موقف الهايكو ما من ليلٍ بصلصال.. بل ماءٌ يجري عكس بخاره، ولا يسجد لقاعِهِ إلا في جسد. الليلُ.. ما أكثر سفنهُ مراوحهُ حاناتهُ ضفائرهُ قصائدهُ مياههُ الفوارّة. الليلُ في الليل.. والكثافةُ في السهر. حيث تأتي الأصواتُ مُنقطةً مع اللغاتِ وصحائفَ الزهورِ التي انقض النَحْلُ عليها، ولم يُبق منها للغريب سوي الجدرانِ. يا أيها الليل صاح. ولما أمسكتْ بهِ هائجةً في موقف الهايكو../ وهي تغمدهُ بنبضّها سائلةً: من أيّ الطوائف الموسيقيةِ أنتَ. واخبرني عمّا فيكَ من رعدٍ وبوب وموشحات. ولماذا كلما رقصتَ قرب هودجي. تدورُ بكَ الآفاقُ حتي الانتعاش. فتحطم السلالمَ الموسيقية تحت جلدي. فردَ عليها وهو يهمسُ في مقطعها العرضي منتحباً: أنا من طائفةِ الرمال المتحركة ِ. أتموسق بعد كل انكسار. وأجري في الشغف.. لئلا تفوتني مواليدُ الهشيمِ في الأوبرا. موقف العقرب كان ارتفاعه حتي قبل بلاغة الغلاف. وناظراً في خطواتهِ البعيدة. كانت تراهُ بين أشجارهِ اللا مقفاة هائماً يبني كتباً. فسألتهُ: متي تكون الحكمة طارئةً. فأشار لدماغه بالانصراف وهو يخاطبها: دعي زمنكِ جارفاً بنهركِ. ولتكن شهقتكِ بلا ظلالٍ في موقف العقرب../ سيختفي الجسدُ سيذهبُ. وتحت لحاء قبّتكِ، ستنمو أصواتُ مخطوطاتنا مع الأديم. هي هجراتنا لتتصادمَ.. هو هجرُنا ليخمدَ.. فلا تحادثي حكيماً لكِ في الهجران. كلّ تركةٍ في الحب حمي سامّة، كلّ شهقةٍ في السرير متحفٌ. قال لها عن ذلك ومضي يلاحقُ طيورهُ فوق المياه. موقف الاعتراف كلما اختفي متوارياً في خرائطه.. تفتحُ له باب اللحم علي وحدتها، فتجدهُ أمامها اثنين: هواءً ونصوصّاً. وما بينهما رسائلٌ أشبه بالأيقونات. كم مضي بكَ الزوالُ إلي ما وراء الزوال. تسألهُ هادئةً في موقف الاعتراف../ فيرد عليها قائلاً: العاشقون يقيمون في الأبد.. ونحن ذبذباتُهم نطيشُ في دم الكهرباء. وإياك تذبلينّ. موقف المدينة العيونُ تصويرٌ للعيون. وأفلامٌ تحترقُ، ماشيةً بجنازةٍ تُسمي الذكريات. كأن اليأسُ ينكمشُ. ورائحةُ النظرِ أرجوحةٌ تستطيلُ تنزلقُ تغوصُ ولا قرار. أكانت هي التي تُعمرُ فيه الوردَ والطابوقَ. والريح والصفصاف والظنون والنبيذ وبعض الاختصار الشديد للطفولات. بعدها تمشي كما السلاحف في موقف المدينة ِ../ أكان هو العارفُ في مقام المعروف والحروف جداريات. علي كل صفحةٍ منها ضريح. لنطفو.. لنتفسخ.. وما من طيرٍ يتعقبُ صورنا في الجنازة. قال قوله وهي تبكي بين يديه.. لتعطله في اليأس قليلاً. ورافعةً من أغصانهِ راياتٍ علي جبالها. فما كان منه إلا أن يردّ هامساً: قومي انعسي.. أما أنا والعاصفة فتوأمان، ولا مأوي. موقف العبور يا شعوبي. يا ضبابي. يا باكورةَ الثلج في ظهيرة نزوة. يا شعوبي.. يا تعاقبَ العوادم ومعاشات العقابِ وعناءِ السكون. يا أنهاري المُطيّرة علي البطون والخرائط. يا أشباحي المعلوفةَ باليأس بالحجر الرشيد بالأفلام. يا جودتي المكسوة بالحديد والجراد والتصوف. يا حبوبَ منع الحرية. يا جبالي الهارّبة للهجرةِ بقمصان النوم. يا رسائلي المكتوبةَ لمجهولٍ ببريدٍ أعمي. يا شعوبي يا ثلاجتي الزاخرة بنصوصّ القناني فقط. يا جريمتي الكاملة في ملفات التيجان والمقاصل والأقبية. يا شعوبي في خمرة الرماد. يا شعوبي في نقطة الفراغ والتسول والنكاح. سمعتهُ يهذّي بشعوبه في موقف العبور../ لم يكن يملك وجهاً. وليس من طير علي رأسه كان. فنادت عليه وهي تهتف فيه: أتملك شعوباً كثراً، وليس من مأوي لديكَ. فردَ عليها قبل أن يقطع البرزخَ قائلاً: أنا شعوبُ نفسي. أهذّي بها لتمتلئ.