علي المشاع..( ماشي) منذ عامين تقريبا أو يزيد قليلا تلقيت اتصالا هاتفيا ملحا من المنزل أفاد بتعرض ابن أخي رحمة الله علي أخي لاعتداء بالضرب المبرح علي يد ثلة من( بلطجية) وهو العائد بأتوبيس المدرسة إلي منزله, وكان أول ما تساءلت عنه هو ما إذا كان يمكنه التعرف عليهم من عدمه? فقالوا بإنه يعرف أسماءهم وأماكن سكنهم, فطلبت منه أن يتوجه ببلاغ فوري إلي( قسم الشرطة).. وقد كان!! وعندما عدت في المساء, تلقيت إخطارا من قسم الشرطة أفاد بأنه قد تم القبض علي الجناة, وأنني مطلوب للحضور لاستكمال إجراءات المحضر المحرر بهذه الواقعة!! تمالكت غضبي وكظمت غيظي في طريقي إلي هؤلاء, يوسوس لي الشيطان بأن أستهل استقبالهم لي بتنويعات من اللكمات والصفعات, ويناديني صوت العقل بأن أدع القانون يأخذ مجراه!! وصلت مبني القسم, ودلني أحد المجندين علي مكان الحجز الاحتياطي, فدلفت إلي قاعة كتلك التي نراها دائما بالأفلام السينمائية, حيث السادة الضباط جلوس خلف كاونتر, بينما السادة المجرمين وقوف وراء قضبان قفص كئيب!! تفحصت الوجوه خلف القضبان جيدا, فرأيت أشكالا مفعمة بالإجرام, وجوه عليها غبرة, ترهقها قترة.. و( أولئك هم الكفرة الفجرة) بحق, وجوه ربما صادفك الحظ في مشاهدة واحد أو اثنين منهم في حياتك, ولكن صدقني أن تراهم مجتمعين في مكان واحد فإن الأمر يختلف كثيرا, ما بين لص وقاتل ونصاب... وش إجرام فعلا!! ولكن ما لفت نظري خلال هذه المعاينة السريعة السابقة علي بداية حديثي مع الضابط المختص, كان وجهان لشابين لا يتجاوزا السادسة عشرة من عمرهما في عمر ابن أخي وقتذاك تبدو عليهما علامات ذعر شديد وارتباك بالغ, ينم مظهرهما عن مستوي اجتماعي رفيع, ما رسم في عيناي العشرات من علامات الاستفهام!! سألت الضابط النوبتجي منفعلا: أين هؤلاء السفلة ؟ فكانت صدمتي حين أشار إلي الشابين المحترمين!! فالتفت إلي ابن أخي: أهذان هما البلطجيان اللذان حكيتنا عنهما؟ فأومأ بنعم!! لم أتمالك نفسي وأنا أتوسل إلي الضابط أن يخرج هذين البائسين فورا من ذاك القفص, فالأمر لا يتعدي خناقة طلاب داخل أتوبيس مدرسة وليس معركة مع بلطجية كما أفهموني في المكالمة التليفونية, فابتسم موضحا أن هذا ليس من سلطاته;ذلك لأنه يتحتم عليه خلال دقائق تفريغ هذا القفص لاستقبال آخرين تمهيدا لعرضهم جميعا علي النيابة صباحا!! فسألت: وأين سيذهبان ؟ قال: إلي غرفة الحجز( التخشيبة يعني)!! صرخت في الضابط متوسلا أن يخرجهما فورا;فإذا كانت نوعية البشر علي هذا النحو السيئ داخل القفص المؤقت, فما بالنا بنوعيتهم داخل غرفة مغلقة ؟وماذا عسي هؤلاء المجرمين فاعلين بهذين الشابين حتي الصباح ؟ ولقد أوضحت له حينئذ أنني متنازل عن المحضر إلي غير رجعة, مبديا شديد اعتذاري عن خطأ ابن أخي في تصنيفهما;.. ففتح الرجل القفص وأخرجهما, فارتاح ضميري!! انتهت القصة في حينها,ولكنني تذكرتها اليوم بقوة ليس بسبب انتشار وهيمنة البلطجية علي الشارع المصري في هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها, وإنما لسبب قد تستغربه كثيرا حينما أنبهك إليه: فكما علمنا أستاذ الصحافة مصطفي أمين أن الخبر الصحفي ليس حين يعض الكلب إنسانا, وإنما حين يعض الإنسان كلبا وأنا لا أقصد هنا أي إساءة لأحد أو أي نعت مشين, وإنما أنا أستشهد بالمثال الذي أوجز به الرجل معني الخبر; إذ يبدو أن الآية قد انعكست مجتمعيا, فالناس أصبحت هي التي تفتك بالبلطجية حاليا وليس العكس!! أما المتغير الذي قد تستغربه معي فهو أن الناس أصبحت تتقبل( جدا) فكرة التنكيل بالبلطجية والتمثيل بجثثهم, في الوقت الذي لا تقبل فيه الناس بأي حال من الأحوال أن يمس ضابط واحد كرامة بلطجي( فيكي يا مصر) أو يوجه له أي إهانة!! يتجمع الناس مثلا في أغسطس الماضي بمدينة دسوق- كفر الشيخ فيقتلون أحد البلطجية هناك عقب انطلاق( مدفع الإفطار) بدقائق, مستخدمين آلات حادة وسكاكين, فيقطعوا يديه ورجليه ورأسه!! ولم يكتفوا بذلك بل يطوفوا بهذه الأجزاء أنحاء المدينة كلها فرحة وابتهاجا!! وعلي جانب آخر, ينقض أهالي بولاق الدكرور في نفس الشهر الكريم علي مجموعة من بلطجية تخصصوا في سرقة التوك توك, فيقتلون واحدا, ويقطعون أجزاء من أجساد أربعة آخرين جهارا نهارا وسط فرحة أهالي الحي!! .. كل ذلك يحدث وغيره كثير ويتقبله الناس عادي جدا, بل ويرون فيه قمة الأعمال البطولية من خلال جريمة علي المشاع يستحيل تحديد الجاني فيها أبدا,ولكن أن يمسك مجموعة من ضباط الشرطة والجيش بلطجيين في الدقهلية فيضربونهما علي القفا, فهذه جريمة لا تغتفر وسبة في جبين الثورة المباركة وتحد لإرادة الشعب, وإلا فأين حقوق الإنسان؟ ثم أين حقوق البلطجية علينا, أوليس للبلطجية حق علينا يا ناس ؟ أوليس البلطجية تربوا فينا, لهم ما لنا وعليهم ما علينا ؟! فنعم المنطق ونعم التفكير!! ضرب علي القفا( لا).. قتل علي المشاع( ماشي)!! أي كلام!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم