كرنفال تعليمي في 222 مدرسة بالإسكندرية    وكيل تعليم الأقصر يتابع انتظام المدارس في أول أيام العام الدراسي الجديد (صور)    منتدى شباب العالم يشارك في قمة المستقبل المنعقدة بالأمم المتحدة    «الأعلى للأمناء» يطالب بحل مشكلات الطلاب وأولياء الأمور مع بدء الدراسة    الأماكن الشاغرة ب جامعة أسيوط الأهلية 2025.. تعرف موعد التقديم والرابط والمستندات    فريق Robo Farm بجامعة القناة السويس يحصد المركز الثالث على مستوى الجمهورية    «التنمية المحلية» تعلن انتهاء المحافظات من استعداداتها للعام الدراسي الجديد    محافظ البحيرة تضع حجر الأساس لموقف أبو حمص الجديد بتكلفة 30 مليون جنيه    بني سويف تستقبل 127 سائحا متعددي الجنسيات على متن 4 بواخر (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مصنع أسترازينيكا لأدوية السكر والضغط بمدينة 6 أكتوبر    «فتوح» يستنكر قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين في غزة    لمدة 24 ساعة | إسرائيل تغلق مجالها الجوي شمالا    معاريف: صافرات الإنذار تدوي في الجليل الأعلى والغربي    إنريكي يعلن قائمة باريس سان جيرمان لمواجهة ريمس    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة المصري والهلال الليبي    مؤتمر فليك: اللعب بالقدم من مزايا تير شتيجن.. ويجب أن نكون حذرين مع فاتي    فلكيًا.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    السيطرة على حريق هائل بمزرعة بالسنطة ونفوق 7 رؤس للماشية    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 27876 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    المشدد 10 سنوات لخفير تعدى على فتاة وواقعها بالشرقية    اليوم.. ماريان خوري وماجي مرجان في ندوة "السينما والعائلة"    أنغام تُشغل حفل البحرين.. والجمهور يعلق: «أنتِ صوت الطرب العربي وكوكب الشرق والكون كله»    زاهي حواس يرد على المزاعم الإسرائيلية بتكذيبه للتوراة.. ماذا قال؟ (فيديو)    هشام عبدالخالق يكشف سبب استبعاد مخرج الحريفة رغم نجاحه جماهيريا (تفاصيل)    هل يؤثر الاكتئاب على الذاكرة؟    ضخ 50 مليون دولار استثمارات جديدة.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع «أسترازينيكا مصر»    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    إجراء 7955 عملية بنسبه 98٪؜ من المسجلين على قوائم الانتظار بسوهاج    التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب واللجنة المنظمة لمنتدى شباب العالم يتولون ملف المتطوعين بالمنتدى الحضرى العالمى الثانى عشر بمصر    عمرو الفقي يوجه التحية لصناع مسلسل برغم القانون    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج بتنهي أي خلاف ولا تدعو للتطرف أو التعصب    إخلاء سبيل المفصول من الطريقة التيجانية المتهم بالتحرش بسيدة بكفالة مالية    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    الكشف عن سبب تسهيل مهمة مُطلق النار على «ترامب» في تجمع انتخابي    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    ميدو يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    وزير الشئون الاجتماعية اللبناني: التفجيرات الإسرائيلية الأخيرة غير مسبوقة وتتطلب تكاتف جهود الجميع    دون إصابات.. اصطدام حافلة بالحاجز الإلكتروني لمزلقان سكك حديد المنيا    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    بدء العام الدراسي الجديد.. ما هي خطة وزارة الصحة لتأمين للمنشآت التعليمية؟    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    الزمالك يُعلن طبيعة إصابة مصطفى شلبي ودونجا قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أساطير أمريكا اللاتينية

الحكايات الخرافية والأساطير التي نقدّمها في هذا البستان محكية بلغة بسيطة كالتي يحكون بها في حلقة من الأصدقاء.
في تلك الحكايات، تنبع طبيعتها من تنوعها وكونها تتناسب بقدر كبير مع حكايات أوروبا، وتثري أدبنا لوصف المشاهد التي لا يمكن حتي تخيلها في إسبانيا، مثل تلك التي في الغابة الأمازونية، وسلسلة جبال الأنديز واتساع سهول البامبا، وسهول الهضاب المدهشة، وهي لا تجسد فقط مناخاً طبيعياً مختلفاً، لكن أيضاً عادات لجماعات عرقية أخري. وواقع اجتماعي مختلف، وتصريحات عما تتميز به اللهجات العامية الخاصة بها.
لا ننسي أن كولومبوس عندما وصل إلي أمريكان قارن الطبيعة فيها بالفردوس. وفي هذه الحكايات الخرافية أيضاً ظهر الإنسان ابن البلد أو الخلاسي، لكن ليس فقط كشخصية، بل كنموذج لرؤية العالم.
الحكايات الخرافية تقدم لنا ثراء بالغاً أكبر من الأدب. في القارة الأمريكية تقريباً، الشيء الوحيد الذي بقي من ماضي أبناء البلد هو بعض من أساطيره. فالحكايات التي بقيت وتسامع بها الناس، قد قدمت ذلك الإنسان، علي أنه ظل أسير تهميشه الباعث علي الاكتئاب. وليلتمس ما يعينه علي تأكيد هويته دون الوصول إلي الوعي بكل العناصر الجديدة والأجانب الذين عليه أن يمتزج بهم. هذه الثروة، مع كل ما عند الخلاسي، انتشرت في كتابات كثير من الكتاب الأمريكيين اللاتينيين والتي اجتمعت أعمالهم كما هو الحال عند ثيرو أليجريا، مؤلف هذا الكتاب الذي سيصدر بترجمة عربية في المركز القومي للترجمة.
وثيرو أليجريا ولد في بيرو في عام 1909 وتوفي في عام 1967 كرس حياته للدفاع عن الإنسان، وكان أحد مؤسسي أهم حزب سياسي في بلده، عمل في المطبعة الوطنية، وصحيفة الشمال، الصناعة ولاتريبونا (المنبر) قبل أن يعيش منفياً في شيلي لنشاطه السياسي.
في كل أعماله الروائية والقصصية يعالج التيمة نفسها علي الرغم من النظر إليها من زوايا عديدة: موقع الشخص ابن البلد محاصراً بقوي مما يسمي بالتقدم، وبجزء من قصته «الطوف» صاغ منه حكاية »مارانيون» وكبَّرها بشكل معقد وبتوسع. وفي عام 1935 كتبت رواية «الأفعي الذهبية»، وفي هذا العمل ضمنه ذكريات طفولته، وتقاليد تنتمي للتراث الشعبي، وطقوس وأساطير.
الثعلبة والنمر الأمريكي
حكاية خرافية من البرازيل
في يوم من الأيام، الثعلبة التي كانت موجودة وتتجول في الغابة، سمعت صوتاً مبحوحاً غريباً: أوخ، أوخ، أوخ... قالت لنفسها:
ماذا سيكون ذلك؟ أذهب لأري .
بعد أن اجتازت في سيرها بين بعض الأشجار الضخمة وصلت إلي مكان مليء بالصخور، واستطاعت أن تري من خلاله ما الذي جري. وكان ذلك أن النمر، كان محبوساً في حفرة، وما إن ميزها حتي قال لها:
لقد وقعت داخل هذه الحفرة، ولا أستطيع الخروج، إذ إن هذه الصخرة تدحرجت ورائي، ساعديني في أن تزيحيها.
الثعلبة عاونته في إزاحة الصخرة، والنمر خرج. وعند ذلك سألته هي:
بم ستكافئني؟
النمر، الذي كان جائعاً، قال لها:
الآن سآكلك.
لم تكن الثعلبة تنتظر منه هذا السلوك، ولم يكن لديها الوقت للهروب، لأن النمر بالمقابل سيلحق بها،ادرك ذلك بسرعة، فسألها هذا السؤال:
كيف يكون رد الجميل؟
أجابته الثعلبة: رد الجميل بجميل. وهنا بالقرب منا يعيش رجل عليم بكل شيء، هيا بنا لنسأله.
أطلق سراحها النمر وقال:
حسناً، هيا بنا.
سارا مسافة طيبة في الغابة، ثم اجتازا مزرعة موز، وعلي الفور وجدا الرجل، والذي كان واقفاً بباب كوخه. والثعلبة حكت له أنها أخرجت النمر من الحفرة وهو لكي يكافأني، يريد أن يأكلني. والنمر فسر له ما يراه هو:
أردت أن آكلها لأن رد الجميل يكون بالشر.
عندئذ قال الرجل:
حسناً، هيا بنا لنري الحفرة.
خرج الثلاثة، وعند وصولهم للحفرة، قال الرجل للنمر:
والآن، ادخل في الحفرة لأنني أريد أن أري كيف كنت.
والنمر دخل، والرجل والثعلبة دحرجا الصخرة والنمر الآن لا يستطيع الخروج. وعندئذ نبهه الرجل:
والآن تبقي هنا لتعرف أن الجميل يكافأ بالجميل.
والنمر بقي مسجوناً، والآخران انصرفا.
ومن هذه المرة، النمر، الذي لم يستوعب الدرس، فكر في أن ينصب فخاً للثعلبة.
2
وفي أحد الأيام، رأت الثعلبةُ الرجلَ الذي أنقذها مقبلاً في الطريق، فقالت: هذا رجل طيب، فلأذهب لأتسلي معه.
ارتمت في الطريق الذي لابد سيمر به الرجل وتظاهرت بأنها ميتة. والرجل رآها وقال:
الثعلبة المسكينة!
حفر حفرة، وألقي بالثعلبة فيها، ثم غطاها بقليل من التراب ومضي.
والثعلبة خرجت من الحفرة وجرت خلال الغابة، وسبقت الرجل وارتمت في الطريق وتظاهرت بأنها ميتة.
وعندما وصل الرجل إلي حيث كانت موجودة قال:
ثعلبة أخري ميتة! مسكينة!
أبعدها عن الحقل، وغطاها بأوراق ومضي.
والثعلبة جرت مرة أخري خلال الغابة، وسبقت الرجل وارتمت في الطريق، متظاهرة بأنها ميتة.
وصل الرجل إليها وقال:
لماذا يتخذ الموت شكل الثعلبة؟
وأزاحها بعيداً عن الطريق ومضي.
وعادت الثعلبة جرياً وعاودت من جديد التظاهر بكونها ميتة في الطريق.
وصل الرجل إليها وقال:
يحمل الشيطان شكل ثعلبة ميتة.
أمسكها من ذيلها ورماها وسط الحشائش.
عندئذ قالت الثعلبة:
لا يجب أن نتجاوز الحد لمن يحسن إلينا.
3
النمر، بعد بذل جهود عديدة، تمكن من إزاحة الصخرة وخرج من الحفرة. وعند ذلك لم يفكر سوي في أن ينتقم، وقال:
والآن عليَّ أن أمسك بالثعلبة.
شرع في التمشية وتوقف في أكثر بقعة متشابكة الأفرع في الغابة، وسمع جلبة:
تكسان، تكسان، تكسان...
تمشي حتي المكان الذي توقع أن الجلبة أتت منه. ورأي أن الثعلبة تلتهم بشراهة النبات المتسلق، أو ربما تكون فروع شجر متينة ومرنة.
لزوم الجلبة، أن الثعلبة هي وحدها التي عملت حساب حضور النمر، وعندما صار بالفعل قريباً جداً وبات من المستحيل أن تهرب. وعندئذ قالت:
أنا ضعت: فالآن النمر هو من يعرف أنه سيأكلني.
لكنها سرعان ما فكرت له في خطة، وهكذا، قالت لعدوها:
رياح عاصفة سوف تهب علينا؛ ساعدني في انتزاع بعض فروع الشجيرات المتسلقة ولفها حولي أنا وشجرة، إذ أن مواجهة الريح يمكن أن تعصف بي. والنمر ساعدها في انتزاع النبات المتسلق، وخائفاً أيضاً من العاصفة القوية قال للثعلبة:
لفي حولي أنا الأول، فكما أنني الأكبر، يمكن للريح أن تطيح بي أمامها.
والثعلبة ردت عليه بأن عليه أن يحتضن جذعاً ضخماً، ثم بأفرع أكثر طولاً وشدة، قيدت رجليه ويديه علي الجذع.
هل تسمع؟ إنها عاصفة هائلة. قالت الثعلبة.
قيديني جيداً أجابها النمر الذي بدا له حقيقة أن إعصاراً يهب. وعندئذ لفت الثعلبة عدة مرات بإحكام جسم النمر لصق الجذع. الذي كان لشجرة ضخمة جداً، ومورقة بغزارة.
بعد ذلك قالت:
والآن عليك أن تبقي هنا، أما أنا فذاهبة...
وبقي النمر هناك مقيداً والثعلبة مشت.
ولم تأت أية ريح.
4
مرت أيام وجاءت الفئران وأخذت تعمل جحرها في قمة الشجرة التي كان النمر مقيداً بجذعها.
الفئران أخذت تطلع وتنزل بجانب الجذع الذي لا يجدون عليه جسم النمر.
وهو قال لهم:
آه يا فئران! لو تصنعون لي جميلاً وتقرضون سريعاً هذا الحبل من الفروع وتخلصونني.
والفئران ردت عليه:
لو أننا خلصناك ستقتلنا.
ولكن النمر وعدهم:
لن أقتلكم!
والفئران قضت الليل بطوله تقرض الفروع وفي اليوم التالي كان النمر حرَّاً.
ولما كان جائعاً بما فيه الكفاية، لم يعمل مشكلة بالنسبة لوعده وأكل الفئران. وبعد ذلك مضي باحثاً عن الثعلبة.
5
لو أن عدوك صنع لك شيئاً وقال إنه في صالحك، فأنت في خطر!
ربما كان ذلك واحداً من الأمثال للثعلبة.
وفي تلك الأوقات كانت لديه فرصة للإمساك بها وهي تسير وحدها في الليل، إذ إنها كانت تمضي ولديها خوف بالغ من النمر.
وهذا الذي ظل يطاردها بلا فائدة توصل لحل بأن يعمل لها فخاً يصطادها به. أقام فخاً في الطريق الذي اعتادت الثعلبة أن تمر به ولكي ينافق الثعلبة، كنس مسافة من الطريق.
وعندما أتت الثعلبة قال لها:
لقد نظفت طريقك بسبب الأشواك وإذاً، فأنت تستطيعين أن تدوسي عليها إذا لزم الأمر في الظلام.
والثعلبة وافقته علي حكمته، غير مصدقة له وقالت:
سر أنت أمامي.
وسار النمر وأفسد الفخ المنصوب.
استدارت الثعلبة للوراء وانطلقت هاربة.
6
الصيف كان شديد الحرارة، والشمس جففت الأنهار كلها، ولم يبق سوي بئر هو الذي به الماء.
النمر قال:
الآن سأمسك بالثعلبة، ولذلك سأذهب في انتظارها في البئر الذي فيه ماء.
والثعلبة أتت عند البئر ترقب باحتراس اكتشافها للنمر الذي يقف لها بالمرصاد. ولا تستطيع الاقتراب لذلك، وراحت تفكر ما الذي عليها أن تفعله لكي تحصل علي قليل من الماء.
وفي الطريق جاءت امرأة تحمل جرة عسل نحل علي رأسها وسلةً علي ذراعها وعندئذ، الثعلبة، التي لا تعرف إذا ما كان بالجرة عسل نحل أم ماء، أم لبن، فقالت:
لو أن المراة مالت براسها فسينسكب السائل، وإذا أرادت أن تمسك بي فعليها أن تترك الجرة علي
أسطورة أي أي ماما
من زمن، زمن طويل، كانت تعيش علي ضفاف رافد من نهر نابو. النهر الذي يزحف متوغلاً داخل الغابة حتي يصب في مياه الأمازون. القبيلة الجبارة لكاشيك كورانكي. وكان لديه مثل كل السكان الاصليين من الهنود الحمر كوخ قائم علي جذوع النخيل مسقوف بالجريد والسعف من نفس النخيل. هناك كان يعيش مع زوجته التي كانت تسمي نارا وابنتهما الصغيرة. طيب: هي الكلمة الوحيدة التي كانت تقال لأن كورانكي، بالتحديد، لم يكن تقريباً يتواجد في البيت. كان رجلاً قوياً وشجاعاً . يجوس طوال الوقت في قلب الغابة بين من يتحركون بخفة للصيد والحرب.و حيث تقع عيناه علي طريدة يرشق السهم ويطيح بقدرة جائر بهراوة لها صلابة الحجر ببط بري، وأيائل، وغزالات تسقط بالجسم المخترق. وأخري من نمر، والتي تحاول أن تقفزهربا منه وقد اذهلتها المفاجأة، وبينما يتجول في ارض الغابة حاملاً جمجمة مضروبة بهراوة يهرب منه الأعداء الهنود.
نارا كانت بالغة الجمال، ومجتهدة في شغل البيت ومثل كورناكي في القوة والشجاعة، تمتلك عيناها العمق الذي للأنهار و بفمها تلمع حمرة متقدة لفاكهة ناضجة وشعرها البراق يفوق السواد الحالك لجناح طاووس. ولجلدهاالمصقول نعومة خشب الأرز. وتعرف كيف تفصل الثياب وتخيطها، و كذلك عباءات من القماش القطني. وتجدل شباكاً للسرر المعلقة من ليف نخيل شامبيرا، وهوليف بالغ المرونة. وتصنع قدوراً وأباريق من الفخار. وقادرة علي زراعة أرض قريبة من كوخها حيث فلحت زراعة الذرة واليوكا، والموز.
والابنة الصغيرة، مازالت بالغة الصغر. تنمو مكتسبةً القوة من كورانكي، والجمال من نارا. وهي مثل زهرة الغابة الجميلة.
وها هو هناك التشوياتشاكي الذي يحاول ان يقتحم حياتهم ليفسدها. إنه جني الغابة الشريريظهر بهيئة بشرية، لكنه يختلف بأن له رجل إنسان، ورجل عنزة أو أيل. ولا يوجد أكثر فساداً منه. وهو بلوي للهنود المعدمين، والشغالين البيض الذين يذهبون إلي الغابة لقطع أشجار الموجنا أو أشجار الأرز، أو لصيد العظايا وثعابين الأناكوندا للانتفاع بجلدها، أو استخراج الكاوتشوك من الأشجار التي تحمل نفس الاسم. والتشوياتشاكي يغرقهم في بحيرات أو أنهار، ويضللهم في تعقيدات هائلة في الأدغال أو يهاجمهم بواسطة الحيوانات المفترسة، ومن الشؤم العبور في طريقه، لكن أسوأ من ذلك أن يعترض هو طريق احد .
وذات يوم التشوياتشاكي مر في وسط الأكواخ التي يسكنها الكاثيك ولمح نارا. رآها فوقع في حبها، وعمل كل شيء من اجل ان ينالها. كما كانت له القدرة علي أن يتخذ شكل الحيوان الذي يريده، فيحول نفسه في بعض المرات إلي طائر وفي مرات أخري إلي حشرة ليكون قريباً منها ويتطلع إليها كما يحب دون أن يفزعها. لكن سرعان ما تعب، وأراد أن يحملها بنفسه غصبا، فاستعاد هيئته، وحتي لا يظهر أمامها عارياً نجح في أن يخفي نفسه ويقتل هندياً بائساً كان موجوداً هناك للصيد وسرق منه عباءته و كانت طويلة فأخفت رجله، رجل الأيل. وهكذا تنكر، واتجه إلي النهر واستولي علي قارب كان لطفل صغير طلب أبواه منه أن يجمع لهما بعضاً من الأعشاب الطبية،لعلاجهما وكان قد ترك قاربه عندالشاطئ.
شرير مثله، لا يهمه حياة انسان ولا حتي حياة الطفل، الذي تحتم عليه أن
الباخرة الشبحية
عبر الأنهار الأمازونية الهادئة تعبر باخرة شبحية، في محاولات غامضة مصاحبة للظلمة، إذ أنها ودائماً توجد في الليل. وتكون بشكل عجيب مضاءة بأضواء حمراء، كما لو أن بداخلها حريقاً. وهذا التجهيز العجيب بموائد وهي التي في الحقيقة سلاحف هائلة، وسرر معلقة وهي ثعابين الأناكوندا، وزوارق هي تماسيح عملاقة، وأفراد الطاقم من ملاحيها هم دلافين انقلبوا رجالاً. وهكذا أسماك سمينة، يسمونها أيضاً الدلافين لا يصطادها أحد، والقليل من يأكلها. أما في أوربا فالدلفين هو طبق الملوك.
وفي الغابة الأمازونية، يمكن رؤيتها تسبح بالعشرات في طابورعلي سطح مياه الأنهار والبحيرات، تظهر وتختفي واحداً وراء الآخر. بإيقاع هاديء إلي جوار قوارب الصيادين، ولا أحد يجرؤ علي أن يصطادها لأنها اسماك مسحورة، وفي الليل تتحول رجالاً، وفي المدينة كيتو، ينضم الدلفين الذي تحول الي رجل لحفلات الرقص، يغازل ويتبادل الحب مع الجميلات. أتحدث عن واقعة الفتاة التي كانت متعلقة حتي الفجر بالرجل الذي يقوم بدور العاشق، ورأيت بشكل مرعب كيف أنه تحول إلي دلفين. وحدث أيضاً أن الرجل السمكة نفسه كان منجذباً للجميلة إلي الحد الذي نسي فيه ظرفه الشخصي، مع مراعاة ما يتناسب معه، فهؤلاء الزائرون تعودوا أن ينصرفوا من التجمعات قبل أن يشقشق نور الفجر. أعرف عن خواصه لأن كثيرين قد واصلوا ورأوا أنه، في مرة وصل شخص ما إلي البيت، فخرجوا إلي النهر وألقوا بأنفسهم في المياه مستعيدين هيئتهم، هيئة الأسماك.
والباخرة الشبحية كانت إذاً مجهزة بطقم من
الأرض.
ارتمت علي الأرض حيث كان علي المرأة أن تمر، وتظاهرت بأنها ميتة. والمرأة لفت حولها وواصلت السير.
جرت الثعلبة بين الحشائش وسبقت المرأة، وأمامها تظاهرت مرة أخري بالموت في عرض الطريق. والمرأة لفت حولها وواصلت السير.
عاودت الثعلبة الجري بين الشجيرات وسبقت المرأة وصارت أمامها، ومرة أخري تظاهرت بالموت في عرض الطريق. وصلت المرأة إليها، وما إن رأتها حتي قالت:
لو أنني حصلت علي الثعلبتين الأخريين، أكون حصلت بالفعل علي ثلاثة. وجلدها يمكن أن ينفعني...
أنزلت جرة عسل النحل، ووضعت الثعلبة في السلة، وتركتها هناك حتي لا تحمل ثقلها وعادت في النهاية لتأتي بالثعلبتين الأخريين ولم تجدهما، فكرت بأنهما أبعد في الخلف، حيث خلفتهما، ومضت في بحثها، وفي كل مرة تبعد أكثر.
في هذه الأثناء قفزت الثعلبة من السلة، ورأت أن ما في الجرة كان عسل نحل، أخذت منه ودهنت نفسها وفوق العسل ألصقت أوراق شجر خضراء. وهكذا فكرت. ذهبت إلي البئر وتمكنت من أن تشرب الماء بعد ذلك تركها النمر تمر. لكن عندما كانت في الماء ذاب العسل والأوراق وقعت، وبالتالي تعرف النمر عليها.
وعندما أراد أن يقفز عليها انطلقت هاربة.
7
الثعلبة التي لم تستطع التنكر بأوراق الشجر الخضراء، استبد بها العطش مرة أخري. قالت لنفسها:
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
وعندئذ ذهبت إلي شجرة غزيرة الراتنج، وغطت نفسها جيداً بالراتنج. حامت داخل الأوراق الجافة التي التصقت بالراتنج، وهكذا وهي متنكرة توجهت إلي البئر.
والنمر الذي كان مرتاباً، سأل:
من تكون؟
أنا الحيوان ذو الأوراق الجافة. أجابت الثعلبة.
تذكر النمر عندئذ ما حدث في المرة السابقة وحتي لا يتركها تخدعه أمرها:
ادخلي الماء، وبعد ذلك اشربي.
والثعلبة دخلت؛ ولم تسقط الأوراق لأن الراتنج لا يذوب في الماء salio، وبعد ذلك شربت.
وهكذا حدث دائماً خلال هذا الصيف. إذ أن النمر بقي مقتنعاً بأن من يشرب كان حيوان الأوراق الجافة. وعندما حان موسم المطر غادر مكان حراسته قائلاً:
لن تعود الثعلبة بعد ذلك. فمن المؤكد أنها ماتت من العطش. لكن بعد أيام قليلة ميزها علي البعد في الغابة، إذ إن الثعلبة كان عندها الماء من الأنهار والترع وليست في حاجة للذهاب الآن إلي البئر. ومرغت نفسها في الأرض حتي تنزع الأوراق والراتنج.
والنمر ثار غاضباً وقال:
عليَّ أن أقبض علي الثعلبة.
8
فعل النمر كل ما يمكنه أن يفعله لكي يحقق كل أغراضه. ونهاراً وليلاً يواصل الوقوف بالمرصاد للثعلبة في الأماكن التي اعتادت أن تصطاد، وتنام، وتمشي فيها. وأبداً ما وقع بنفسه عليها. والثعلبة التي تتمتع ببصر، وحاسة شم، وسمع حاد، تكتشفه دائماً من خلال صوت دوس أرجله، رائحته الحامضة، وبريق عينيه في قلب الظلمة فتشرع في الجري بما لها من تفوق والنمر لا يستطيع اللحاق بها.
إلي أن حدث في يوم، وبعدما كان النمر قد فكر كثيراً، قال:
سأشرع في التظاهر بأنني ميت. والحيوانات ستأتي لتري إن كان هذا حقيقيا. والثعلبة ستأتي أيضاً وعندئذ سأطبق عليها.
والحيوانات كلها ما إن عرفت أن النمر قد مات، حتي ذهبت إلي كهفه ودخلت فيه وهي تطيل النظر إليه كثيراً، وقالت:
النمر قد مات، وسنقدم الشكر ل توبا (إله الغابة) والآن يمكننا بالفعل أن نتجول...
والثعلبة ذهبت أيضاً إلي الكهف، لكنها لم تدخل، وسألت من الخارج:
هل عطس بالفعل؟
وردت الحيوانات:
لا.
وعندئذ حذرتهم الثعلبة:
أنا أعرف أن المتوفي، وهو يموت، يعطس ثلاث مرات.
والنمر سمع، ودون أن يدرك نوايا الثعلبة، عطس ثلاث مرات.
والثعلبة ضحكت وقالت:
من رأي مطلقاً أن كائناً عطس بعد موته؟
وانطلقت هاربة، وبالمثل فعلت الحيوانات كلها.
وحتي الآن لم يتمكن النمر أن يمسك بالثعلبة، لأنها مكارة جداً.
أسطورة شجرة التين الشوكي
أسطورة من المكسيك
شجرة التين الشوكي واحدة من النباتات المعروفة أكثر في أمريكا الجنوبية، ويندر أن توجد البلدة الأمريكية التي لا تنمو فيها تلك الشجرة.
وفي بعض البلاد مثل شيلي أو بيرو تعرف باسم شجرة الصبار أو التين الشوكي أو لها أسماء مختلفة.
وما تزال فوق الصخور، في الأراضي القاحلة، هناك حيث لا تثمر زراعة نباتات أخري، تنمو بشكل شيطاني النباتات التي يتحمل قسوة التربة والمناخ كلها.
يبلغ طولها أكثر أو أقل من عشرة أقدام. أما أوراقها البيضاوية فكبيرة ولحيمة، خضراء اللون بشكل فريد، تحيط بها الأشواك، وتنمو علي حوافها أوراق اخري، بطريقة شديدة الغرابة.
وعلي الأوراق تنمو الأزهار التي تتخلق منها ثمار ناضجة لها قشرة صفراء، وداخلها وردي اللون.
والثمرة تتخلق أيضاً شائكة بسبب الأشواك التي تحيط بها، وذلك ما يجعلها تبدو غير محببة، لكن ما إن تقشرها حتي تجدها وقد أعطتك لحم الثمرة طازجاً وحلواً.
لا أحد يمر عبر أراضي أمريكا الجنوبية ويفوته أن يتذوقه في فرصة سانحة. كما نكرر، أنها تزدهر في بلادنا كلها. ومثل هذه الثمرة أكثر ندرة مما هو في القارة الجديدة، حيث من إقليم لآخر يوجد هناك اختلاف كبيرفي الطقس، وبالمثل في النباتات.
الا انها المكسيك حيث هي بالتأكيد، الأكثر وفرة، و شعارها يحتوي بداخله علي رمز وطني.وفوق شجرة التين الشوكي يرتكز بثبات النسر بجناحين منبسطين قليلاً والذي يوقع في أسره أفعي وهي أيضاً من المكسيك حيث ماتزال معروفة الأسطورة الأزتيكية القديمة والجميلة التي تحكي أصل حكاية شجرة التين الشوكي.
هكذا يقولون:
جري في البداية عندما كان الميال للحرب المتوحش «هويتزيلو بوتشتلي»، إله الحرب قد ترك أخته «مالينا لكسوتشتلي»، ليرحل بعيداً كي يؤسس مملكة لشعبه. تركها، اسمها يعني زهرة مالينالي (وهو نبات ليفي تتخذ منه أليافه الخيوط للنسيج) واقام في إقليم جبلي وبدائي، أسفاً علي حظه السييء، مصحوباً بأعداد من رعاياه. لكنه كان جسوراً وشجاعاً ونجح في تأسيس مملكة مالينالكة، كم أحب أن يقول المكان الذي توجد به مالينالي.
أما أخوه كوبيل الاسم الذي يعني: تاج، فقد كبر وهو يسمع من بين شفتي أمه الحكاية عن عمل »هوتيزيلوبوتشتلي» السييء. وفي صدره، تنمو يوماً بعد يوم، الرغبة في أن يتقابل مرة مع الإله القاسي.
ومرت السنوات.
وجاء الوقت الذي تحول فيه كوبيل إلي شاب شجاع له شعر أسود، وجسم رياضي، ماهر في كل فنون الرماية، سواء في الصيد أو في الحرب، يسمع تأوهات أمه، وقد أقسم علي أن ينزل العقاب بمن أذاها، وحسب حسابه للحظة التي لابد أن يقوم به.
كان قوياً وثابت العزم وبدا له أن لا أحد سيستطيع أن يحول بينه وبين أن يحقق أهدافه.
وفي أحد الأيام حمل كوبيل درعه، وحربته المتعددة الرؤوس، ورحل بحثاً عن «هوتيزيلو بوتشتلي».
لكن قبل أن نواصل الحكي قدماً مع مغامرة كوبيل، يبدو لنا إننا في حاجة إلي أن نعطي فكرة عمن هو »هوتيزيلو بوتشتلي».
واسمه، كما يري آخرون، الثعبان الشرير، مرعب، وكئيب. ودون الدخول في اعتبارات عن أصل الاسم، يقول إن إعطاء شخصية «هوتيزيلوبوتشتلي»، المعني الثاني سيأتي أفضل.
كان إلهاً قاسياً،وهو الذي يفرح بالحرب، بالدم وبالموت. ومن المتوقع أنه عند مروره بالبلاد فما يبقي منها ليس سوي أسطورته. وهو يدخلها بالفعل بثبات دون أن يهتز، متحولاً إلي تمثال صارم لصنم معبود، وأهل الازتيك أقاموا عالياً المعابد حيث يعبدونه، لانتصاراته الأكثر غرابة وطقوسه الوحشية واعتقاد الهنود جعلهم يتصورون »هوتيزيلوبوتشتلي» كما لو أنه الشمس، والتي في كل صباح تخلص من الصراع مع القمر والنجوم وفي النهاية تكسب يوماً جديداً للشر.
ولكي ينهض بإتمام هذا الصراع الهائل، وما يضاف إليه، لابد أن يكون إلهاً. كان عليه أن يتغذي بخلاصة الحياة من رجل، ويقال من القلب، والدم، لذلك يقدمون له قرابين بشرية.
عندما وصل كورتيس؛كان هذا الطقس قد وصل إلي أقصي ذروة له.
وعاماً بعد عام قدمت إلي هوتيزيلوبوتشتلي الذبائح البشرية كقرابين من آلاف البشر الأحياء، العبيد غير النافعين والأسري من الحروب والذين كانوا في تقديره موتي.
وليكون لديه وفرة من الضحايا، الأزتيكيون، الذين اعتبروا أنفسهم الشعب المختار لخدمة الإله، أشعلوا حروباً، ليس ليخضعوا شعوباً جديدة، وليس للحصول علي أموال تفرض عليهم، بل للغرض الوحيد وهو جلب أسري مصيرهم أن يقدموا كقرابين.
وتلك الحروب اتخذت الاسم من الحروب المزهرة، وبسببها كان علي القبائل المجاورة أن تتعرض بقسوة لتخريب منظم.
وكورتيس، وأتباعه راحوا أيضاً، طامعين في تقديم القرابين، إلي هوتيزيلوبوتشتلي. وفي النهاية ليأخذوهم أحياء، والهنود اكتشفوا بشجاعة أسلحة البيض، وهم يعانون من الجزارين الحقيقيين دون الوصول مطلقاً إلي أن يأسروا واحداً من الإسبانيين ليقدموه قربانا.
لقد كان الطقس الذي سبق ذكره بالغ القسوة.
ولقد حل اليوم، الضحايا كانوا مقيدين، أمام الإله، فوق مذبح من الحجر يشكل بحيث يجعل الزور بارزاً.
وبعد ذلك يأتي الكاهن وهو مزود بسكين حجري، وبضربة واحدة يشق الصدر وتخترقه اليد منتزعة القلب وتقدمه ومايزال ينبض إلي المتوحش هوتيزيلوبوتشتلي.
وعندما يكون الأسير الذي سيقدم قرباناً، ذا شأن لشجاعته، يقدم نفسه كقربان مصارع. وتتكون من إقامة مصارعة الضحية لكي تنال شرف السقوط وهو يصارع، أو أيضاً من أجل أن يتيح له الفرصة بأن ينجو.
والأسير عليه أن يتصارع مع أربعة فرسان أزتيك مسلحين بسيوف مع مطاوي/ مديً من الصخور فوق حافتها، لكن، تلك التي عليهم أن يعطوها له، لا يمتلكها، وفي المقابل، يعطونه كرات صغيرة من الزغب والذي أريد منها أن تدل علي أنه سيكون الضحية.
وكفيله في المصارعة، والذي كان يرتدي فراء دب سلمه أيضاً أربع هراوات من خشب الصنوبر لكي يرمي بهم خصومه.
واحداً فواحداً يمضي الفرسان الأزتيك الأربعة ليواجهونه في المصارعة الي ان يهزموه.
ولو تصادف وتغلب الأسير علي المصارعين الأربعة، يخرج له مصارع أزتيكي خامس. والذي كان أعسر، ومكانته بوصفه كبير المصارعين نالها لانه اجهز علي مصارع قوي. ومسألة كونه أعسر، تعطيه ميزة خاصة، إذ أن المحاربين، كما هو أمر طبيعي، اعتادوا علي أن يتقاتلوا مع خصوم يستعملون السلاح باليد اليمني.
لكن كان هناك محارب من قبيلة التلاكسكالتيكاس، يسمي تلاويكولي، والذي تغلب علي المصارعين الخمسة. والأزتيك أعجبوا بشجاعة وبراعة المبارزة، ولهذا فقد عفا عنه.
وبعد فترة من الزمن تلاويكولي تلقي أمراً من القوات الأزتيكية في حملة ضد هنود أشداء. إلا أنه عندما انتهت الحرب، فضل الموت علي أن يبقي أسيراً ويصير في النهاية قرباناً.
بعد ذلك، حرم كورتيس هذا الطقس البربري، لكن من أراد في الأول أن يكمل مع إله الحرب كان كوبيل.
هيا بنا ونعود، بعد ذلك، لأسطورتنا.
لقد تحدثنا بالفعل عن أن ابن مالينالكسوتشيتل ترك بيته كي يذهب في اثر الإله هوتيزيلوبوتشتلي. وكل العراقيل التي كان في قدرة الطبيعة أن تعترضه بها، كانت واهية أمام قواه وشدته. مشي بالنهار وبالليل، مخلفاً وراءه، هضاباً، وغابات، وسهولاً.
مستنيراً ب »الشمس الأمريكية المزهوة« التي أنشدتها جابرييلا ميسترال، في القمر واليراعات، تلك اليراعات الهائلة التي تنسج ألف خيط منير في الليل الاستوائي الحالك. مشي دون أن يستريح حتي صعد في النهاية إلي المناطق الخصيبة التي سكنها المكسيكيون. ففيها تنمو الذرة بخضرة أوراقها الزمردية وكيزانها الكبيرة المكتنزة.
متحمساً كما هو، راح كوبيل ينادي بضرورة استئصال هوتيزيلوبوتشتلي وناسه لكونهم عناصر دموية، مؤذين، وقساه...
بعد أن اجتاز المنطقة الخصيبة، وصل في النهاية إلي تشابولتبك، البلدة التي كان موجوداً بها هوتيزيلوبوتشتلي.
وكوبيل اختبر الميدان وكل الرموز التي تلعب دور الشيوخ لكي يعرض الموقف ويقدر ما الذي لن يستطيع القيام به وحده علي اكمل وجه ، وبذلك سيكون من الضروري له أن يساعده المحاربون التابعون لمالينالكو.
تشابولتبك، مقر إقامة إله الحرب عبارة عن جبل حيث توجد الآن قلعة ومتنزه رائع في مدينة المكسيك، وفي تلك الأيام كانت هناك جزيرة في بحيرة مالحة في تكسكوكو.
ذهب كوبيل إلي مالينالكو طالباً الاجتماع مع المحاربين التابعين له، وعاد مع ألف منهم حتي يساعدوه في الوفاء بما أقسم عليه، إلا أن أهدافه سرعان ما كان علي معرفة بها هوتيزثيلو بوتشتلي. ولذلك، مثلما حكينا بالفعل، راح الشاب يعلن بصوت عال أهدافه.
الإله المتوحش امتلأ قلبه بالغضب، ولم يستدع محاربين لملاقاة كوبيل، سوي أنه استدعي الكهنة الذين أعطاهم هذا الأمر:
انتزعوا قلبه وقدموه لي كقربان.
عرف الكهنة أن كوبيل كان قد أقام معسكره بالقرب من محاربيه. وفكروا بتأن حول العمل الذي يتفقون أكثر عليه، وعزموا علي الانتظار حتي الليل، وهي المرة الوحيدة التي ضيقت الخناق فيها أشباح ليلية علي تشابولتبك ونواحيها، جذفوا في سكون في مياه البحيرة القاتمة وبعدها خرجوا إلي البر متجهين إلي المكان الذي يأملون ملاقاة كوبيل فيه.
نام القائد، والمحاربون ناموا.
تقدموا بحرص شديد منهم ألا يثيروا جلبة بين الأجساد المخدرة في نوم عميق نتيجة التعب من السير، عثر الكهنة في النهاية علي ابن مالينالكسوتشتل.
اقتربوا منه في هدوء، وبالخبرة التي يمتازون بها، فتحوا بسكين صدره وأخرجوا القلب. وكوبيل لم يستطع أن يطلق أكثر من آنة، وفي الفجر استيقظ المحاربون التابعون لمالينالكو وانتابهم ذهول مهول عندما وجدوا أنفسهم بدون قائد. وكان الكهنة قد عبروا خلالهم مرة أخري، بالحرص نفسه في الذهاب دون أن يحدثوا ضجة أو يتركوا أثراً واحداً. وأمام الأعين المذهولة من جنوده، جثة كوبيل كانت مسجاة،و في الصدر القوي، الجرح الهائل حيث يؤخذ منه القربان ويقدم ليجدد الحياة لإله لا يرحم.
وفي الفجر أيضاً وصل الكهنة عائدين إلي تشالولتبك، وفي وعاء يستعمل للاحتفاظ بالدم، سلموه إلي هوتيزيلوبوتشتلي قرباناًداميا أحمر.
أما الإله، فبعد أن جدد حياته، وشفي غله، بينما ينظر إلي قلب كوبيل أمر الكهنة أن يذهبوا ويدفنوه قائلاً لهم:
ادفنوا قلب كوبيل في تلك الصخور التي تظهر بين دغل الأعشاب الضارة في قلب البحيرة.
وفي الليل، ذهب الكهنة إلي المكان الذي حدده الإله. ودفنوا القلب بين الصخور. وبذلك اعتقدوا أن كوبيل قد تم القضاء عليه. وانتهي أمره للأبد، لكن في اليوم التالي، رأوا وهم في ذهول، أنه قد انبعث نبات جميل في مكان الدفن، هناك حيث كانت صخور عارية وأفرع جافة. كان قلب كوبيل قد تحول إلي شجرة تين شوكي قوية لها أوراق بيضاوية وأزهار لحيمة.
هكذا كانت الأسطورة.
بعد ذلك، هذا النبات رسم فوق شعار الأزتيك، ثم شعار الجمهورية.
رأوا فيه ما يستحق أن يكون مثالهم الجميل، والقوة التي له كرمز.
وهو، حينئذ، من قلب الشجاع العادل كوبيل، من شجرة التين الشوكي، التي يحملها النسر المكسيكي بفخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.