انتظر أحمد كثيرا حتي يعود والده إلي المنزل. وينفذ الوعد بشراء ملابس العام الدراسي الجديد, فلم يتبق من الوقت سوي أيام ويعود الصغير لرؤية أقرانه في المدرسة.. لم يدخر الأب جهدا ولا مالا في سبيل أن يري الفرحة في عين طفله.. مر الوقت سريعا وقد أعلن عن بداية عام دراسي جديد. اصطحب الأب أبنه في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأول ليلحق تحية العلم في طابور الصباح, لكن للأسف لم يكن هناك طابور أو تحية بل كانت هناك احتجاجات ومظاهرات واعتصامات تطورت إلي أحداث عنف وشغب ومشاجرات بالأسلحة البيضاء داخل مدرسة أحمد والمدرسة المجاورة لها وغيرها من مدارس الجمهورية.. تبدلت الفرحة في عين أحمد بمشاعر الخوف والأسي وعاد الصغير مرتجفا.. لم تفارق يداه حقيبته الجديدة أملا في انتهاء الأزمة. حكاية أحمد ربما تكون من وحي الخيال لكنها أشبه بحكايات مرعبة عاشها معظم تلاميذ مدارس مصر وبدأت تفاصيلها مع أول ساعات العام الدراسي الجديد, فقد شهدت العديد من المدارس بالقاهرة والمحافظات المختلفة موجة من احتجاجات وإضرابات المدرسين عن العمل احتجاجا علي عدم الاستجابة إلي مطالبهم وأوضاعهم المالية والمهنية, ومع مرور الوقت وسط حالة الصمت من المسئولين تفاقمت الأزمة وتحولت الاحتجاجات والاعتصامات إلي أعمال لا تمت للعملية التعليمية بصلة. ففي بني سويف أشعل أولياء أمور غاضبون النار في مبني إدارة إهناسيا التعليمية احتجاجا علي إضراب المعلمين في57 مدرسة من إجمالي113مدرسة بالإدارة التعليمية, وانتقلت قوات الحماية المدنية إلي مقر الإدارة للسيطرة علي الحريق وإطفاء النيران التي التهمت أوراق ومستندات شئون العاملين في الطابق الأول من المبني, وتبين من تحريات الشرطة قيام أولياء أمور الطلاب الغاضبين برشق العاملين بالحجارة بسبب قيام المعلمين بالإضراب عن العمل, وأضرموا النيران في الطابق الأول من مبني الإدارة وأحرقوا مستندات شئون العاملين, فيما شهدت محافظة البحيرة أحداثا مؤسفة بسبب الإضراب, حيث تبادل أولياء الأمور ومعلمو مدرسة الخزان الابتدائية بقرية فيشا التابعة لمركز المحمودية الضرب والسباب بسبب إعلان المعلمين الإضراب. اشتباكات متبادلة وبدأت الواقعة منذ طابور الصباح عندما رفض المدرسون دخول الفصول, وقاموا بطرد التلاميذ من المدرسة وإعلان الإضراب, وعندما عاد التلاميذ إلي منازلهم استشاط أولياء الأمور غضبا وتوجهوا إلي المدرسة وحدث بينهم وبين المدرسين مشادات تحولت إلي معركة داخل المدرسة, وتبادل الطرفان الضرب ومنح الأهالي فرصة إلي المعلمين إما العمل بانتظام أو الطرد من المدرسة, واستمرارا لتصاعد الأزمة قالت نقابة المعلمين المستقلة إن جميع المحافظات شاركت في الإضراب بلا استثناء, وقالت النقابة علي صفحتها الرسمية علي الموقع الاجتماعي فيس بوك إن محافظات السويس والشرقية والقليوبية والمنوفية ومرسي مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر, والتي لم تشارك في البداية لعدم بدء الدراسة فيها شاركت بقوة في الإضراب وفي اليوم الثاني لإضراب المعلمين, سادت حالة من الفوضي في جميع مدارس الإسماعيلية, حيث وقعت العديد من الاشتباكات بين أولياء الأمور والمعلمين المضربين, وخرج مئات الطلاب بمدرسة الشيخ زايد الإعدادية بوسط مدينة الإسماعيلية إلي الشارع وأعاقوا حركة المرور بعد أن علموا بإضراب المعلمين وخرجوا من المدرسة إلي منازلهم, وفي مناطق التل الكبير وأبو صوير القصاصين وفايد ونفيشة وأبو عطوة, وصلت نسبة المشاركة بالإضراب حوالي55% من المعلمين بالمحافظة, كما وقعت مشاجرات عنيفة بين أولياء أمور التلاميذ بالمدراس والمعلمين المضربين بسبب تعطيل الدراسة وشهدت مدرسة سنوفر الإعدادية قيام بعض أولياء الأمور والطلاب بالمدارس بمحاولة الاعتداء علي المدرسين المضربين عن العمل, وقاموا بقذفهم بالطوب والحجارة وقد توعد أولياء الأمور المدرسين في حالة الاستمرار في الإضراب وذلك حرصا علي مصلحة أبنائهم ودخل إضراب المعلمين عن الدراسة بالمدارس يومه الثالث والرابع بل والخامس علي التوالي لعدم قدرة الدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم التوصل إلي حلول للأزمة مع وزارة المالية من خلال موافقة مبدئية علي طلب الوزير باعتماد500مليون جنيه لحل مشكلات المدرسين وإنهاء الإضراب, لكن جاء الحل متأخرا بعد أن حلت الفوضي بالمدراس, وجلس التلاميذ في الفصول بدون معلمين في عدد كبير من المدارس حتي أصيبت العملية التعليمية بالشلل. تحذير لأولياء الأمور هكذا بدأت الأزمة وتصاعدت تباعا واهتمت بها كل وسائل الإعلام من خلال رصد يومي للأحداث المتوالية دون الالتفات إلي الأسباب الحقيقية لإضراب المدرسين, وإن كان المعلن منها هو عدم تحقيق مطالبهم في زيادة الحوافز والكادر المالي, وبما أن عالم الفيس بوك أصبح لغة العصر السائدة فكانت هناك وجهة نظر ومطالب أخري مشروعة للمدرسين, فلم تكن الأسباب المادية فقط هي سبب انفجار الأزمة, بل كانت هناك أسباب أخري تم طرحها من خلال جروب خاص بالمعلمين. وقد حذر الجروب أولياء الامور من ارسال أولادهم للمدرسة خشية عليهم من وقوع أي مكروه لهم نتيجة أحداث الإضرابات, وجاء التحذير كما يلي: نداء إلي كل الشرفاء من المعلمين يجب تكثيف الجهود غدا في اقناع اولياء الامور بعدم إرسال ابنائهم إلي المدارس وتوعيتهم ان هذا الاضراب لإصلاح منظومة التعليم وتطهير الوزارة والمديريات والادارات من الفساد وتطوير المناهج وليس فقط مطالب مادية كما اختزلها الإعلام والوزير عرفوهم اننا غير مسئولين عن أي طالب سيتواجد بالمدرسة. هذه كانت مطالب الطرف الأول الذي يمثله المعلمون لكن.. ماذا عن الطرف الثاني في المشكلة وهم أولياء أمور التلاميذ والطلاب الذين واجهوا عاصفة إضراب المعلمين ودفعوا وأبناؤهم ثمنها غاليا, فالعديد من أولياء الامور امتنعوا عن إرسال أولادهم للمدرسة خشية عليهم من أعمال العنف والاشتباكات التي وقعت خلال أيام الإضراب والتي تطورت في بعض المحافظات إلي أعمال حرق وإتلاف للإدارات التعليمية.. والسؤال.. كيف تعاملت أجهزة الأمن مع الأزمة, ما دورها في حماية التلاميذ من أعمال العنف في المدارس؟, مصدر أمني يقول: قبل بدء العام الدراسي الجديد وضعت وزارة الداخلية خطة أمنية كعادتها كل عام لتأمين المدارس والتلاميذ خاصة مع وجود دعوة لإضراب المدرسين عن العمل مع اليوم الأول للدراسة, وبالفعل حرصت أجهزة الأمن علي الدفع بدوريات أمنية تطوف المدارس علي مستوي الجمهورية بهدف التأمين, لكن مع تصاعد الأزمة ووقوع اشتباكات بين أولياء الأمور وبعض المدرسين المضربين عن العمل في بعض المدارس حاولت الشرطة السيطرة علي الموقف والقبض علي مثيري الشغب ممن قاموا بأعمال عنف وإتلاف وإحراق لبعض المنشآت التعليمية والمتهمين بحيازة أسلحة نارية وبيضاء بهدف استخدامها خلال الاشتباكات أمام المدارس, مع مراعاة ان حق التظاهر السلمي مكفول للجميع بعيدا عن أعمال الشغب والبلطجة, وعملت أجهزة الأمن خلال هذه الفترة علي الوجود بشكل مكثف أمام المدارس في جولات ميدانية يشارك فيها قيادات مديريات الأمن علي مستوي الجمهورية بهدف تأمين حياة التلاميذ الصغار, وتحسبا لوقوع أي أعمال شغب أخري, ويطمئن المصدر الأمني أولياء الأمور بعدم الخوف علي أبنائهم من إرسالهم إلي المدارس خاصة, مع عودة الهدوء النسبي بعد اتخاذ قرارات من شأنها حل مشكلة المعلمين.