قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 22-10-2024 مع بداية التعاملات    حقيقة صرف مكرمة ملكية بقيمة 1000 ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي في السعودية    استطلاع: أغلب الألمان يعارضون موقف الحكومة من تسليح إسرائيل    الأمم المتحدة تُدين التدهور السريع لوضع المدنيين في شمال غزة    أبرزهم خالد مشعل.. حماس تتجه لاعتماد لجنة خماسية بدلًا من تعيين خليفة للسنوار    جالانت يتخذ قرارا بشأن جمعية «القرض الحسن» التابعة لحزب الله    محمد عبد الجليل: حذرت لاعبي الأهلي من محمد رمضان وهذا موقفي من عقوبة كهربا    الأهلي بدون مهاجم.. آخر كواليس عقوبة كهربا وترحيله من الإمارات    أيمن الشريعي: اتحفظ على النظام الجديد للدوري ويجب سؤال أحمد دياب في قراره ضد إنبي    مجدي عبد الغني ل كهربا: أنت ليك ماضي معروف.. والناس مش نسياه    سيدات - مسار ل في الجول: ينسحبون أمامنا ثم يخسروا 10 أمام المنافس.. وغياب العقوبة يضرنا    تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم، وهذا ما يحدث من من 6 صباحا إلى 11 ليلا    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته بسوهاج    الكوكايين الوردي، تفاصيل جديدة حول وفاة النجم ليام باين بعد التشريح الجزئي للجثة    الاحتلال يقتل فلسطينيين في غزة ويغتقل العشرات في قطاع غزة    الكلاب في الحضارة الفرعونية.. حراس الروح والرفاق في عالم الآلهة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    بمستند رسمي..تعرف علي مواعيد قطارات «السكة الحديد» بالتوقيت الشتوي الجديد    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    ثقف نفسك| 10 خطوات هامة لمن يريد الزواج.. تعرف عليها    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي اللبناني هلال شومان:كيف تحتمي بالسلمية.. وتبرر العنف!
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 07 - 2013

رغم أن محمد ربيع وهلال شومان ينتميان لبيئتين مختلفتين الأول كاتب مصري، والآخر روائي لبناني. هلال يقيم بعاصمة الخليج الزجاجية دبي وربيع يقيم بالقاهرة، إلا أن هناك الكثير من المشتركات بينهما فكلاهما مشغول، مثلا، بدخول الرواية في عالم الثقافة البصرية عبر فن الكوميكس حيث ظهر ذلك في »ليمبو بيروت« بينما شارك ربيع في عدة مطبوعات رائدة في تقديم الكوميكس في سوق النشر المصرية كما اتخذ كل منهما خطواته الأولي في الكتابة عبر عالم التدوين علي الإنترنت، كانت تجربة التدوين بالنسبة لهما ليست مدخلاً للكتابة وإنما محاولة لتقديم فكرة الكتابة عبر وسيط مختلف أكثر رحابة وتفاعلية، وقد انعكس ذلك بالتأكيد علي كتابة كل منهما.
شومان متابع جيد للكتابة والدراما المصرية بشكل عام، وخلال زيارته الأخيرة للقاهرة التي تواكبت مع مظاهرات 30 يونيو كان حوار ربيع معه، حول »ليمبو بيروت« وشخصياتها والرواية والواقع اللبناني وتفاصيل أخري.
- تتقاطع مصائر أبطال رواية »ليمبو بيروت« في حبكة تحاول إعادة نسج خيوط المجتمع اللبناني في زمن ما بعد الحرب الأهلية. أنت من جيل بدأ الكتابة بعد انتهاء الحرب، في الفترة التالية لتسوية الصراع الأهلي اللبناني. هل يمكن القول إذًا أنّ »ليمبو بيروت« تدوّن تاريخ ما بعد التسوية؟
القول إنّ »ليمبو بيروت« تدون تاريخ ما بعد التسوية يقترح أنّ هناك تسوية نهائية ما تمّت في لبنان. الحال أنّ الصراع لم ينته قطّ في البلد. هو صراع هوياتي بمعني ما، يتخذ أشكالًا كثيرة وتصغر ذرّاته كلما تغيرت موازين القوي علي الأرض وطبيعة الأدوار والتحالفات الإقليمية. ربما جاء اتفاق الطائف ليقترح حلاً مرحليًا، لكنّه لم يحلّ شيئًا. إنها تسوية مرحلية سرعان ما اهتزت باغتيال الحريري عام 2005، ليكتسب الصراع شكلًا أكثر حدة مع المتغيرات. حتي التسوية المرحلية الثانية (اتفاق الدوحة)، وعلي مباشرتها الإجرائية، لم تنجح أن تصمد كثيرًا. والحال إن الصراع ليس سياسيًا نقيًا يؤدي مباشرة إلي الصراع الأهلي. هو أعقد من ذلك، ويمكن حتي القول إن الصراع الأهلي الذي يبدو محتميًا بالسياسة ليس فقط نتاجًا عنها، بل أحياناً يبدو دافعًا للصراع السياسي. يتقاطع الأمران. لستُ من هواة عزل الطبقة السياسية عن الناس الذين أتوا بهم بحجة أنّ الأنظمة الانتخابية مقفلة. هناك ما هو خارج النظام الانتخابي وشكل الدولة. شيء يتعدي هذه المقاربة المباشرة. أحيلك هنا إلي الفصل الرابع من الرواية: أحياناً لا أفهم هذا البلد، كيف ينتقل من النقيض للنقيض، كيف يخلقون تلك الأشياء المنظمة، داخل الأشياء غير المنظّمة، داخل الأشياء المنظمة. متاهة، كيف أن كل شيء يمشي ويتأقلم ويتطوّر ويعيش. »ليمبو بيروت« تدوّن تاريخ ما بعد التسوية؟ سأقفز عن تفصيل تدوين الرواية للتاريخ لأنه سيحتاج نقاشًا مستفيضاً، لكن إذا ما أردت صياغة هذه العبارة لتبدو أكثر دقة لقلت إن ليمبو تحاول تقفي حال التسوية نفسها. إنها ليست »بعد« بقدر ما هي »في«. التسوية نفسها كانت هلامية. عاشت بالنواقص، وهي النواقص نفسها التي تعيد تفجير الحرب موضعيًا من حين لآخر في البلد.
- شخصيات الرواية لا تهتم بالحرب بالدرجة الأولي، حتي المسلّح في الرواية يجد نفسه متورطًا بشكل ما في الحرب. ولا تتعامل الشخصيات مع الحرب علي أنها واقع يحدث في شارع قريب، ربما أسفل منازلهم، لكن يتعاملون معها علي أنها حدث يسمعون عنه ولا يرونه، تمامًا كتعاملهم مع كارثة طبيعية حدثت في قارة أخري. هل هذا مقصود؟
* إنهم يرون ولكنّهم يتجاهلون. الأمر يرتبط بطريقة تعامل الفرد مع الإعادة. الإعادة يشوبها الملل والتوقع وتترافق واللا اهتمام. لكنّه لا اهتمام واعي. فلنأخذ الحال المصرية الآن. متي يهتم الإنسان ومتي لا يهتم؟ متي يحظي حدث باهتمام شعبي؟ عدد القتلي؟ لا يبدو هذا معيارًا. الحاضنة السياسية الدافعة؟ ربما، لكن ليس دائمًا. لكنّ ما يجمع الاهتمامات الشعبية دائمًا علي تواليها هو القدرة علي تحديد إمكانية اقتناص الفرص. ولهذا تصير بعض القضايا غير شعبية. إنها لا تملك الفرصة التي يمكن اقتناصها والتعويل عليها. في الحال اللبنانية، المسألة أعقد. الهامش السياسي مفتوح منذ الأزل، لكن لا سياسة، ولو كان هناك سياسة، لما تطور الموضوع دائمًا إلي حروب أهلية مصغرة محدودة أو أكبر ملحوقة بالتسويات. في لبنان، وخارج الاصطفافات السياسية بمعناها التابع غير الناقد، فُقدَت تماماً القدرة علي اقتناص الفرص. لا فرص جديدة أصلاً. هنا أعود لشخصيات ليمبو. هم يعيشون داخل الشيء. لكنّ أحدًا ما غيرهم يقوم بهذه الأفعال التي تحدث في شوارع قريبة من الشرفة، والمستشفي، وحتي داخل الحلم. هل هم مستقيلون من الفعل؟ لا يمكن القول ذلك أيضًا. فقصصهم ما كان يمكن أن تكون لولا هذه الانفلاتات الجانبية التي تحدث حولهم. حتي المسلّح يجد نفسه داخل الصراع من دون أن يكون مقتنعًا. بعض الأصدقاء الذين قرأوا الرواية إن هذه أسهل الشخصيات مصحوبة بأسهل التبريرات: رمي الحرب علي الآخرين. رأوا أنّه حتي المسلّح غير ملام هنا. الحقيقة أني عندما كتبت هذه الشخصية كنت أمام خيار شيطنة الشخصية وهو خيار يغري أي كاتب عند كتابته. كيف يمكن التعبير عن كل هذا العنف الذي يجعل أحدًا ما يتسلّح ويشارك في حرب صغيرة؟ كيف يمكن تبرير العنف بقسوة، والعمل علي كل هذه التفاصيل الجاذبة لأي روائي؟ لكني بعد أن أخذت بعض المسافة من النص قبل أن أكمل، تأكدت أن هذا ليس هدف الرواية التي تُبني أمامي (هنا نعود لتفصيل تدوين التاريخ). بل إن خيار الشيطنة هذا لا يشبه الشخصيات ولا المزاج العام. لم يكن مطلوبًا البحث عن طريدة أو مسئول. كان هذا ليبدو نافرًا في الصيغة العامة للرواية. إنها رواية أفراد أكثر منها رواية وضع عام، ولو تشابه المزاج أحيانًا. المزاج العام هو فقط حاضن للقصص لكن الشخصيات ليست إسقاطية علي الإطلاق. هي شخصيات غير مهتمة لكنها في الوقت نفسه ليست مستقيلة. كل شخصية منها تملك رحلة البحث الخاصة بها. وليد يبحث عن ألفرد، يسائل هويته الجنسية، يعمل في المسافة التي تفصل بين عنفين اجتماعيين: عام وخاص. ولهذا نجده يحافظ علي علاقته بأهله ولو كذبًا. سلوي تبحث عن شبكة تسلية لم تحله من قبل، عن لغز جديد، فتجد أمامها زوجها الغامض وحربًا تعيد لها والدها. الكاتب يبحث عن رواية، عن حبكة لا تنضج ولا تدفع للأمام. المسلّح يبحث في ماضيه وينخرط في الحرب الجديدة محاولاً استعادة تفاصيل ما، لكن لا يجد أيًا منها، بل إنه يكاد يفقد تفاصيل الحرب
القديمة، ويفقد معها ماضيه. أخ المسلح يبحث عن الحب. والطبيب . كل الشخصيات شخصيات باحثة. وفيما عدا الطبيب الأخير، معظم الشخصيات تجد حلولاً اعتباطية ومرحلية لمشاكلها. وبعضها يكتفي بالانتظار متسلّحاً بعدم المعرفة (أخ المسلّح). وحده الطبيب هو من يلاحظ أخيرًا التفاصيل التي أدت لانهيار علاقتهه بحبيبته، وحده من يلقي باللوم علي نفسه، ليعود متصلاً من جديد بالشخصية التي بدأت الرواية: وليد.
- في رواية »شريد المنازل« للروائي اللبناني جبور الدويهي، بطلٌ غير منتم، متحيّر بين هويتين، بين المسلم والمسيحيّ، تارة يُعامِل الآخرين علي أنه مسلم، وتارة يعاملهم علي أنه مسيحيّ، ثم يجد ما هو أكبر، يجد حبًا يربطه بالإنسانية. ومع فقدان فتاته يكف تمامًا عن التمسّح بإحدي الهويتين عند كل مأزق، كما فعل سابقًا، وأراه ينتحر في النهاية، لا بيده، بل بيد أحد المسلحين، بعد عزوفه عن إظهار إحدي هويتيه، لينقذ نفسه من الموت. في اليمبو بيروتب لا نجد شخصية ذات هوية من الأصل، ولا نجد من يبحث عنها، أو يبحث عن بديل لهويته الحقيقية، بل نري كل الشخصيات بلا هوية، هل ملّ اللبنانيون طوائفهم وهوياتهم؟ هل أدي الصراع علي الهوية في النهاية إلي التخلّي عنها؟
بعد كتابة الرواية تراجعت ونظرت إلي ما أنجزته، وتذكّرت فجأة رواية »شريد المنازل« التي هي من رواياتي المفضّلة. لا زلت أذكر هذا الشعور بالكآبة الذي اعتراني بعد قراءتي لهذه الرواية. شعور حزين غامض رغم كآبته بدا لي لذيذًا ومحفزًا. ربما هو شعور التماثل مع الشخصيات لا أدري. والحال إني بعدما أنهيت الرواية ومض أمامي تفصيلان قد يبدوان تافهين للبعض، لكني أحيلهما إلي ذلك الشعور نفسه اللاحق لقراءة اشريد المنازلب: ببغاء القفص والتنين الآتي من وراء الموج في الفصل الرابع من ليمبو بيروتب المعنون ببالأحداثب. كان مذهلًا لي أن أجد استعارات غير مقصودة من رواية أخري. كلا التفصيلين كانا حاضرين علي نطاق أوسع في اشريد المنازلب. لكأنهما زارا فقط الرواية. تكرر الأمر مع تفصيل وقوف المسلّح في دارة نقابة الصحافة ينظر إلي صور المخطوفين، يتذكر حبيبته المخطوفة ليلي. إذا ما أسعفتني الذاكرة فإن تفصيلًا كهذا ظهر في رواية االاعترافاتب لربيع جابر.
هذه الاستعارات الزائرة علي بساطتها تبدو لي أكثر دلالة مع اختلاف الزمن الذي تجري فيه الرواية، واختلاف طريقة رسم الشخصيات. في اشريد المنازلب نحن أمام شخصية الفرد اللبناني غير المنتمي: نظام العلمي. لكنّ التعفف عن الانتماء جاء بعد تجارب خاضها نظام. إنها خلاصة وصل إليها، ولم تعمّر. انتهت بالاستقالة والانتحار علي يد غيره. لقد فقد رغبته في الحياة، ولم يعد ربما مقتنعًا بخيار التجربة. شخصيات ليمبو تأتي في المرحلة اللاحقة، مع سكون الحرب الكبيرة. الشخصيات لا تملك خيار الاستقالة فتكتفي بالتسلّح باللا اهتمام الظاهر. الوضع العام يرتبط بكل شيء ولا شيء. الامر أشبه بحرب باردة. سؤال الهوية والأصل يحيل إلي الصيغة التي تود من الرواية أن تنتهي إليها. هل تريد رواية سياسية خالصة؟ هل إنّ إظهار الهوية بشكل مباشر سيخدم حبكات ما وتفاصيل أخري في الرواية؟ إذا كان هذا المطلوب فإنّ الإظهار الهوياتي يبدو مفهومًا لكنّ هذه لم تكن حالة ليمبو. في »شريد المنازل« كان ربما خيار اسم »نظام العلمي« مقصودًا من جبّور. وبعد الهرب بالجثة، بعيدًا عن خيارات لم تشبه نظام في حياته، وليس من المعقول أن تلتصق به في موته، دفن بعيدًا. تمسّك قبره بالإسم. كان هو ما تبقي من الشخصية بعد خيار انتحارها: نظام وعلمنة. في الواقع، الصراع علي الهوية لم يؤدّ إطلاقاً للتخلي عنها، بل ربما أدي إلي توالي تصغيرها حتي تعرت تفاهتها بشكل متطرف. في الرواية، هو فقط خلل الإعادة المنتهي مللًا من كل هذا من غير أن يكون استقالة. إنها حالة انتظار بين عالمين: عالم الحرب الكبيرة التي حدثت ذات يوم، وعالم الحروب الصغيرة التي تزداد صغرًا ومجهرية وتحدث كل يوم.
في مصر، وفي الأيام الأخيرة، انسحبت كل الأراء وتراجعت، انتصاراً لأفكارٍ فاشيةٍ ليست غريبة علي المجتمع المصري، وإنما لها جذور قديمة، وفروع تظهر كل عدّة عقود، وكما هو معتاد، كان مصدر الأفكار الفاشية تلك نخبويا، بعيدا كل البعد عن رأي الشارع، وكأنها حربٌ فكريةٌ بين قيادات كل طرف من الصراع، هذا يهدّد بتدويل القضية وتحويل الصراع المدني إلي صراع دموي، والآخر يستغل تلك النقطة جيداً فيجادل مستشهداً بآراء الطرف الأول، ليستنتج أن الإقصاء والمنع والعزل أكثر الحلول مناسبة في الوقت الحالي، وربما في المستقبل أيضاً. واضح أن هذا الصراع حادث أيضاً في لبنان، وأعني صراع القيادات فيما بينها، بينما لا نري الرجل العادي منخرطاً في الصراع نفسه، تماماً كما في »ليمبو بيروت«. ربما هذا اختصار لفترة ما بعد التسوية اللبنانية التي حدثتني عنها آنفاً، ربما تعلّمنا من التجربة اللبنانية أن الصراع سينتهي نخبوياً، بعيداً عن الشارع، حتي وإن اشترك الشارع في هذا الصراع لمدّة قصيرة.
لا أعرف المجتمع المصري بدقة رغم تعدد معارفي في مصر، ولست من هواة إطلاق الأحكام الجمعية علي مجتمعات. ما أستطيع قوله إنّ هناك أداء مرحليّا ما تمظهر عند أحداث معينة تابعته كما غيري. والحال أنكم لستم محاطين بالأحداث الباردة التي تسهّل عليكم اتخاذ مواقف مثالية. لا أبرر. ما أقوله إن حالة الاكتشاف دائمة ومتواصلة. صار اكتشاف سقوط مواقف اتخذت من فترة قريبة فعلًا يوميًا. الأحداث أسرع. الكل فعليًا في داخل المعمعة.
لكن ما أود قوله أيضًا أني لست مع الإقصاء في أي حال من الأحوال. عندما أقول الإقصاء أحصره هنا بمزاج الإقصاء السياسي والثقافي، لا الشعبي، حتي وإن كانت الأطراف المعرضة للإقصاء رافضة لمثل هذا »التسامح« وإقصائية في حكمها. لقد جرِّب الأمر سابقًا في لبنان وانتهي إلي تعاظم أدوار هؤلاء وعودتهم. نحن إزاء قراءتين: قراءة واقعية وقراءة تغييرية. ولا تستطيع العبور للقراءة الثانية من دون قراءتك الأولي، حتي وإن كان بعض القراءة الأولي مرحليا.
هذا الكلام ليس كلامًا شعبيًا في الحالة المصرية. بحسب متابعتي، في السنوات الثلاث الماضية بدا أن كل الاتجاهات متواضعة المستوي، ليبرالية كانت أم يسارية أم قومية أم إخوانية أم سلفية. بعضها، صحيح، يتسلّح بالعنف الكامن الذي ينفلت عند أقرب فرصة. لكنّ هذا ليس مبررًا للدعوات الإقصائية حتي مع تواصل عنف هؤلاء. ما من فرق كبير بين العنف الفيزيائي والعنف اللفظي (المؤدي للأول)، أو في تبرير المولوتوف الشعبي المتواضع أمام السلاح الفردي المنظّم. الاحتماء بسلمية مفترضة لثورة 25 يناير، وتكريس الوقت الحالي في مهاجمة الثوار الأنقياء، وتهشيم الحالة الحقوقية لن يفيد بشيء. بل إنه متناقض. كيف تحتمي بالسلمية، وتبرر العنف الحالي، وتهاجم الثوار الأنقياء، وتهشّم الحقوقيين، وتطلب من العالم حولك مقاربة حقوقية للحال المصرية، في الوقت نفسه؟ الوضع مذهل في ذبذبته. والأخوان لم يسهلوا الوضع علي الإطلاق في عامهم السابق. بل هم الرافعة الأساسية لمثل هذه المواقف. هم حالة فاشلة بكل ما للكلمة من المعني. لكنها بعكس الآمال الحالية ستبقي، وستعود إذا ما أعادت تنظيف صفوفها، وربما بلا نقد. وهذا أسوأ ما قد يحدث.
في هذه الحال تصبح بعض هذه الدعوات علي ألسنة النخبة المثقفة ملحقة من دون أن تقصد بحالة عنصرية وطبقية بدأت تتجاوز حالة الاخوان لتستعيد كلام النظام السابق الشوفيني عن جنسيات أخري، وعن اتهامات لآخرين أراؤهم ليست أخوانية علي الإطلاق، لكنها فقط مختلفة. هذا خطير. لكأننا في حالة شعبوية رافضة للثقافة من داخل مجتمع الثقافة. الصراع في لبنان لم ينته نخبويًا كما تقول. بل إنّ معظم النخبة بات تابعًا للشارع الذي ينجرف في اتجاهات متطرفة (الصفة هذه محالة للتحركات الشعبية اللبنانية، لا المصرية). هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال حالة التندّر علي حال المثقفين وتهشيم المقاربة الثقافية بدل نقدها (وهو اتجاه يغذّي في لبنان من قبل مؤسسات صحفية بعينها، وأفراد آخرين). مثل هذه النهايات تصب في إعدام المواقف المركّبة لصالح القراءات التبسيطية والشعبوية، والمواقف المرّكبة لا تعني بالضرورة الحياد بين الأطراف، بل من الممكن أن تكون أقرب إلي طرف منه إلي آخر.
»ليمبو بيروت« لا تبحث عن الطريدة أو المسئول.. شخصياتها غير مهتمة ،لكنها ليست مستقيلة
هلال شومان روائي لبناني أنجز ثلاث روايات حتي الآن: »ما رواه النوم« (2008) عن دار ملامح المصرية، نابوليتانا (2010) عن دار الآداب اللبنانية، و»ليمبو بيروت« التي صدرت هذا العام عن دار التنوير اللبنانية. يتخلل فصول »ليمبو بيروت« رسومًا لرسامين عرب هم: فادي عادلة، جني طرابلسي، برّاق ريما، محمد جابر، وجورج عزمي.
محمد ربيع روائي مصري، أنجز روايتين هما »كوكب عنبر«2010 ، و»عام التنين«2011 عن دار ومكتبة الكتب خان. مؤخراً شارك ربيع في مطبوعة »الدوشمة« المعنية بنشر ثقافة الكوميكس، وهو هاجس أساسي يشغل الروائي الشاب بشأن تقديم فن الكوميكس للكبار وتوظيف الثقافة البصرية داخل الكتابة كما أن كتابة ربيع تقع في منطقة وسط بين التاريخ والفن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.