يبدو أن حلقات المسلسل الاسرائيلي والأمريكي من ناحية و الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ناحية أخري مع الجانب الايراني لم تنته بعد, حيث لا يترك كلا الجانبين فرصة الا ويهدد الجانب الأخر. يأتي ذلك في اطار الاعتقاد الامريكي والاسرائيلي بأن البرنامج النووي الإيراني ستار يخفي وراءه سعي طهران لامتلاك السلاح النووي وذلك بعد التقرير الذي صدر عن الوكالة الدولية والذي يتهم ايران بالسعي لتطوير اسلحة نووية من خلال برنامجها النووي. ولعل أبرز ماجاء في تقرير المدير العام هو الجزء الذي يتحدث فيه عن الجوانب العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الايراني, حيث قال ان الوكالة تلقت معلومات من مصادر متنوعة من دول أعضاء بالوكالة وكذلك من خلال جهود الوكالة ومن ايران نفسها وان الوكالة قامت باجراء تحليل مفصل لهذه المعلومات التي تثير مخاوف من وجود جوانب عسكرية محتملة للبرنامج النووي الايراني. وتشير المعلومات الي ان ايران قامت بالآتي: جهود متعلقة بتطوير جهاز نووي تفجيري. ومن ضمن هذه الجهود معدات ذات استخدام مذدوج عن طريق مؤسسات عسكرية في ايران. جهود للحصول علي وثائق خاصة بانتاج وتطوير اسلحة نووية من شبكة اتجار غير مشروع للمواد النووية. جهود لتصميم سلاح نووي بما في ذلك اجراء تجارب علي بعض المكونات الخاصة بتطوير هذه اسلحة او اجزاء منها. حيث أن التقرير يخلص الي أن هذه المعلومات وهذه الجهود كانت تتم في اطار برنامج منظم حتي نهاية عام 2003 وان هناك بعض المؤشرات تشيرالي استمرار هذه الجهود بعد عام 2003 ومازال بعضها جاريا حتي الان. والتقرير مرفق به ملحق مكون من 15 صفحة يتضمن تحليل تفصيلي للمعلومات التي وردت بالتقرير حول الجوانب العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الايراني. ومخطئ من يعتقد أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بضرب المنشآت النووية الإيرانية ليست سوي جعجعة بلا معني بحسب تعبير بعض المراقبين. فعندما يطرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنانياهو القضية علي طاولة حكومته ويطلب منها المصادقة علي تفويضه بشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية, تتعدي القضية مجرد التهديد. فنتانياهو ليس سياسيا متعقلا يلتزم بمعادلات وحسابات سياسية محددة, وهو يقود حكومة لا تقل عنه تطرفا في أفضل الأحوال. حتي إيهود باراك, الذي يفترض أن يكون علي يسار الحكومة, لم يستبعد الحل العسكري في حال فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل يضمن عدم تحويل البرنامج النووي الإيراني إلي برنامج عسكري. لكن التهديدات هذه المرة تأتي في ظروف مختلفة فإسرائيل تسعي علي ما يبدو إلي الاستفادة من ربيع الثورات العربية واستغلال المشاعر المناوئة لإيران في بعض الدول بهدف شن هجوم لن يتم بلا شك دون التنسيق مع حليفتها واشنطن. لكن هناك انقساما بين السياسيين الإسرائيليين أنفسهم حول شن هجوم من هذا النوع أو الاكتفاء بالسياسة الأمريكية التي تفضل الاستمرار بفرض العقوبات الاقتصادية علي إيران. وهو ما عزز فكرة أن تكون هذه الزوبعة الإعلامية مجرد تصفية حسابات داخل الأروقة السياسية الإسرائيلية لا أكثر ولا أقل. ويحاول قادة كل من الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني الضغط علي ايران من أجل التخلي عن برنامجها النووي الذي تحاول به طهران ان تكون قوة اقليمية في المنطقة ولعل الاخبار المتناثرة بعد اتفاق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو ووزير دفاعه ايهود باراك علي مهاجمه المنشآت النووية الايرانية والذي تراجع بعدها ليعلن أن الحرب علي ايران ليست نزهة قد يزيد من الضغوط علي طهران وما يزيد الامر غموضا هو عدم تعليق الادارة الامريكية علي هذه الانباء وبجانب ممارسة الولاياتالمتحدة للضغط علي ايران تواصل استفزازاتها للادارة الايرانية حيث وصفت وشنطن طهران بأنها لا قيمة لها وهو الامر الذي قد ينذر بأزمة دبلوماسية علي مستوي كبير قد يزيد من توتر العلاقات المتوترة في الاصل وهو ما دفع ايران للرد علي وزيرة الخارجية الامريكية وذلك باتهام الادارة الامريكية بالتخبط العميق في العلاقات الدولية لاسيما مع دولة قوية ومستقلة مثل طهران ونصحتها بالتخلي عن اساليب القمع والاعمال الديكتاتورية داخل امريكا وان تتوقف عن سياسة التدخل والاحتلال في سائر الدول بدلا من توجيه الاتهامات للأخرين. وفي اطار ردود الفعال الدولية حول التهديد الاسرائيلي لايران انتقدت روسيا تهديدات إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران, محذرة من إمكانية أن تؤدي هذه التهديدات إلي صراع مسلح في الشرق الأوسط وأن إسرائيل تتبني حاليا سيناريو تهديديا, كما ان التهديد بضربة عسكرية من الممكن أن يؤدي إلي حرب كبيرة. وأعربت روسيا عن أملها في تهدئة الأوضاع وألتقاط الأنفاس وإجراء محادثات. وتقتضي الخطة الاسرائيلية بالقيام بهجوم معقد للغاية بواسطة الطيران الحربي. يستهدف كل المنشات النووية الايرانية في وقت واحد. غير أن اسرائيل لها قوة جوية محدودة, وليس في حوزتها حاملات طائرات, كما ان المسافة الفاصلة بين قواعد سلاح الجو والمنشآت النووية الايراني تقدر بحوالي 1.500 كيلو متر علي الاقل, ولهذا فهناك حاجة الي التزود بالوقود مرة واحدة في الطريق علي الاقل وهو الأمر الذي يصعب علي الاسرائيليين تنفيذه. أما علي الجانب الايراني فقد اعلنت ايران بأن قواتها علي اهبة الاستعداد وبكامل الجاهزية للرد علي اي عدوان يستهدف ايران, كما حذرت الغرب من مغبة تنفيذ اي مشروع عسكري ضد ايران. ويبدوا أن ايران قد تعلمت الدرس من القصف الاسرائيلي علي المفاعل في العراق في 1981 ونثرت منشآتها النووية في أرجاء الدولة. اضافة الي ذلك فهناك العديد من المنشآت التي ربما تكون ايران قد نجحت في اخفائها. وتحمي المنشآت بطاريات مضادة للطائرات تحرص طهران علي تحسينها من يوم الي يوم, وبعضها مبنية تحت الارض. وحتي في المنشآت المعروفة ليس واضحا جزء من مبني الانفاق, بحيث أنه في حالة استخدام القنابل العميقة لا يمكن ضمان تدمير كامل لهذه المنشآت. كما انني اعتقد بأن الهجوم علي المنشآت النووية سيرص الصفوف خلف قيادة الدولة ويعززها بعد الضربة التي تلقتها في الاضطرابات في السنتين الاخيرتين. اضافة الي ذلك فان اي هجوم اسرائيلي كفيل بان يوفر لقادة الحكم في طهران الذريعة لطرد مراقبي الوكالة الدولية بالرغم من موافقة ايران علي التوقيع علي ميثاق منع انتشار السلاح النووي (NPT) واخضاع منشآتها العلنية تحت رقابة الاممالمتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن الصعب الافتراض بان الهجوم سينتهي بدون خسائر اسرائيلية. صحيح ان منظومة الدفاع الجوية الايرانية ليست جيدة مثل نظيرتها السورية, وليس لديها صواريخ من نوع SS22 تشكل تحديا جديا لسلاح الجو الاسرائيلي الا أن مواقع المنشآت النووية في ايران هي من المواقع الأكثر تحصينا في العالم, وكميات هائلة من الصواريخ تحمي كل واحدة منها. وتبقي ايران دائما في بؤرة الاهتمام سواء بتحديها للادارة الامريكية و اسرائيل او خلافاتها مع الدول العربية الخليجية او تقاربها مع تركيا أوتأييدها لسوريا.