الثلاثاء الماضي، العاشر من يوليو، عيد ميلاد المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد التاسع والستون، هكذا اختار اصحاب ابو زيد تاريخ اعلان قيام مؤسسة نصر حامد ابو زيد للدراسات الاسلامية، حيث جري الاعلان من احدي قاعات فندق براميزا بالقاهرة، وقامت الدكتورة ابتهال يونس زوجة صاحب "مفهوم النص" بالاعلان عن المؤسسة التي ستعمل علي توفير الامكانات البحثية لشباب الباحثين في مجال الدراسات الاسلامية، منح جوائز سنوية لافضل البحوث في مجال الدراسات القرآنية للشباب، التنمية الثقافية في مجال الدراسات الاسلامية والتعاون مع مراكز البحوث الجامعية في مصر والخارج. كما تقدم للباحثين خدمة الاطلاع الداخلي في المكتبة التي تحتوي علي كتب عن الدراسات القرآنية و الفلسفة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والتصوف وكتب نصر أبو زيد وبعض الدوريات المهتمة بالدراسات الإسلامية. وعلي الرغم من الحدث الاول من نوعه، وقيمة أبو زيد في مجال الدراسات القرآنية والاسلامية واللغوية، الا ان حضور الاحتفالية كان هزيلا، وتقريبا اقتصر علي معارف واصدقاء الراحل، بينما غاب الشباب عن الحضور، ربما شدت الاحداث السياسية المتوالية انتباه الكثير عن حضور الاحتفالية، وربما ايضا لم تتم دعاية جيدة للمناسبة، لكن كان من المتوقع حضور عدد اكبر للمشاركة في الحدث. يذكر أن أبو زيد عندما قدم أبحاثه للحصول علي درجة أستاذ في منتصف التسعينات تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة بينهم د.عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره نصر " بالكفر "، وانضم إلي جبهة عبد الصبور شاهين محمد بلتاجي وأحمد هيكل وإسماعيل سالم، وقاموا بتأليف الكتب للرد عليه حوت تكفيرا له، ونظراً لعدم توافر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الارتداد عمل خصوم نصر حامد أبو زيد علي الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية، التي يطبق فيها فقه الإمام أبو حنيفة، والذي وجدوا فيه مبدأ يسمي "الحسبة" طلبوا علي أساسه من المحكمة التفريق بين أبو زيد وزوجته. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قسراً، علي أساس "أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم". فحياة الزوجين باتت بعد ذلك في خطر، وفي نهاية المطاف غادر نصر حامد أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، القاهرة نحو المنفي إلي هولندا، ليقيما هناك حيث عمل نصر حامد أبو زيد أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن، حتي وفاته في 2010. شارك المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي المنصة مع ابتهال يونس حيث ألقي محاضرة عن التنوير عقب تقديم ابتهال لمؤسسة نصر ابو زيد للدراسات الاسلامية، اختيار الشرفي لموضوع محاضرته جاء احتفالا بمسيرة ابو زيد التنويرية حيث تحدث الشرفي عن ركائز التنوير الثلاث كما يراها، حيث تمثل الاستقلالية الركيزة الاولي، وتعني له اختيار الفرد لما يريد علي كافة المستويات طواعية بدون أن يفرض عليه وصاية من قبل أي سلطة موجودة دينية كانت او سياسية، انطلاقا من هذا المفهوم يحدد الشرفي الفرق بين الحرية التي تأتي مع الاستقلالية وبين التبعية التي تتكون مع اختفاء تلك الاستقلالية. تابع الشرفي استدلالاته عن الاستقلالية حيث يري ان لها جانبا نقديا يجعل صاحبها يرفض الوصاية طوال الوقت، ومن ناحية أخري لها جانب تكويني، حيث ان صاحب الشخصية المستقلة يضع القوانين والقواعد التي تنظم حياته الشخصية والمجتمعية بإرادته، ومن هنا يري الشرفي أن المجتمعات التي تحترم الفرد هي التي تضع قوانين تحترم استقلالية هذا الفرد. واستعرض المفكر التونسي كيف غيرت العملية التنويرية التي مر بها العالم المعارف العلمية والانسانية وطرق انتاج المعرفة حيث اتاحت للتجربة مكانا بعيدا عن "التواتر" أو النقل الشفاهي، فقديما كان التواتر حجة لا يشك فيها، ولكننا الآن نعرف أن تواتر واقعة ما لا يعني صحة الواقعة، ارتكازا علي هذه الرؤية يري الشرفي أن الكثير من أسس المعرفة الدينية التقليدية التي هي بشكل ما تأويل للدين تحتاج اعادة مراجعة، ولن تحدث هذه المراجعة إلا بفضل الاستقلال الركيزة الاولي من ركائز التنوير، والتي لا معني لها عند حدوثها بشكل فردي، ولكن يجب أن تصبح حركة شاملة للمجتمع علي أوسع نطاق، والسبيل لتحقيق ذلك عن طريق التعليم، فكما يستدل الشرفي ارتكز كل فلاسفة التنوير في اوربا علي المدرسة كوسيلة لنقل وانتشار قيم التنوير، فهذا هو الطريق ليتحرر كل افراد المجتمع، وهذه هي غاية التنوير. ويري الشرفي ان النتيجة الاهم للاستقلالية هي ان الانسان يصبح هو مصدر انتاج القوانين ثم يستدل بمقولة لأبوزيد في كتابه "الامام الشافعي ونقد الايديولوجية الوسطية": " آن أوان المراجعة والانتقال إلي مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان". هذا التحرر الذي تصنعه الاستقلالية يستتبع ايضا اقرارا بالاختلاف وايمانا به ليصبح هو اساس المواطنة، التي تجمع المواطنين رغم اختلافهم. ويحدد الشرفي رؤية الذين يعادون التنوير بأنها رؤية متشائمة تري العالم سائرا نحو الاسوأ بينما التنوير متفائل يري العالم يتقدم ويسير نحو وضع افضل، فالايمان بالتقدم من مستلزمات الاستقلالية وبالتالي التنوير. الركيزة الثانية للتنوير هي الغائية، فالقدماء ركزوا علي الإله وكان الانسان تابعا له يأتمر بأمره أو بمعني أدق بمفسري كلام الإله، لكن التنوير جعل الانسان هو المركز وهو الغاية من البحث والعلم والعمل وهو ما يستتبع المساواة بين جميع البشر علي اختلاف اجناسهم والوانهم، ويخرج الشرفي من هذه النقطة إلي النقطة الثالثة التي يرتكز عليها التنوير وهي الكونية، فقيم التنوير التي توصل إليها الاوربيون لا تخصهم وحدهم ولكنها تخص الانسانية كلها. واختتم صاحب "الاسلام والحداثة" محاضرته بتمنيه للمؤسسة الجديدة ان تستطيع المساعدة في تقديم دراسات جديدة، وان تقوم دعائم المؤسسة علي النقد، وان تسمح للطاقات الشبابية بالتنفس كي يتكون جيل جديد من الباحثين علي غير شاكلة القدماء الناقلين الحافظين.