رغم ان الخسائر المادية خلال ال 42 يوما الماضية قد طالت جميع انشطة الدولة المصرية العامة والخاصة.. إلا ان خسائر السياحة.. صناعة الامل كان لها النصيب الاكبر من هذه الكارثة الاقتصادية. ان تصاعد التداعيات والخسائر السياحية تأتي نتيجة الارتباط القوي بين هذه الصناعة وبين الامن والاستقرار وباعتبار ان السائح يذهب إلي اي مقصد سياحي للاستمتاع بالراحة والترويح الآمن سواء كان شاطئيا أو ثقافيا. انه ليس علي استعداد في هذه الحالة للمغامرة بحياته لتتحول اجازته إلي تضحية بحياته أو بالتعرض لاصابة ما. انه في هذه الحالة يكون قد تورط في احداث لا دور له فيها ولا ذنب. من هنا فإن الانحسار السريع وتوقف التدفق السياحي يكون اول الظواهر التي يمكن استشعارها عندما تندلع اي اضطرابات في اي دولة سياحية خاصة اذا اتسمت فعالياتها بتنامي الخطر علي حياة الانسان اي انسان. ولعل ما يحسب للاحداث التي شهدتها مصر وتطورت إلي ثورة تستهدف متغيرات سياسية محلية.. انه لم يتعرض فيها سائح واحد لاي اذي.. وان الغاليبة العظمي منهم قد عادت إلي أوطانهم في سلام بينما بقي القليل منهم والذي لا يتعدي المئات لاستكمال برنامج رحلاتهم دون ان يعكر صفوها اي شيء. هذه الصورة الايجابية تحسب لوعي المواطن المصري الذي اصبح يدرك بفطرته الحضارية اهمية السياحة للاقتصاد الوطني وبالتالي للارتفاع بمستوي معيشته. ان ما حدث يراه الخبراء واقعة ايجابية سوف تساهم في سرعة استعادة السياحة المصرية لانطلاقتها. من ناحية اخري فانه وفي اطار كون هذه الثورة التي قادها الشباب في مصر سلمية ذات اهداف نبيلة تدعو إلي الحرية والديمقراطية فانه يمكن البناء عليها للترويج الذاتي للسياحة من خلال ما تمثله من تحسين لصورة مصر بشكل عام. رغم عناصر الجذب التي توفرها احداث ثورة الشباب فليس جديدا القول بأنه ليس غريبا ان يأتي الانحسار السياحي بهذه السرعة الفائقة التي هبطت بالاشغال في كل الفنادق سواء في القاهرة أو في مناطق السياحة الشاطئية بالبحر الاحمر وسيناء إلي اقل من 5٪ و2٪. وبقدر هذه السرعة في الانحسار فلا جدال ان عودة مؤشر الحركة السياحية إلي الصعود سوف يكون صعبا ويحتاج لبعض الوقت الذي ارجو ألا يتجاوز شهورا قليلة باذن الله. ان الوقت الذي نحتاحه مرهون بسرعة عودة الاستقرار. وكما تعودنا في مثل هذه الازمات التي تتعرض لها صناعة السياحة المصرية فانه من الملاحظ ان السائح البريطاني هو الوحيد الذي لا يستجيب للتحذيرات التي تطالبه بعدم زيارة مصر تجسيدا لهذه الحقيقة فإن العديد من هؤلاء السياح أصروا علي قضاء أجازتهم في ربوع مصر. من ناحية اخري فانه من المتوقع ان تكون هناك انعكاسات سلبية مصاحبة للازمة السياحية الحالية تتمثل مظاهرها في الهرولة إلي تخفيض الاسعار للبرامج السياحية ولتكلفة الاقامة بالمنشآت الفندقية. الذين يقدمون علي هذه الخطوة سواء من اصحاب الشركات السياحية أو الفندقية معذورون لحرصهم علي توفير الحد الادني من الدخل لتشغيل منشآتهم والحفاظ علي ما يمكن من عمالة مدربة. ونظرا لثقل الاعباء والتداعيات جاء اعلان الدولة متمثلة في وزير المالية وكذلك وزارة القوي العاملة عن النية في تقديم الحوافز المادية والتسهيلات الضريبية للمساعدة في استمرار الانشطة السياحية وعدم الاقدام علي الاستغناء عن العمالة.. هذا التحرك من جانب الدولة والذي ارجو ان يكون سريعا وحقيقيا وفعالا يعود الي الحجم الكبير من العمالة التي يستوعبها هذا القطاع والذي يبلغ 5.2 مليون عامل يوفرون لقمة العيش الكريمة لما يقرب من ستة ملايين مواطن. كما لا يمكن في نفس الوقت التغافل عن حقيقة ان صناعة السياحة أصبحت ركيزة اساسية للاقتصاد القومي ومصدرا في غاية الاهمية للعملات الاجنبية التي نحتاجها لتمويل احتياجاتنا من الغذاء ومستلزمات الانتاج. انطلاقا من هذه المكانة التي اصبحت للسياحة فانني ارجو من وزارة المالية وصناديق الازمات التي تشرف عليها وزارتا السياحة والقوي العاملة بالاضافة إلي البنوك ان تتفاعل ايجابيا مع هذا الوضع بتقديم كل ما يمكن من دعم ومساعدة لعبور هذه المحنة الصعبة جدا التي تمر بها هذه الصناعة الواعدة حاضرا ومستقبلا. لا أخفي سرا اذا قلت ان عملية انقاذ صناعة السياحة كي تواصل دورها الاساسي في مساندة الاقتصاد القومي وحل مشاكل المجتمع المتمثلة بشكل اساسي في تفشي البطالة بين الشباب.. يتطلب تفعيل مبادرة الدولة بتقديم المساعدة بأسرع وقت ممكن. في نفس الوقت الذي اتطلع فيه إلي الدور الشعبي في تهيئة كل الظروف التي تساهم في أن يسود مناخ الامن والاستقرار الذي يعد الصديق الأوحد للسياحة.