■ السادس من أكتوبر 1973 جيش مصر العظيم، خلاصة من أشرف وأنبل عماله وفلاحيه ومعلميه وأطبائه ومهندسيه وكتابه.. الساعة 1400-الثانية ظهرا، يبدؤون عزف أعظم سيمفونيات النصر العسكرى فى تاريخ مصر الحديث. السادس من أكتوبر 2011 المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد قيام ثورة 25 يناير يتولى إدارة البلاد بتكليف من الرئيس المخلوع، ويضع المصريين أمام علامات استفهام وحيرة وقلق ومخاوف لا تجد إجابات. ■ 6 أكتوبر 1973 قمة المجد فى التصويب وفى القرار وفى القتال وفى تحقيق الأهداف. 6 أكتوبر 2011 قمة الاضطراب تسود البلاد، وفى أنحاء القرار السياسى وفى تحقيق أهداف الثورة. ■ نصر 73 منتج ومخرج طبيعى للتواصل والتلاحم مع إرادة الشعب ووضوح الأهداف وإجماع الأمة عليه، وتنظيم وترشيد إدارة الموارد البشرية والطبيعية، واستنفار أعظم ما فى المصريين من طبائع وقدرات. أكتوبر 2011 الضباب يغلف المشهد السياسى، والفشل يملأ المشهد الاجتماعى، ومحاولات مستميتة لادعاء أن قوات الجيش والشرطة أضعف من البلطجية ومن الخارجين عن القانون، وأنه لا حول لهم ولا قدرة إلا بتفعيل قانون الطوارئ الذى كان عصا إرهاب النظام الساقط -لأكثر من ثلاثين عاما- للشعب، والعجز عن فض الاشتباك بين الماضى الأسود الذى قامت الثورة لإسقاطه وتوفير الضمانات لحمايتها. إن الخروج عن المهمات الأساسية والمقدسة للجيش كلف المصريين، ومع تفاوت حجم الأخطاء والخطايا، ثمنا غاليا وإهدارا وتراجعا عن كل ما كان يمكن أن تحققه مصر من تقدم ومكانة داخليا وخارجيا وحفظ السيادة والاستقلال الوطنى.. وفى توحش الهيمنة الأمريكية والصهيونية وانهيار عناصر القوة الذاتية والأمن القومى والحيوى والمائى والصحى والعلمى. فى افتتاح واحد من إنجازات ومشروعات الجهاز الوطنى للخدمات بالجيش لفتنى تصريح للمشير طنطاوى يعنى أن الجيش فى أوقات السلم عليه أن يقوم بمثل هذه المشروعات والمسؤوليات، وهذا رائع ومطلوب وبكفاءة من جميع أجهزة الدولة التى يبدو أغلبها غائبا الآن، لكن السؤال: من قال إن مصر فى حالة سلام؟ ومن قال إن الأمن القومى وجميع أجهزة الدولة الحيوية ليست فى أعلى حالات الخطر، وإن الحدود والأرض والثورة ليست مهددة داخليا وخارجيا؟ والملايين التى تُدفع وتكشفها تحقيقات رسمية، وأسلحة الحرب التى تهرب عبر الحدود أدلة موثقة على أن مصر ليست فى سلم ولا سلام.. يزيد الطين بلة الصمت المريب والإشارات المتكررة فى الأحاديث أن ما نمر به من أزمات اقتصادية واجتماعية سببه الثورة، لا سوء وفشل وعجز الإدارة والإرادة الوطنية حتى عن مواجهة توحش الفوضى والجريمة، فيصبح بقاء الحكم العسكرى والطوارئ مطلبا جماهيريا..! ■ بدلا من الوضوح والزهو الوطنى الذى عشناه مع حرب وانتصار 73 يتخبط المصريون فى علامات استفهام بلا إجابات، واحد منها: لماذا انتظرنا 9 أشهر للتفكير فى إصدار قانون يحمى الثورة من أعدائها وممن أفسدوا الحياة السياسية لأكثر من ثلاثين عاما؟ وكان صدور هذا القانون يمثل بديهية لحماية الثورة وتطهير بؤر الفساد التى ملأت جسد الوطن. أيضا من أهم خطايا الإدارة السياسية عدم وقوف المجلس فى البدايات على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية، والوقوع فى متاهة الإعلانات الدستورية بدلا من المسارعة إلى تشكيل لجنة لوضع دستور يعبر عن مصر ما بعد الثورة، ويمثل مطالب وأحلام جميع أطياف وقوى الشعب، وفى المقدمة يؤسس لمشاركة القوى التى تشكل ملامح وإرادة مصر ما بعد ثورة 25 يناير. ■ ساعة من ساعات العمر وصناعة المصير تحسب بالأنفاس التى كانت تخرج من صدور المصريين، ما بين الساعة 1300 والساعة 1400، ما بين الواحدة والثانية من ظهر السادس من أكتوبر 1973، والقيادات ترقب انضباطا على وضع الاستعداد حتى وصل أمر قائد الجيش «كل شىء فى ميعاده»، الآن أكتوبر 2011 بعد تسعة أشهر من قيام الثورة يكاد يكون المبدأ «لا شىء فى ميعاده» وبما يجعل حاصل جمع المقابلة بين جيش 73 ومجلس 2011 أن السيادة والقوة والتصويب والنصر تتحقق عندما يكون الجيش فى ميادين سيادته القتالية ودفاعه عن الأمن القومى، هذه التجليات التى صنعت بين الشعب وجيشه الوطنى وشائج قربى وعروقا وحبا واحتراما، الخروج عليها خيانة للوطن بمثل تحميل الجيش مهمات غير مهماته المقدسة، تكليف يضع الأمن القومى داخل دوائر الخطر وتبديد وإهدار وتجريف لمدخر الطاقة الدفاعية والقتالية. ■ فى عيد الانتصار العظيم الذى تخلده ذكرى 6 أكتوبر 1973 يجب أن يسارع المجلس الأعلى إلى إجراءات نقل السلطة رسميا إلى مؤسسات ديمقراطية، ليعود إلى مواقعه السيادية وإلى ثكناته، كما قال المشير فى واحد من خطاباته السياسية، التى كان حريصا على أن يقصرها على لقاءاته العسكرية، إعلانا بالموقف والموقع الذى اختارته القوات المسلحة ولا فصال فيه ولا انحياز عنه، وأن يتمسك بجميع الترتيبات التى تنقل السلطة إلى القوى والأحزاب والتيارات السياسية والوطنية التى شاركت فى بذر البذور التى طرحت الثورة والقوى الشبابية والثورية التى تمثل ميلادا جديدا بحق لمصر. ■ فى 6 أكتوبر 2010 نشر آخر مقال كتبته فى صحيفة «الدستور» قبل إتمام النظام المنحل لصفقة بيعها فى إطار خطة لإغلاق آخر ما تبقى من منابر حرية التعبير، وكان المقال مع التحية للذكرى ولصناع النصر يستشرف عبورا وميلادا جديدا لمصر، وبعد ما لا يتجاوز أربعة أشهر قامت ثورة 25 يناير. ■ فريضة إيمانية ووطنية وأخلاقية على المجلس العسكرى أن يجدد النصر ويقود عبورا جديدا، يؤمّن ويحمى الثورة والحاضر والمستقبل ببناء ديمقراطى محرر من استنساخ الماضى ورموزه وفساده وإفساده، أو ممن يحتكرون العقيدة العظيمة التى هى جوهر أساسى فى بناء الشخصية المصرية بناء ديمقراطيا تترجمه مؤسسات مدنية ودستور يعبر عن جميع المصريين.. وليعد خير أجناد الأرض حراسا وأمناء على حماية أمن وسيادة مصر الديمقراطية. ■ لا أستطيع ختام هذه السطور إلا بتحية للجيش العظيم وتجليات بطولاته فى مواقع سيادته الحقيقية، وأنقل بعض أرقام وبيانات الحرب: التمهيد النيرانى للمدفعية المصرية كان من القوة بالدرجة التى شلت 90٪ من بطاريات مدفعية العدو فى اللحظات الأولى للقتال. كانت كثافة النيران 175 طلقة/ثانية.. عدد الطلقات التى ضربت فى التمهيد النيرانى كان 100000 طلقة، وكان وزن الدانات التى أطلقت فى التمهيد النيرانى 3 ملايين كجم، وعدد الطلقات التى أطلقت فى الدقيقة الأولى من المدفعية 10500 طلقة. كتب المحرر العسكرى ل«اليونايتد برس» (إن معارك الدبابات التى تدور الآن فى الشرق الأوسط فاقت معارك الحرب العالمية الثانية وزادت فى حجمها عن معركة «ستالينجراد»). إن خبراء الدفاع فى العالم فى حيرة أمام عنف وقوة هذا القتال الضارى الذى لم تعرفه الحرب العالمية الثانية فى أخطر مراحلها. ويا عزيزى المجلس العسكرى فليكن قتالك الآن لبناء وحماية مصر السلمية الديمقراطية المدنية الثائرة، وتتويجا لهذا المجد ولحلقات النصر ولتكذيب مخاوف وهواجس أن الجيش وفر غطاء التأمين للثورة بعد أن حققت له إسقاط التوريث لوريث غير عسكرى.