بينما تجتاح الثورات دول كثيرة من العالم العربي وتمتد خارجه حتي الصين، ويتم رصدها من المتخصصين والمؤرخين بالتحليل و البحث علي صفحات الجرائد العالمية، ومنها "الجارديان" البريطانية التي يطالعنا هاري ميلوناس أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة"جورج واشنطن" فيها: إن الإجتجاجات في مصر وتونس تختلف عن الإنتفاضات الشعبية التي جلبت الديمقراطية إلي أوروبا الشرقية بداية من سنة1989 فصاعدا. فهناك مقارنات سوف تعقد تباعا خلال الأسابيع القادمة بين الإنتفاضات الشعبية الأخيرة و بالأخص"مصر"، وتلك التي وقعت في سنة1989 واستمرت حتي بداية التسعينيات، وأدت إلي الديمقراطية في كثير من دول الكتلة الشرقية السابقة، وهو ما يطلق عليه المحللون "الموجة الثالثة من الديمقراطية" -الأولي بدأت في القرن التاسع عشر، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية- تلك الموجة الثالثة بدأت من حركة تضامن في"بولندا" أدت إلي تحولات سلمية في"استونيا"و"لاتفيا"و"ليتوانيا"، والإنتقال إلي الديمقراطية في"المجر"، وتوحد"المانيا". وليس من المبالغة القول ان القيادات السياسة وقادة حركات المعارضة تعلموا من بعضهم البعض طوال الإضطرابات التي شهدتها تلك البلاد في ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي، تماما مثلما فعل إعلام المواقع الإجتماعية في وقتنا الحالي، والذي تم وصفه كمحفز للحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط، حين كانت محطات الإذاعة السرية تبث للكتلة الشرقية معلومات حول النجاحات الديمقراطية في بلدان أخري، فضلا عن طرح بدائل لما لا يحمد عقباه كمذبحة ميدان "تيانانمن"، إلا أنه في حين أن الموجة التالية لسقوط حائط"برلين"نتج عنها حالة أمنية غير مسبوقة عبر القارة الأوروبية، فإن الموجة الحالية يمكن أن ينشا عنها دهليز من الدول الفاشلة يمتد بداية من جمهورية"الكونغو" الديمقراطية إلي حدود أوروبا عند جنوب "تركيا".
قد يكون تسلسل سيناريو الموجة الرابعة الحالية كالتالي:تماما مثل استضافة مجموعة من الطغاة الشيوعيين ممن أزاحتهم الموجة الثالثة في بلاد أخري-جاروزلسكي في"بولندا"، وهونكر في"المانيا"، ونيميث في"هنغاريا"- كان سقوط باكيف في"كردستان" وبن علي في "تونس" و مبارك في"مصر" إشارة إلي موجة جديدة من التحول الديمقراطي، علاوة لي إستمرار الأزمة في"مصر"، وإعلان علي عبدالله صالح أنه لن يسعي لإعادة انتخابه، و تغيير مجلس الوزراء الأردني، والهمس بوجود إحتجاجات في"سوريا"،كل ذلك يشير إلي لحظة واعدة من1989 أخري في أنحاء الشرق الأوسط. لكن أهم الإختلافات بين الأحداث الحالية و الموجة الثالثة اتضحت بالفعل، ففي الموجة الثالثة كانت"رومانيا البلد الوحيد الذي شهد عنفا عند التحول الديمقراطي، الأمور تبدو مختلفة هذة المرة، في جزء كبير منها أن القادة الاستبداديين استوعبوا درس الموجة الثالثة، فبدلا من الدبابات و القوات المدججة بالسلاح، و القمع من القمة إلي القاعدة علي غرار ميدان "تيانانمن"، فإن القامعين الجدد تمثل في"المتظاهرين الموالين للحكومة"، ورجال أمن بملابس مدنية و محرضين، و عملاء لإثارة العنف والبلبلة.
وكما بدأ الستار الحديدي يسقط في"أوروبا"، فإن قادة من أمثال هونيكر وجاروزيلسكي اختاروا إعلاء أسلوب القمع علي حساب استقرار أنظمتهم، خاصة عند المفاضلة بين زيادة السلطوية أو التحررية، إذا كان هناك وجود حقيقي ل"موجة جديدة" فيمكن تمييز ذلك عن طريق مجموعة من الأنظمة ظلت تتعلم تمرير القرارت متأرجحة بين التلويح بالسلطة و الرغبة في الإستقرار أمام المحتجين, وسط أجواء من إنعدام الأمن، و تعزيز أوضاع توحي بما سوف يحدث عند فشل الدولة من خلال تكتيكات مثل فتح أبواب السجون و تمويل البلطجية للمشاركة في أعمال عنف بالشوارع، كأن كل ما تبقي للحركات المعارضة هو تقرير ما إذا كانت سوف تستمر في الضغط من أجل تحقيق نتائج غاية في المثالية، بينما أجهزة الدولة تتأرجح علي وشك الإنهيار، أو تتفاوض مع النظام بينما تواجه إحتمال تآكل مصداقية الحركة. مما يزيد من تعقيد تلك الموجة الجديدة الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي لدي الدوائر الأمنية الغربية، فقد فهمت مرحلة انتقال الكتلة السوفييتية إلي داخل الحظيرة الديمقراطية علي أنها إنتصار علي عدو أيديولوجي: إتحاد الجمهوريات السوفيتية الشاسع.الموجة الثالثة أعادت تصحيح النمط السوفييتي في الحكم، كما انهارت الدولة البيروقراطية الهائلة تحت الضغوط المتزايدة من أجل التحرر السياسي، داخليا وخارجيا، أما في"الموجة الجديدة فالأمور مختلفة، من وجهة نظر الغرب، تلك الجموع من المحتمل أن تكون عدوا أيديولوجياس، تماما مثل أنظمتها الحاكمة، حتي إذا كان لتلك المخاوف أساس يمكن رؤيته، فإن الدول الغربية تنظر إلي النجاحات الإنتخابية لحركة حماس و حزب الله كتوطيد لقلق مسبق في المنطقة. وبالنسبة لكل إحتمالات إدخال الديمقراطية في وسائل الإعلام الإجتماعية، وهي النظير الحالي لإذاعة أوروبا الحرة، فإن سلطاتها محدودة و مقيدة، بينما في الحقيقة ذلك الإعلام الإجتماعي ظل يزيد من قدرته علي استيعاب الناس، كي يحمّل المستبدين الكثير من المساءلة، بأنهم غير قادرين علي حل المشاكل الملحة مثل حظر الحراك الإجتماعي، وارتفاع معدل البطالة إلي عنان السماء، حتي إذا عمدت الحركات الحديثة إلي الإطاحة بالديكتاتورية، و التحرك نحو انتخابات حرة نزيهة، فإن إحباطات و معاناة المواطنين الداعمين للحركات لا يتم حلها بالضرورة، ومثل ذلك التطور قد يؤدي إلي المزيد من خيبة الأمل داخل الحركات الإحتجاجية، لكن تلك المرة في وجود الديمقراطية. سمات تلك "الموجة الجديدة" شئ لعدة أسباب يتجاوز الإرتياح لرؤية الديمقراطية تزدهر بمناطق جديدة في العالم، ففي الماضي كان القادة المستبدين يضيقون الخناق علي الشعوب، التي تشم رياح الديمقراطية من بعيد إلا أنها تظل في حالة من الأمن والأمان ، لكن يبدو الآن أن هناك ميلا متزايدا لدي الطغاه لترك بلادهم تنهار مثل بيوت من ورق، دون ضمان للديمقراطية أو الأمان. في حين يمكن للإنتفاضة المصرية أن تؤدي إلي دولة ديمقراطية علي النمط التركي، و قد فشل ذلك السبيل بداية من كنشاسا الي بيروت التي يرجح ان تكون بلا طائل، مما يؤكد فقط علي ضرورة اعادة النظر في الدور التاريخي للغرب في دعم أنواع من الديكتاتورية الفردية التي هي الآن تحت الحصار، و الحجج الثقافية المعتادة ان تلك الدول لن تكون أبدا ديمقراطية، ولن تمتلك القدرة أبدا في أي وقت علي أن تصبح ديمقراطية.