في بداية القرن العشرين، سجلت لجنة الآثار العربية أكثر من 35 منزلاً أثريا بمدينة رشيد، إلا أنه لم يتبق منها سوي 22 فقط، يعود تاريخ تأسيسها للقرن ال12 الهجري/ال18 الميلادي. ويبدو أننا سنفقد المزيد من هذا التراث العظيم، فحال الآثار بالمدينة يرثي له، وأكبر دليل علي ذلك حال "منزل المناديلي" الأثر رقم 35- الذي وصل لحالة من التردي تعكس كل إهمال رشيد ولامبالاة المسئولين بها. يقع منزل المناديلي في شارع الشيخ يوسف، ويعود هذا البيت الأثري للعصر العثماني، يتكون من ثلاثة طوابق بخلاف الطابق الأرضي، بواجهتين شمالية وغربية أهم ما يميزها بروز الطوابق العليا الذي يعتمد علي أعمدة جرانيتية، وكان يحتوي علي سبيل في ركنه الشمالي الغربي. أما نظام المنزل فعلي نفس تخطيط بيوت رشيد، فله بابان يؤدي الأول إلي الوكالة أو ما يطلق عليه الشادر، وأسقفه عبارة عن أقبية متقاطعة، والثاني كان يؤدي إلي الطوابق السكنية العليا. ويتميز صحن هذا المنزل بأنه مغطي بأقبية مروحية في حين في بيوت رشيد الأخري عادة ما يكون صحن المنزل مكشوفاً أو ذو سقف خشبي، واسفل هذا الصحن ثمة صهريج للمياه. أما الطابق الأول العلوي فكان يمتاز بمميزات لا تتوافر في غيره من المنازل برشيد، حيث كان يحتوي علي حجرة كبيرة يزين سقفها زخارف الأرابيسك الرائعة، إلا أن أهم ما كان يميزه بهذا الدور الحجرة الخلفية التي رسم علي سقفها مناظر لمراكب ومساجد غلب عليها اللون الأحمر، وكان بجدرانه صفان من الشبابيك لعلو سقفه، وكانت الشبابيك السفلي أكبر من العليا، وفي الدور الثاني كان ثمة صحن مكشوف به إيوان عبارة عن مقعد ذي مصطبة من الخشب، كما كان بهذا الطابق ايضا قاعتان الكبري منهما بها خزانة نومية عبارة عن حجرة مستطيلة لها شباك واحد، أما الطابق الثالث كان يتميز بوجود حمام علي الطراز التركي مكون من جزءين، القاعة الدافئة وبها دكة خشبية للاستراحة، والقاعة الساخنة او بيت الحرارة التي تغطيها قبة مفرغة بزخارف هندسية مغطاة بشرائح الزجاج الملون. هكذا كان المنزل سابقًا، لكن بسبب الإهمال الشديد لرشيد وآثارها انهارت أدواره الواحد تلو الآخر، ولم ينتبه إليه أحد إلا عام 2010 بعد أن كاد ينتهي تقريبا! الآن يعاد إنشاء المكان او ما يطلقون عليه استكمال، أي استكمال في بيت ضاع منه ثلاثة ادوار كاملة ولم يتبق سوي طابقه الأرضي؟ وبالرغم من ذلك توقفت أعمال الترميم برشيد مثلما توقف في أنحاء الجمهورية عقب ثورة يناير، فتوقف مشروع منزل المناديلي وطالت يد الإهمال المكان. وبالرغم من الزيارات الرسمية من وزير الاثار السابق والحالي لرشيد، وزيارة محافظ البحيرة للمدينة وتوجيهات الجميع الرنانة بضرورة العمل في المواقع المتوقفة وتحسين الاحوال حول المناطق الاثرية مثل رصف الطرق، إلا أننا اليوم لا نجد أنفسنا أمام بيت أثري مسجل لدي وزارة الآثار؛ إنما أمام بقايا مبني في حالة شديدة السوء يمثل خطراً علي المارة، حيث يمكن أن تسقط الأعمدة الجرانيتية في الواجهة في أي وقت محدثة كارثة. أزمة ضياع الأثر بسبب الإهمال وتحويله إلي مقلب قمامة خطيئة يشترك فيها المحافظة من جهة ووزارة الآثار من جهة أخري، إذ لم يكتفوا بتدمير الأثر، بل حتي تكاسلوا عن إرسال عمال النظافة لتنظيفه والبقاء عليه كبيت مهجور. ما الذي يمنع مفتش الآثار من المرور يومياً للوقوف علي حال المكان؟ هل رفع الآثريون تقارير إلي وزيرهم مخطرين بالحال المزري للمكان؟ وفي الوقت الذي يعلن لنا فيه وزير الآثار وسيادة محافظ البحيرة عن اقتراب إدراج المدينة علي قائمة مدن التراث الإسلامي العالمي، هل يستطيعان إقناع لجنة التراث في العالم الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو) بأن رشيد المهملة هي ثاني أكبر مدينة إسلامية في مصر بعد القاهرة من حيث عدد ما تحتويه من المنشآت الآثرية والمباني ذات التراث المعماري المتميز؟ هل ينتظر المسئولون، كما يشاع، التمويل لإتمام إعادة إنشائه؟ ربما يفكر الاثريون بهذه الطريقة في رشيد، ولكن هل هذا يتسق وإرادة وزير الآثار ومحافظ البحيرة وطموحهم لهذه المدينة؟ هل هذه هي المدينة التي كنا نعدها لتكون متحفاً إسلامياً مفتوحاً تجذب إليها السائحين؟ إذا لم يكن الوزير يهتم بالآثار لقيمتها كإرث للإنسانية، فعليه أن يفكر علي الأقل بشكل براجماتي في أنها تدر دخلًا قوميًا ربما يكون قادرًا عل إنعاش الاقتصاد المتردي.