة التي اعقبت الثورة وحتي الانتخابات الرئاسية.. متي يتدخل الجيش لوضع حد لكل هذه الممارسات غير المسئولة سواء من جانب نظام الحكم الجديد أو من جانب أحزاب وحركات وتنظيمات المعارضة. وأكاد أجزم أن السؤال قد تحول بالفعل الي رغبة شعبية جارفة في أن يكون للجيش دور قيادي في ادارة مرحلة انتقالية جديدة تضع الأمور في نصابها الحقيقي وتنهي هذه الفوضي وذلك العبث وتلك الطريقة الصبيانية في معالجة الأزمات, وتنهي أيضا مخاطر الوقوع في حالة الافلاس الاقتصادي الكامل وما سوف يتبعها من ثورة للجياع ومجازر في الشوارع والطرقات وحرب أهلية اذا بدأت لن تكون لها نهاية سوي بتدخل عسكري دولي يضع مصر الفاشلة تحت الاحتلال علي غرار ماحدث في العراق. أعرف أن هذا الكلام سوف يثير غضبا عنيفا في كافة الأوساط التي تدعي أنها الحارسة للديمقراطية سواء من جانب التيارات الاسلامية أو التيارات المدنية.. ولكن في الوقت نفسه أجزم أن ما أعرضه اليوم هو ترجمة دقيقة لما يشعر به ولما تطلبه غالبية الشعب المصري.. ويعرف الجميع أن تلك المطالبات ليست وليدة اليوم أو اللحظة الحاسمة التي تمر بها البلاد, ولكنها مطالبات قديمة منذ أن بدا واضحا أن الثورة قد تحولت الي فوضي طوال فترة الثمانية عشرة شهرا التي كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة يدير خلالها الأوضاع الداخلية ومكبلا بقيود واثقال مبادئ الثورة التي انطلقت من ميدان التحرير والتي وجد الجيش نفسه في وضع الاضطرار لحمايتها حتي لا تتحول الي مجازر لو أنه التزم بحماية الشرعية التي كانت قائمة آنذاك والتي كان الجيش يدين بالولاء لها. والذي لاجدال فيه أنه عندما اختار الجيش ان يكون الي جانب الشرعية الثورية لم يكن جاهزا بالقدر الكافي لادارة هذه المرحلة الثورية ولكنه اختار ان تكون ادارته متوافقة مع الشارع الذي كان ثائرا من دون قيادة حقيقية, ومن جهة أخري اختار الطريق القانوني لمحاسبة رموز النظام السابق.. ومن هنا جاء الأسلوب اللين والرخو في الادارة مما ساعد علي تفاقم الفوضي وتوقف العملية الانتاجية واصابة مؤسسات الدولة بالشلل التام. ومع تنفيذ العهد بتسليم السلطة الي الادارة المدنية التي اختارها الشعب, عاد الجيش الي ثكناته والتزم أن يكون علي مسافة واحدة من جميع أطراف الصراع السياسي أملا في ارتقاء القوي السياسية الي مستوي المسئولية الوطنية في انهاء هذا العبث والالتزام بالعملية الديمقراطية حكما ومعارضة. ومرة أخري أثبتت القوات المسلحة أنها الأكثر حرصا علي الاستقرار الوطني وعلي الاحترام الكامل للشرعية الدستورية والقانونية الممثلة في مؤسسة رئاسة الجمهورية, عندما التزمت الصمت والحكمة بعد الاطاحة بقيادات المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. هذا الالتزام المنضبط كان مرجعه الإصرار علي ابقاء القوات المسلحة علي حالتها الصلبة والمتماسكة.. وجاءت القيادة الجديدة وعلي رأسها الفريق أول عبد الفتاح السيسي والفريق صدقي صبحي, عارفة للجهد الخارق الذي بذلته القيادة السابقة ممثلة في المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان من اجل الحفاظ علي الحد الأدني من تماسك الوطن, ومقدرة لمدي القدرة النفسية لهذه القيادات ومدي تحملها للاهانات والبذاءات التي تعرضت لها في أسوأ حال لجيش وطني يحمي ثورة ويمنع سفك الدماء ويتعرض في الوقت ذاته لمحاولات اسقاطه, لتسقط بعده البلد بأكملها في ايدي ميليشيات تم تسليحها في ظروف بائسة عادت بالوطن واستقراره الي الوراء كثيرا. والآن يعود السؤال من جديد بعد الفشل الذريع والمخزي من جميع الاطراف السياسية.. هل يتحرك الجيش ؟؟ وما هي الفترة الزمنية الكافية لاحداث الاستقرار والتعافي الاقتصادي ومن ثم الوصول الي صيغة محترمة للادارة الديمقراطية ؟