يبدو أن شهر ديسمبر قرر أن يختتم عام 2013 بحالة من التوهج علي الساحة التشكيلية، في موقف مغاير تماما لما شهده النصف الأول من العام ذاته، الذي اتسم بحالة خمول عام فيما يتعلق بالمعارض الفنية. فخلال الأشهر الماضية، تنوعت المعارض الفنية الفردية والجماعية المتميزة لدرجة كان من الصعب معها علي محبي الفن التشكيلي متابعتها كافة . ويبدو أن تلك الحالة من التوهج والانطلاق قد انعكست أيضا في العناوين التي قدمت لتلك المعارض، فقد خرج صالون الشاب في دورته الرابعة والعشرين تحت عنوان "العبور إلي المستقبل" بمشاركة أكثر من 150 فنانا دون الخامسة والثلاثين بأكثر من 170 عملا في جميع مجالات الفنون التشكيلية، وهو ما علق عليه د. صلاح المليجي قائلا: جاء هذا الشعار مُعبراً عن ضمير المجتمع الذي يمر بمرحلة دقيقة تموج بالمستجدات والتغيرات التاريخية، كونه الحدث المعني بالأساس بالشباب حملة لواء التغيير علي كافة المسارات .. مُحفزاً لشباب الفنانين علي خوض تجارب أكثر جرأة والبحث عن مُنتج فني خارج إطار المألوف والمُعتاد. وتحت عنوان "حرية" قدم فنان التصوير الفوتوغرافي بسام الزغبي معرضا فنيا بديعا بمركز الجزيرة للفنون، ولكن تلك الحرية التي تناولها الفنان بسام ابتعدت عن مناوشات السياسة وميدان الثورة، حيث تناول "الحرية" من منظور آخر يتمثل في تمرد الجسد علي قيود المكان بفعل الحركات المتناغمة، وقد مزج الفنان من خلال اللوحات التي قدمها الحركة بالألوان من خلال فن التصوير الفوتوغرافي، فخرجت أعماله أقرب إلي الرسم، وقد تجردت عناصر صوره فتحولت الأجساد إلي طاقات نورانية ومساحات لونية متداخلة تحاول بلهفة أن تنطلق خارج حدود الصورة. في نفس التوقيت استضاف مركز الجزيرة ثلاثة معارض أخري وهي معرض "انطلاقة" للفنانة إيمان حكيم، ومعرض الخزف "ولا حاجة" للفنانة أماني فوزي، ومعرض نحت للفنان اسحق دانيال، وهو ما علقت عليه د. إيناس حسني مديرة المركز قائلة: نحن نحرص علي تباين الأجيال والمدارس الفنية التي ينتمي إليها الفنانون لتوفير أكبر قدر ممكن من الثراء الفكري والبصري لدي المُتلقي وزيادة وعيه الفني وإشباع ذائقته الفنية. ولعل واحدا من أهم المعارض التي شهدها شهر ديسمبر معرض "طرح بحر" للفنان الكبير جميل شفيق، الذي خرج من خلاله الفنان المبدع عن مألوفه ليطل علي جمهوره لأول مرة بوصفه نحاتا، وفي كلمته عن المعرض قال الناقد الفني د. ياسر منجي: "ظل شفيق مخلصا لخامته الأثيرة، الحبر الصيني، ومفتوناً بأداته الأرشق، سن الريشة المعدنية، مسجلا بهما علي الورق فرائد رؤاه، وحصائد حرثه لأعماق الماء الخالد المرة تلو المرة.. غير أنه يطل علينا هذه المرة بوصفه نحاتا، مزيحا عن أنامله رهافة الريشة المُخربِشة علي استحياء، مُستَبدِلاً إياها بالأزاميل والمطارق، ليباغتنا بلُقيةٍ جديدة من لُقياته المائية، لا تتوقف فقط عند حدود استلهام عوالم هذا الرحم البدئي الهائل، بل تتحقق فيها ذ (مادةً) وموضوعاً ذ شروط اللُقية البحرية و(الطَرْحة) النهرية". كذلك عادت إلينا أعمال الفنانة الراحلة عفت ناجي من خلال حوار فني متميز مع المبدع عصمت داوستاشي في معرض "الفنان وأستاذه .. حوار أجيال" بقاعة أبعاد بمتحف الفن المصري الحديث، وعن تلك التجربة قال الفنان عصمت داوستاشي: قدمت من خلال هذا المعرض مجموعة السهم الجديدة (عشر لوحات) رسمتها بعد ثورة 30 يونيو مع هذه اللوحات الأربع التي رسمتها قبل الثورة عن الفتاة والشيخ (مصر والذين كانوا يرغبون ومازالوا أن يلتهموها) وقد تضمن معرضي لوحات أستاذتي الفنانة الرائدة عفت ناجي (1905- 1994) في معرض فريد من نوعه للتلميذ والأستاذة. ولعل اثنين من أهم المعارض التي لا يمكن إغفالها لاثنين من عمالقة الفن التشكيلي، والتي تميزت بتوظيف رموز التراث المصري الثرية داخل اللوحات ببراعة منقطعة النظير هما معرض الفنان عادل ثابت "أم كلثوم وأهل المغني" الذي أقيم بجاليري أرت كورنر بالزمالك، وكذلك معرض الفنان عمر النجدي "المهرج الضاحك الباكي" بقاعة بيكاسو والذي قدم له الفنان قائلا: " هل استطيع رسم وجهك.. نعم يمكنك ذلك.. لكن لا تستطيع رسم أعماقي كالبحر في ذاتي .. " وربما كان الكاريكاتير هو أحد المجالات الفنية التي بدأت تخرج إلي ساحات المعارض الفنية بقوة، حيث قام فنانو الجمعية المصرية للكاريكاتير التي يرأسها الفنان طوغان بنشاط مكثف في الآونة الأخيرة، وقد نظموا معرضا متميزا تحت عنوان "شخصيات وملامح" بالمركز الثقافي الهندي عن شخصيات بارزة من الهند ومصر، تلاها معرض" دعوة للتسامح" استضافه التحرير لاونج بمناسبة يوم التسامح العالمي ، وكان آخر المعارض التي شاهدتها معرض "بورتريه كاريكاتير" الذي استضافته ساقية الصاوي بالزمالك لأربعة فنانين هم أدهم لطفي، وخضر حسن، وعبد الرحمن بكر، وعماد عبد المقصود. ولعل الكاريكاتير كان هو مدخل إبراهيم البريدي إلي الفن، قبل أن يتفرد بأسلوبه المعروف باسم "مرج خيط" وهو الرسم بقصاقيص القماش، والذي قدم من خلاله مجموعة من اللوحات المتميزة كان آخرها مجموعته في معرض "البريدي ينونو" الذي استطاع أن يقدم من خلاله تنوعيات شديدة الثراء علي مفردة واحدة " القطة"، فعرض ما يقرب من 150 عملا عن القطط دون أن يكرر نفسه بل خرج كل عمل شديد الخصوصية والأهم أنه كان ولا يزال منذ أن تعرفت عليه منذ عدة سنوات فنانا باحثا عن البهجة بل وصانعها. وربما كان معرضه دعوة لتوديع عام 2013واستقبال العام الجديد ببهجة فنية وأمل في تحقيق المزيد خلال 2014.