كان للباب القصير مقبض باب كبير، نفس مقابض أبواب الغرف الأخري، مقبض من النحاس، علي شكل امرأة عارية تستلقي أفقياً، ونفس الحليات المشغولة الخاصة بثقوب المفاتيح. كان المقبض المنحوت الكبير وحليته الباروكية مع إطار الباب المُفوَّف بمقرنصات يونانية، مزجاً سريالياً غريباً بالنسبة لارتفاع الباب القزم. كانت فتحة الغرفة تبعث ضوءاً أزرق. رأيتُ الضوء من أعلي، مما بعث الألفة في القلب. هنا من هذا الارتفاع كان الضوء في الأسفل جذَّاباً فاتناً، قد يكون هذا الضوء داخل الغرفة أكثر جاذبية وأشد فتنة، لكنني عوَّلتُ الجاذبية والفتنة علي بقاء الباب مفتوحاً عندما أكون بالداخل، فأري أنصاف الأشياء فقط، أرجل الأثاث، أرجل المُضيف والمُضيفة وربما أرجل الكلب توني، أمّا بقاء الباب القصير القزم مُغلقاً علي في الداخل، لا أري شيئاً، فقد ظلتْ منطقة غامضة في نفسي، مفعمة بالشَرَك والخديعة، قد تزيلهما فتنة الضوء وجاذبيته. انتظرتْ المُضيفة حتي هبطتُ بقامتي كثيراً، ونفذتُ في فتحة الغرفة. ابتسمتْ لي من أعلي، وابتسمتُ إليها من أسفل، استدارتْ تقطع الممر الطويل، ولم تظهر في عيني كاملةً، بقامتها الفارعة، وفستانها السابغ، وغمزة ساقها اليمني إلا في أول الممر. كانت يدي مُستندة علي المقبض المنحوت، المرأة العارية النائمة أفقياً في الهواء. كان ملمس جسمها النحاسي بارداً. وكان عرض باب الغرفة، وأنا أسحبه علي من الداخل، هو نفس عرض أبواب الغرف الأخري. كان الشذوذ والنشاز كله في الارتفاع. نظرتُ إلي داخل الغرفة، فاكتشفتُ أن الضوء لم يكن أزرق، بل كان فوسفورياً يميل إلي الأصفر البرتقالي. وكانت الغرفة هي التي تشيع اللون الأزرق، بسبب سقفها المفروش بقطيفة زرقاء، وكان قريباً جداً من هامتي، بحيث إنني لم أستطع الجلوس، فقط أستطيع أن أرتكنُ بمرفقي، نصف جالس، نصف نائم. كانت رأسي تلمس سقف الغرفة. تحت جسمي كانت الأرض من نفس قطيفة السقف والجدران. وكانت لمبات الضوء غائرة في السقف، ومزروعة في أماكن قصية من الغرفة التي لها نفس سعة الغرف الأخري، لكنها هنا تبدو أشد اتساعاً، بسبب انخفاض السقف الشديد، وزاوية الرؤية التي جعلتني أنظرُ إلي سعتها أفقياً، وأنا نائم، فتبدو حدودها لا نهائية. يعجبني أن أمد أصابعي، وأنا نائم، فتلمس سقف الغرفة، دون أدني مجهود، وبسهولة كررتُ الحركة أكثر من مرة، وكأنني لا أصدق تفاهة أن ألمس السقف بأصابعي. نقرتُ علي السقف، كان مُصمتاً، وكان الصوت عارياً من أدني فراغ، أرضاني هذا كثيراً، هو سقف حقيقي. ليس مصنوعاً من خشب، ويأتي بعده بمسافة السقف الحقيقي، بل هو كذلك بهذا الانخفاض، وبهذا اللصق المحكم لقماش القطيفة الزرقاء، يحمل كل الأمان والحماية، وكأنه رحم حصين، الغرفة الرحم. نظرتُ إلي عمق الغرفة الأفقي، بدا لا نهاية له، أخذتُ في التقلب علي بطانة القطيفة، حتي أصل إليه. كانت البطانة تطاوع جسمي، وكأنها وسائد مائية، ومن هناك ألقيتُ نظرة أفقية علي الباب القصير القزم، كان مفتوحاً، ومن ورائه بدت أرجل المنضدة الباروكية مُجفصنة بحليات نحاسية، في الممر الطويل. رائحة الغرفة تبعث علي النعاس، رائحة مكتومة، خليط مبهم من رائحة العطر والنفتالين وحليب الرُضَّع. أغمضتُ عيني، وأمضيتُ وقتاً، ثم فتحتهما، فوجدتُ السقف انخفض انخفاضاً شديداً، إلي الحد الذي كانت معه أرنبة أنفي، وأنا نائم علي ظهري، تلامس قطيفة السقف الناعمة. حركتُ رأسي إلي اليمين وإلي اليسار، فكانت أرنبة أنفي تحتك بالسقف عند نقطة تماس من قوس الحركة المتجهة من اليسار إلي اليمين ومن اليمين إلي اليسار. شعرتُ بالاختناق، وضاق صدري. أردتُ القيام جالساً، فانبعجتْ أرنبة أنفي عند نقطة التماس بالسقف. نظرتُ ناحية الباب الذي تقزَّم كثيراً جداً مثل السقف، فوجدته مُغلقاً، وكانت المرأة العارية النحاسية نائمة في الهواء أفقياً تكاد تلمس بطانة القطيفة، ويلمع ضوء علي طول جسمها. فجأة وجدتُ شيئاً يتحرك في بطء ناحيتي، في بطء شديد من اتجاه الباب القصير المُغلق، كان فأراً كبيراً. بدأ نَفَسِي في التلاحق، وصعد الاختناق إلي حلقي. دفعتُ بيدي السقف إلي أعلي. الفأر يقترب بصبر ودأب، ظهره المُحدَّب المنتفخ، بشعره الرمادي الأغبر، يحتك بالسقف، لكنّ السقف لا يعوقه عن الحركة. أكاد أسمع صوت احتكاك شعره الأغبر بالقطيفة الزرقاء، صوت احتكاك مُنفِّر وغريب. كان يتضخم بسبب زاوية نظري الأفقية، يكاد يسد اتساعها الأفقي الرحب. اتسعتْ عيناي، وثبتت علي بوزه المُلطخ بدماء. كان يصدر صوتاً يشبه الصفير، وكأنّ الصوت يحسه علي الوصول إلي دون أن يسرع من حركته البطيئة. فقدتُ الحركة تماماً، وصرختُ صرخة عالية.