في عام1991 عندما هرب الرئيس الصومالي سياد بري من بلاده تاركا شعبه بلا حكومة او مأوي او اي سلطة تدير شئون البلاد, ربما كان يدري وقتها أن الصومال لن تقوم له قائمة فيما بعد مهما حاول شعبه وسياسيوه. فالطاغية الصومالي الذي حاول التشبه بكمال الدين أتاتورك علي الاقل عندما فرض كتابة اللغة الصومالية بحروف لاتينية, خرب البلاد وأغرقها في وحل الديون والحروب الأهلية. ولم يعن حتي بان يسلمها أرضا سليمة, وإنما كان همه الأول والأخير هو أن يفلت بنفسه ليهرب ويلجأ إلي نيجيريا ليموت فيها. معمر القذافي الذي كان ملك ملوك افريقيا لم يكن بغريب عن سياد بري, فهو مات مقتولا مدحورا ومر في آخر لحظات حياته في ماسورة صرف صحي, في حين أن شعبه عاش النصر والانتصار والبهجة بينما الملك كان محل فرجة الجميع, ولم يستره الله في آخرته ولم يرحمه لأنه لم يرحم شعبه. واذا كانت الصومال تعيش حالة من التشتت والضياع في ظل غياب الدولة بسبب عدم وطنية سياد بري وأنانيته المفرطة, فان الملامح الاولية ربما تشير الي ان ليبيا ستعيش نفس الحالة, لان المعطيات تتقارب مع ما مر به الصومال. فالصراع سيشتعل علي السلطة بين صفوف القيادة الليبية الجديدة المتشرذمة والمسلحة تسليحا جيدا, والاسلحة تنتشر في ايدي المواطنين وكأنها قطع حلوي, والسطوة القبلية تهيمن علي الحياة السياسية مما يزعزع الاستقرار في ليبيا التي يبدو أنها لن تلتئم قريبا بسبب النزاعات القبلية والمناطقية والسياسية, ثم الاهم تهافت القوي الاقليمية علي اقتسام الكعكة البترولية الضخمة. وثمة تحد مهم يتمثل في كيفية تلبية المجلس الوطني الانتقالي للطموحات الهائلة للشعب الليبي, وهي مهمة شاقة, لان المجلس سيفشل في اخضاع الميليشيات المسلحة لسيطرته, لانها ستتنافس فيما بينها من أجل الحصول علي نصيب وافر من الأموال والتمثيل السياسي في ليبيا ما بعد القذافي. وحتي لا تكون النظرة كلها تشاؤمية, فان أهم ما جاء في كلمة مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي احتفالا بالنصر, هو دعوته الجميع الي الاحتكام للقانون والتحلي بالصدق والصبر والتسامح والعفو والصلح, ونزع الحقد والبغضاء والكراهية من النفوس, لان هذا أمر ضروري لنجاح الثورة ولنجاح ليبيا. ولعل عبد الجليل ينجح في تنفيذ ما تعهد به. المزيد من أعمدة محمد أمين المصري