في ختام مقالي في عدد 17 إبريل في جريدة أخبار الأدب، وكان عنوانه " اليوبيل الماسي لنقابة الصحفيين" كتبت نصا " واضح أن النقابة وهي تحتفل باليوبيل الماسي، عليها أن تتذكر أن المشوار مازال طويلا، لنحتفل بقانون يحمي الصحافة ويجعلها حرة، وفي ذلك حماية للمجتمع وليس مكسبا لأشخاص". يبدو أنني حتي في هذا الطرح كنت متفائلا، علي أساس أن النقابة لديها من الرصيد الضخم، علي مختلف الأصعدة ما يؤهلها لكي تنطلق إلي أفق أوسع، بقانون يحمي المكتسبات ويبني عليها، هذا القانون الذي يعد ضمانة لحرية الرأي والتعبير، يتيح الفرصة لانطلاقة قوية، من خلال نصه الواضح علي حرية تداول المعلومات، ولكن كان ذلك ضربا من التفاؤل، فلن أكون مبالغا أو متشائما إذا قلت أن النقابة تواجه الآن أزمة تتعلق بوجودها. أنا هنا لا أقصد الوجود المكاني، ولكن أقصد الوجود بكل ما تشمله الكلمة، لآن ما حدث في الأيام الماضية يهدد معني النقابة من جذورها، إذ لاتجعلها حامية لأعضائها ولا للمهنة نفسها، ويشعرنا أن هيبة الصحفي في خطر، ويعطي إشارة صحيحة أو خاطئة بطريقة ما للتعامل مع الجماعة الصحفية، التي تتحمل الآن أعباء كثيرة، إن من أقدم علي التجرؤ علي نقابة الصحفيين لم يقرأ ولا سطرا واحدا من تاريخ هذه النقابة.. هذا التاريخ الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ وطن، فلا يمكن التطرق إلي الأحداث الكبري التي شهدتها مصر علي مدي أكثر من قرن، إلا وتري أن الصحافة التي تعد " النقابة" رمزا له، مشاركة فيها. فتاريخ هذه النقابة هو تاريخ متصل من الدفاع عن القضايا الرئيسية للوطن، وكثيرا ما أشاد الرؤساء بدورها في حماية الهوية الوطنية، ولكن ليس معني ذلك أننا أمام نقابة مرفهة من قبل السلطة، بل كثيرا ما دخلت في صدام معها، لكن في النهاية الجميع كانوا يدركون خطر التصعيد من أي جانب، فعلي سبيل المثال في العام 1974 أصدرت القيادة السياسية وقتها قرارا بإبعاد 108 صحفيين لأعمال غير صحفية، فتصدي مجلس النقابة لهذا الإبعاد ، تمسكت النقابة بقانونها، خاصة مادته 112 من القانون 76 لسنة 1970 ونصها " لا يجوز تكليف صحفي بعمل لا يتفق مع اختصاصه إلا بموافقته ولا يجوز نقل الصحفي إلي عمل آخر يختلف مع طبيعة مهنته"، كما نتذكر ما حدث للقانون 1995 الذي ألغي المادة الخاصة بعدم حبس الصحفيين احتياطيا فيما يخص الأمور المتعلقة بالمهنة، وتضامنت كل الأسرة الصحفية " معارضة، وصحفا قومية ومستقلة" حتي تم إسقاط هذا القانون. من يقرأ تاريخ الصحافة المصرية، يدرك جيدا أنها لا تهزم، ليس لأن علي رءوس أصحابها ريشة، كما يحاول البعض أن يروج، ولكن لأنها جزء أصيل من هذا الوطن، فلم تكن نقابة الصحفيين علي مدي تاريخها منكفئة علي ذاتها، خدمة لمصالح أعضائها، بل كانت منكفأة علي مصلحة هذا الوطن، تحمي الحريات وتصون الكلمة، المخطئ تحاسبه النقابة بلا تردد، ولكن هي أيضا منوط بها الدفاع عن أعضائها، وافتعال الأزمات معها، لن يجدي. ورغم هذا التفاؤل المستمد من التاريخ وحوادثه، إلا أن الجماعة الصحفية في هذه المرة، أمام امتحان صعب، ونتيجته أصعب لكل الأطراف، إن الهبة التي يريد البعض الانتقاص منها، لايجدي معها، سوي تحركات واعية من الجماعة الصحفية، التي تمتلك الآن شبه إجماع، علي إدانة ما حدث في الأيام السابقة. لن أكون مبالغا إذا قلت إن الوطن بأكمله يتابع هذه القضية، فيجب أن نكون عند حسن الظن، فالأوطان خلقت لتبقي.