مساكين رعاة الاخلاق المريضة. يتصورون انفسهم في مهام مقدسة حين يمسكون بمقص المنع في الافلام او الشطب في الكتب.متعتهم تعيش علي الاخرين.هم موجودون ليحولوا الفن و الثقافة الي جثة. تسمع عنهم هذه الايام ، رعاة بدائيين يشغلون حواسهم المرهقة في تتبع اعمالا قديمة ليحذفوا منها قبلة هنا او لمسة هناك. انهم قصاصي اثر الحواس في الفن ، يريدون فنا ميتا باردا ينافقون به جمهورا يعيش ايام الشيزوفرينيا كاملة الاوصاف. لايعرف هؤلاء ان جيوشا مثلهم عاشت تطارد كتبا و تحريمها وكانت الكتب المحرمة تعيش اكثر من غيرها. هذه هي لعنة تحريم الكتب التي تطارد قناصة المصادرة. لعنة لا يتوقعها صاحب سلطة التحريم ..لانه و هو يصدر القرار يعتقد انه تخلص من المحرم للابد...وينام مرتاح البال بعد ان اغلق الف باب و نافذة و اقام حواجز عالية امام عموم الناس للمعرفة والتفكير. هذه هي لعبة التحريم. وهي لعبة سلطة من اولها الي نهايتها. سلطة خرافية و متوحشة تريد إحكام السيطرة علي العقول..و منع خيط النور من الوصول الي كهوف ظلام جهل يفخر ويعتز به جمهور كبير. هذا الجمهور يسمي الجهل بالمعرفة الغريبة عليه : ايمان بالثقافة السائدة.ويعتبر ان الاخلاص للافكار القديمة منتهي الامل و المني ..ودليل علي المثالية الكاملة. تري الرقيب سعيد و هو يقرر منع كتاب او حذف لقطة . سعادة من بني بيتا في الجنة...او حرر الارض المحتلة من الاعداء. انها قمة النشوة..نشوة سلطة غير مرئية في حرمان الاف و ملايين الناس من النظر الي الحياة بشكل مختلف...في تعلم افكار جديدة قد تجعلهم يتمردون علي ماهو قائم و مستقر . هكذا مثلا صادرت الكنيسة( في القرن السابع عشر ) كتاب جاليليو الذي يقول ببساطة ان الارض تدور حول الشمس . صادرته طويلا لانه ضد الفكرة السائدة التي تمنحها سلطة السيطرة علي عقول البشر . حكمت الكنيسة علي جاليليو بالنفي و الاقامة الجبرية في بيت معزول ..وكانت علي وشك قتله . لكن جاليليو انتصر رغم لعنات الكنيسة.وانتصرت معه الحقيقة الكونية : الارض تدور حول الشمس . هذا صراع مسافات طويلة. صراع حول حب الحياة..في مواجهة عشاق الموت و حراس كهنوته. المعرفة الجديدة ..باب مفتوح لحياة افضل ..وهذا ما يستفز سلطة تحشد دعاية ضخمة لكراهية الحياة...وسلطة اخري: تريد السيطرة و تثبيت الاوضاع علي ماهي عليه. في المقابل هناك اصحاب افكار متمردة..تكسر الثابت و المستقر.وتحب الحياة...افكارها تصدم العقول و الارواح المتحجرة. الصراع سياسي .بين قوة ونفوذ السلطة القادرة علي الاغتيال المعنوي ( واحيانا المادي ومتمرد لايملك الا افكاره..وقوة التغيير والتجديد..التي تراهن علي الزمن..في مقابل كل فقهاء المصادرة (من كل الاديان..والثقافات و الاجناس و الالوان ). المتمرد يدفع الفاتورة فورا : يطرد من رضا السلطة (دينية او سياسية او ثقافية )..ويكون مثل الخارج عن القطيع ..وحيد.مصيره مهدد.وسمعته منتهكة.وحياته يمكن ان ينهيها متعصب او جاهل تغلي الدماء في عروقه لان هناك من افتي او اصدر حكما بان هذا خائن او مرتد او عميل او يحرض علي الفساد الاخلاقي . وعندما قرر احمد لطفي السيد خوض انتخابات البرلمان في دائرة بريف مصر ..كان يتحدث امام الاهالي عن الديمقراطية ..وكانت الكلمة غريبة علي اذهان الفلاحين المبهورين بالباشا القادم من القاهرة ..ووجدها المرشح المنافس فرصة ليضرب لطفي السيد ..وقال لهم ان الديمقراطية تعني ببساطة ان كل واحد ينام مع امرأة الاخر . وستسمع من يقول نفس هذه التخريفة...ويصل الي مجلس الشعب وينام علي مقاعده كأي راعي بدائي في استراحة.