بينما تتواصل لجنة التعليم بمجلس الشعب، في عقد جلساتها للنظر في شأن القضايا التي تخص المعلمين والتعليم.. تزداد مخاوف المجتمع المصري، وبالأخص رجال التعليم بعد فوز أحد قادة التيار السلفي برئاسة لجنة التعليم واثنين من حزب »الحرية والعدالة« الذراع السياسية للإخوان المسلمين، بوكالة اللجنة وأحد أعضاء حزب »البناء والتنمية« الذي ينتمي إلي الجماعة الإسلامية كأمين سر اللجنة.. كثيرون عبّروا عن خوفهم ورفضهم لانفراد هؤلاء بوضع سياسات التعليم (الجامعي وما قبل الجامعي) بانحيازاتهم الحادة والمتطرفة، التي قد تؤدي الي تبدمير عقول أبنائنا وتحويل المدارس الي مدارس إسلامية كثير من الآراء المطروحة الآن تقول ان السلفيين لا يعرفون ولا يلعبون السياسة، نظرا لحداثتهم في هذا الشأن فما بالنا بوضعهم سياسات لبناء الإنسان المصري من المهد؟ خاصة بعد أن خرج علينا شيوخهم بفتاوي ورؤي ما أنزل الله بها من سلطان أحدثت صدمة في المجتمع بأسره؟! ويؤكد هذا التخوف الذي أشرنا إليه، ذلك البيان الذي أصدره عدد من أعضاء الحركات التعليمية المنتمية لاتحاد المعلمين المصريين، ونقابة المعلمين المستقلة، والمركز المصري للحق في التعليم، حيث حذروا فيه من سعودة التعليم المصري، وطمع حزبي »الحرية والعدالة« و»النور« في حقيبة التعليم مشيرين فيه إلي أن التعليم قضية أمن قومي، ولا يمكن التعامل معه من منظور عقائدي أو خدمي للسياسات الحزبية للجماعات السياسية، وطالبوا جماعة الإخوان المسلمين بمراجعة أدبياتهم وأفكارهم حول التعليم وتنقيتها من النظرة للتعليم من منطلق مذهبي وديني، وتصحيح النظرة الوهابية للتعليم لمنع تدمير التعليم والتعلم. وبعيداً عن ذلك البيان كيف يري خبراء التعليم سيطرة الإسلاميين علي لجنة التعليم بمجلس الشعب؟ يقول الدكتور محمد عفيفي، أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة: من البداية لابد من التعامل مع التعليم علي أنه مشروع أمن قومي، لا ينفرد حزب ما أو اتجاه سياسي أو ديني معين بالقيام به، وإذا انفرد اتجاه ما سواء سياسياً أو دينياً برسم السياسة المستقبلية للتعليم، فإن ذلك يعتبر كارثة وردة مرة أخري إلي مفهوم الحزب الوطني، وانفراده بتوجيه مناهج التعليم لخدمة النظام القائم، وبالتالي ليس من حق أي اتجاه سياسي أو تيار ديني أن ينفرد برسم السياسات المستقبلية للتعليم المصري. ويؤكد عفيفي، أنه لا يمكننا أن نبدأ من فراغ، وكأن مصر لم يكن بها جامعات أو تطور تعليمي حديث، متجاهلين تراثاً طويلاً منذ أيام رفاعة الطهطاوي مروراً بطه حسين وصولاً إلي وجود مجالس قومية للتعليم وكليات التربية، وبالتالي علينا جميعاً أن نعترف أن التعليم مشروع قومي، ولن نسمح بأي استقطاب سياسي أو ديني في هذا الشأن. وكيف يكون الحل لمنع أي فصيل حزبي بعينه لوضع سياسات تطوير التعليم؟! نسأل ويجيب: لم نشهد طيلة التاريخ انفراد حزب برسم سياسات التعليم في مصر إلا أيام الحزب الوطني، وعلي مستوي العالم بأكمله من اليابان إلي أمريكا، يعتبر التعليم وسياساته مشروعاً قومياً توافقياً يتم تشكل لجان علمية متخصصة مؤهلة للقيام به، حتي يتم منع أي حزب سياسي أو اتجاه ديني من احتكار رسم سياساته، ربما تتغير بتغير صندوق الانتخاب. وأضاف: كما أنه تم التعارف عالمياً علي أن هناك مقاييس دولية ومعايير علمية معترفاً بها في الأوساط الدولية العلمية فبالتالي لا يمكننا أن نخترع العجلة من جديد، وعلينا أن نحترم المقاييس والمعايير الدولية في شأن التعليم، فالمبعوث المصري- الآن- يمكنه أن يدرس الدكتوراه في أي جامعة دولية تحت معايير عالمية، كما أن الأستاذ المصري، سواء في مراحل التعليم الأولية، أو التعليم العالي، يحق له القيام بالتدريس في مدارس أي دولة أو جامعات سواء عربية أو دولية، وبهذه النظرة نخرج من مفاهيم ضيقة تحاول أن تخضع التعليم كمشروع قومي ودولي إلي نظرة حزبية أو دينية. وحول رؤية حزب النور لتطوير التعليم يقول د. عفيفي: برنامج حزب النور- في الحقيقة- لا يقدم إسهاماً جديداً أو مبتكرات في شأن تطوير العملية التعليمية، وإنما هو مانشيتات قديمة عريضة مع إضافة مسحة دينية. وفي الحقيقة رؤية الحزب بهذا الشكل تتجاهل الحقائق التاريخية لمصر، فمصر هي بلد الأديان، والتوحيد منذ اخناتون مروراً بدخول المسيحية إلي مصر، وتقديم مصر لنظام الرهبنة كهدية للعالم انتهاء بمرور مصر في نشر الإسلام والثقافة العربية، لاسيما من خلال الأزهر الشريف.. وعليه فإن الحديث عن مسحة دينية أو مظاهر تدين في برنامج تعليمي هو في الحقيقة مداعبة لمشاعر وعواطف بعض الناس أو إرضاء لبعض الاتجاهات الدينية في دول عربية شقيقة. ويؤكد عفيفي أن مناهج الدين تحتاج إلي مراجعة، ولكن المراجعة بغرض إظهار الجانب السمح في الإسلام، والتركيز علي فقه المصالح والعهدة في ذلك إلي الأزهر الشريف، والدور الذي يجب أن يقوم به في المرحلة القادمة من أجل تأكيد مبادئ الإسلام الوسطي، وعدم تغليب اتجاه ديني أو فقهي علي الآخر. وأكد عفيفي تخوفه من أن تختصر بعض القوي السياسية أو التيارات الدينية المعينة فكرة تطوير التعليم في مجرد منع الاختلاط في المدارس والجامعات، وهنا ستكون الكارثة الكبري، أولاً نحن نعاني من قلة أعداد المدارس وتكدس الطلاب، وبالتالي كيف نتكلم عن الاختلاط ولم نبحث عن حلول للفريضة الكبري وهي جودة التعليم، الأمر الثاني أن الحديث عن منع الاختلاط فيه إساءة لتراث طويل في التعليم المصري، فأنا كأستاذ جامعي لا أقبل أن أقوم بالتدريس لطالباتي من وراء حجاب أو من خلال دائرة تليفزيونية، وكأني أنا الشيطان إذا اجتمعت بهن. ويواصل عفيفي: كما لا أوافق علي تشويه نفسية طلابي وطالباتي من خلال أن ينظر كل منهما إلي الآخر علي أنه البعيد وليس رفيق الدراسة، وهذا يجرنا إلي أفكار العصور الوسطي، وإلي المقولات الفاشية لعلي عبدالله صالح رئيس اليمن السابق عندما خرجت اليمنيات للمشاركة في المظاهرات، فحث بعض علماء السوء علي إصدار فتوي بتحريم اشتراك النساء في المظاهرات منعاً للاختلاط. ويضيف: ومع التطور التكنولوجي الحديث ونظم التواصل الاجتماعي الالكترونية (فيسبوك، تويتر) يصبح من الخبل الحديث عن منع الاختلاط في المدارس والجامعات، بينما التواصل الفكري والوجداني يتم من خلال نظم التواصل الالكتروني. ويتابع: هذا يذكرنا بالأنظمة المستبدة القديمة التي كانت تصدر قوانين وتعليمات بمنع التجمهر واعتبار أي تجمع لأكثر من ثلاثة يجرمه القانون، بينما كان الشباب يتواصل علي الفيسبوك وتويتر ويقوم بعمل مظاهرات الكترونية.. هذا فضلاً عن الدور الرائد للمرأة والفتاة المصرية في الثورات المصرية بدءاً من ثورة 1919، مروراً بدخول المرأة البرلمان بعد ثورة يوليو، وانتهاء بمشاركتها في ثورة 25 يناير وانبهار العالم كله بحالة ميدان التحرير وتجاور الجينز بجانب النقاب من أجل مصر. واختتم د. عفيفي: لابد من العودة إلي نقطة البدء مرة أخري والعودة إلي مقولات طه حسين (إن مستقبل مصر هو مستقبل الثقافة والتعليم في مصر)، ويمكننا القول إن مستقبل العالم العربي بأكمله يعتمد علي التجربة التعليمية الجديدة المواكبة لمعايير العصر، لتصبح مصر مفرخة للعلماء والأساتذة، من أجل ربيع عربي تعليمي جديد. صراع بين عدة أطراف ويري الدكتور عبدالخالق فاروق الخبير في الاقتصاد والتعليم أن هيمنة بعض التيارات الدينية علي لجنة التعليم بمجلس الشعب، لا يعني أنهم وحدهم القادرون علي سياسات التعليم أو وضع استراتيجيات التعليم، لكنهم أصبحوا طرفاً من عدة أطراف سوف تتصارع في الفترة القادمة من أجل السيطرة علي المفاتيح الرئيسية لتوجهات المصري، سواء في أطره الثقافية والمعرفية، أو في أطره المالية والوظيفية، والأطراف الأخري هي- أيضاً- ليست قليلة الشأن سواء في ظل أوضاع جديدة للحكومة، حكومة وطنية حقيقية لديها رؤية، فهي طرف مهم بالإضافة إلي أطراف أخري مثل منظمات المجتمع المدني بجميع أشكاله وأحزابه وقواه السياسية فهي أطراف مؤثرة في توجهات التعليم المصري. ويقول فاروق: التحدي الذي يواجه النظام التعليمي الحقيقي قبل المناهج، هو مدي القدرة علي ضخ استثمارات من أجل تخفيف كثافات الفصول إلي نصف ما هي عليه الآن، وهو تحد أظن أن لا الحكومة الحالية، ولا حتي المكونة من الإخوان والسلفيين ولا سيطرة القوي السلفية والدينية علي لجنة التعليم قادرة برؤيتها المتواضعة، السياسية والاقتصادية، أن تعبر بنا إلي نظام تعليمي أفضل مما هو عليه الآن. وعن الأحق بوضع السياسات يقول عبدالخالق فاروق: إن مجلس الشعب تنحصر سلطاته الدستورية في نقطتين لا ثالث لهما، الأولي سلطته في إصدار القوانين أو تعويق الحكومة في إصدار قوانين معينة، أما مجموعة السياسات الخاصة بالنظام التعليمي