لماذا يشترك الديكتاتور والشعب في محبة الرقابة؟ هذا سؤال مهم ليس فقط علي مستوي حرية الإبداع والتفكير والتعبير، ولكن لفهم كيف يحكم الديكتاتور شعبه؟ ولماذا يسود الاهتمام بالأخلاق الشكلية.. أكثر من الأخلاق نفسها؟.. لماذا يهتم الشخص بمراقبة طول فستان جارته ومع من تتحدث.. بينما لا يعمل ويحصل علي رشوة...؟ الحقيقة أن أخلاق المراقبة أسهل.. والاعتداء علي الحريات الشخصية يمنح سلطة، وشعوراً براحة الضمير الوهمية.. خذ مثلاً الجماعة التي تقدمت ببلاغ إلي النائب العام لمنع نشر ألف ليلة وليلة.. لماذا اشتعلت نيران غضبها علي كتاب الحكايات العربية الذي يقرأه ويستمع إليه الملايين منذ مئات السنين، بينما لم يتحركوا خطوة عندما أهملت إدارة جمعية الطفولة السعيدة في إدارتها وسمحت للذئاب بالتحرش الجنسي بالأطفال؟ يريد الديكتاتور شعباً من الأغبياء. الأغبياء أسهل في الحكم. وكما كانت قراءة الكتب محظورة علي العبيد في أمريكا. والسادة البيض حكموا بالتعذيب علي أي عبد أسود يضبط ومعه كتاب.الكتب تحرر العبيد.. تحرضهم علي رفض الظلم والفساد والتحكم بالريموت كنترول في الحياة الشخصية للرجل أو المرأة.. والسادة يخافون من الحرية.. والمعرفة. لهذا هناك كتب محرمة بأوامر الرؤساء والملوك ورجال الدين.. والحكام الصغار في البيت والحزب. هناك دائما سلطة تقول: ماذا تقرأ؟. وقائمة كتب مباحة. مسموح بها.مهذبة.وصالحة للاستخدام العلني. وهناك كتب مهربة إلي مكان سري . رغم أنه الأكثر أهمية . هذه القراءة السرية.. ممتعة.. ومدمرة. ليس للشخص.بل لمجتمع يفخر بالغباء ويتخيل أنه دليل علي تميز خاص. دائما هناك سلطة تعلن عن وجودها عبر مصادرة كتاب.. تحتمي السلطة في سلطة أكبر، خرافية ومتوحشة تريد إحكام السيطرة علي العقول.. ومنع خيط النور من الوصول إلي كهوف ظلام جهل يفخر ويعتز به جمهور كبير. هذا الجمهور يسمي الجهل بالمعرفة الغريبة عليه: إيماناً بالثقافة السائدة.ويعتبر أن الإخلاص للأفكار القديمة منتهي الأمل والمني.. ودليل علي المثالية الكاملة. الرقيب في المجتمعات الفاشية، صغير ، يمارس عمله بسعادة من بني بيتا في الجنة.. أو حرر الأرض المحتلة من الأعداء. إنها قمة النشوة.. نشوة سلطة غير مرئية في حرمان آلاف وملايين الناس من النظر إلي الحياة بشكل مختلف.. في تعلم أفكار جديدة قد تجعلهم يتمردون علي ما هو قائم ومستقر. وهذا ما يجعل البلاغ المقدم للنائب العام ضد «ألف ليلة وليلة» حلقة من حلقات فرض السلطة السرية علي المجتمع. البلاغ قدمته جماعة تسمي نفسها «محامون بلا قيود».. طالبت بمنع طبع الليالي ومحاكمة المسئولين عن طبعاتها في مؤسسات تابعة للدولة. الجماعة مجهولة تقريباً ، وهذه أول قضايا «الكبري» وبدلاً من أن يدفاع «المحامون بلا قيود» عن الحرية، اختاروا الطريق السهل ودافعوا عن المنع والحذف. الصوت هنا صوت سلطة تبحث لها عن مكان في صراع السلطات «تحت الارض». سلطة «مقهورين» يبحثون عن فراغ تركته السلطة ، ليعلنوا فيه سلطاتهم، بكل ضراوة، ويد غشيمة، لا تعرف الفرق بين كتب البورنو وواحدة من تحف الابداع الانساني من عصر الحكي الشفاهي إلي المكتوب ، بدون مؤلف. هذه العقلية سلسلة في الانصياع للحاكم. لا تقدر علي أن تري الجوهري وتموت عشقا في الشكلي والتافه. وهذا ما يجعل حكاية «الطفولة السعيدة» كاشفة عن أزمة كبيرة لدي السلطة والمجتمع الذي نجحت في تربيته. وللحكاية فصل آخر.