يخطئ من يتصور أنه من السهل الفصل بين السياسة والاقتصاد.. فالحقيقة أنهما وجهان لعملة واحدة.. والفصل بينهما يكاد يكون مستحيلا. وهكذا السياسة والسياحة باعتبار أن السياحة في النهاية هي اقتصاد قبل أن تكون ترفيها وتثقيفا وتواصلا إنسانيا.. فلا سياحة بدون سياسة.. بمعني أن السياسة تسبق السياحة أحيانا.. فلا يمكن أن تكون هناك سياحة بدون سلام واستقرار سياسي وأمني. فالسياحة لاتوجد ولاتنمو ولاتزدهر إلا مع وجود السلام والأمن.. فالسائح لايمكن أن يخرج من بيته ويذهب إلي دولة ما للسياحة قبل أن يضمن عودته سالما إلي بيته وفي الموعد الذي يحدده.. ففي النهاية هو يذهب للمتعة والترفيه ولايريد أن يعرض نفسه لأي أخطار أو مفاجآت. لماذا نقول هذا الكلام؟.. أو ماسبب هذه المقدمة؟ نسارع بالإجابة ونقول إن المناسبة أننا ذهبنا الأسبوع الماضي إلي العاصمة البريطانية لندن مع وفد مصر من رجال السياحة والفنادق لنشارك في أعمال بورصة لندن والمعروفة باسم سوق السفر العالمية والتي تعد ثاني أكبر سوق في العالم بعد بورصة برلين بألمانيا.. وكان الحوار الدائر بين كل العاملين في قطاع السياحة في مصر قبل بدء أعمال البورصة يحاول البحث والإجابة عن عدد من الاسئلة منها: هل نشهد تحسنا في حركة السياحة إلي مصر في الشهور المقبلة؟ وهل مازالت أحداث ماسبيرو تترك أثرا علي السياحة إلي مصر؟ وماهي الصورة بالضبط التي تنقلها الفضائيات وتؤثر علي أسواق السياحة في مصر بشكل عام؟ كانت الإجابة علي كل هذه الاسئلة واضحة جدا منذ اليوم الأول لبورصة لندن وتؤكد بقوة ما ذكرناه في السطور الأولي.. فالسياسة كانت لها الكلمة العليا في البورصة والكلام كله كان يؤكد أن ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها ثورة25 يناير المصرية قد ألقت بظلالها علي حركة السياحة العالمية إلي مصر وأن السياحة لن تعود إلي سابق عهدها قبل الثورة إلا بعد استقرار السياسة فهنا السياسة والاستقرار قبل السياحة والاقتصاد!! الأكثر من هذا أن كل شركات السياحة الأجنبية الكبري كانت ترفع شعار بعد الانتخابات نتفاهم في وجه أصحاب شركات السياحة والفنادق في مصر.. بمعني أن محاولات المصريين للتعاقد علي برامج أو حركة سياحية في الشهور المقبلة كانت تقابل بفتور شديد من الأجانب لأن ماتنقله الفضائيات ووسائل الاعلام عما هو متوقع أن يحدث في مصر خلال فترة الانتخابات لايطمئن السائح بل أكثر من ذلك أن اهتمام وسائل الاعلام بنشر مايمكن أن يقوم به التيار الإسلامي ضد السياحة حسب تصريحات البعض منهم إذا فاز في الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة أحدث نوعا من القلق أو الخوف وبالتالي فهم يريدون الانتظار إلي أن تتضح الصورة في مصر. المحزن أيضا في القضية أن أحداث ماسبيرو ألقت بظلال سيئة أو كئيبة علي حركة السياحة إلي مصر وناقشتها وسائل الاعلام الغربية بنوع من عدم الفهم بل تم تصويرها احيانا من قبل البعض بأن المسلمين ضد الأقباط في مصر وأنه من الأفضل عدم الذهاب إلي مصر.. وبالتالي يمكن القول إن أحداث ماسبيرو أضاعت كثيرا من الزخم الايجابي الذي أحدثته ثورة يناير لصالح السياحة. إلي هذه الدرجة كان تأثير أحداث ماسبيرو علي السياحة ولعل ماحدث في قمة وزراء السياحة في العالم والتي عقدتها منظمة السياحة العالمية بالتعاون مع بورصة لندن وحضرها86 وزيرا للسياحة في العالم وقادة السياحة والطيران في العالم وكان بينهم منير فخري عبد النور وزير السياحة في مصر, أكبر دليل علي مانقول فرغم أن القمة كان موضوعها السياحة في زمن عدم الاستقرار وكان الحديث فيها بين الوزراء عن التحديات التي تواجه السياحة العالمية إلا أن الوزراء فوجئوا بوزير الصناعة والسياحة في النرويج يتحدث عما يحدث في منطقة الربيع العربي وفي إشارة منه إلي مصر وأحداث ماسبيرو قال إن دول هذه المنطقة عليها أن تساعد نفسها إذا كانت تريد سياحة وذلك بأن تلتزم بالتسامح وعدم التعصب وأن تعرف شعوبها ذلك. كان هذا التعليق كافيا لأن يحدث توترا في الجلسة خاصة بعد أن تعاطف البعض معه.. فما كان من الوزير منير فخري عبد النور إلا أن طلب الكلمة والتعليق بقوة علي كلام الوزير النرويجي موجها الكلام له قائلا إن هذا عدم فهم لما يحدث في مصر والاعتماد علي ماتبثه بعض وسائل الاعلام بغرض الاثارة والمبالغة وأن ماحدث في مصر لايمكن ترجمته كما فهم الوزير النرويجي وأن مصر مليون كيلو متر مربع وليست ميدان التحرير فقط وأن مصر صاحبة حضارة أكثر من5 آلاف سنة وهي حضارة ذات جذور ضاربة في أعماق التاريخ وانصهرت فيها حضارات كثيرة وأن من أهم ماأفرزته أن الشعب المصري منفتح علي الثقافات ومتحضر وغير متعصب والدليل انه خلال ثورة25 يناير لم يصب سائح واحد بل رفع المتظاهرون في التحرير لافتات ترحب بالسائحين وتدعوهم إلي عدم مغادرة مصر وطالب عبد النور اصحاب هذا الرأي بقراءة التاريخ المصري الذي يدعو إلي القيم الرفيعة والديمقراطية وحقوق الانسان وهي القيم التي قامت من أجلها الثورة في مصر وبالتالي لايمكن أن يكون شعب مصر غير متسامح أو متعصب!! وقد لقيت كلمات وزير السياحة القوية استحسانا كبيرا من باقي وزراء السياحة في العالم الذين عبر عدد كبير منهم عقب الاجتماع عن رفضهم كلام الوزير النرويجي. لقد جاء هذا الحوار في قمة وزراء السياحة ليؤكد بقوة أن السياسة قبل السياحة أحيانا.. وأن مستقبل السياحة المصرية في الشهور القادمة سيتوقف علي حجوزات الدقيقة الاخيرة بعد نتيجة الانتخابات البرلمانية وأن شركات السياحة العالمية الكبري في انتظار ماسيحدث في مصر سياسيا وهو ماجعلها ترفع شعار بعد الانتخابات نتفاهم في وجه كل شركات السياحة والفنادق في مصر, أي أننا لسنا علي استعداد لأن نرسل سائحين إلي مصر إلا بعد الاستقرار السياسي الذي هو الطريق إلي الأمن وإلي النمو الاقتصادي وإلي ازدهار السياحة!! [email protected] المزيد من مقالات مصطفى النجار