وُصِفت بملكة الصحافة الجديدة، ويري كثيرون أنها تحولت إلي ديانة قائمة بذاتها، لها مؤمنون بها ومبشرون بتعاليمها، وككل "الديانات" كان لا بد لها من كفار يكفرون بها ويشككون في الهالة المحيطة بها. إنها الروائية والصحفية الأمريكية جوان ديديون، صاحبة مؤلفات متنوعة منها: وداعاً لكل ذلك، الاقتراب من بيت لحم، حيث وُلِدت، الألبوم الأبيض، عام التفكير السحري، وليالٍ حزينة. الكاتبة التي أعادت اختراع كاليفورنيا ورسمت صورتها في أذهان الأمريكيين، مَن انخرطت في هستيريا الستينيات وصخبها وقبضت علي ما بداخلها من خواء وعدم. امرأة جميلة صغيرة الحجم تبدو، في صورها، هشة وعلي وشك التلاشي، تحمل دفتراً وقلماً وتنتقل من مكان لآخر لجمع مادة مقالاتها الصحفية، وتسجل المشاهد التي تقابلها علي الطريق أو تراها في بار فندق صغير لتستخدمها لاحقاً أثناء الكتابة. تكتب عن صداعها النصفي أو الزواج في لاس فيجاس، أو المياه أو مقتل شارون تيت، فتشعر قارئها أنه يري بعينيها ويفكر بعقلها، كأنها ساحرة تسخِّر الكلمات لفرض رؤيتها علي الآخرين كأنما تختبر فكرتها عن الكتابة كفعل عدائي. فبالنسبة لها الكتابة تتمحور حول قول "أنا"، حول فرض ذات الكاتب علي الآخرين، حول قوله لغيره: "إنصت إليّ، إنظر بعيني، غيَّر رأيك!" . لذا من الطبيعي أن تجدها حاضرة بقوة في كتاباتها غير الروائية، حيث مساحات البوح والاعتراف أكبر. أثار هذا ضيق البعض، وحسد البعض الآخر، ممن رأوا أنها تكتب بنفسية من يوجه كلماته لجماهير مفتونة به، أما هي فبررت هذا بأنها، لو فكرت بأن المقال الذي تكتبه سيقرأه 11 مليون قاريء، لتجمدت وما استطاعت كتابة كلمة واحدة، لذا تتظاهر بأنها تكتب لنفسها ومن هنا تنبع الحميمية. يكتب الروائي الشاب كريستوفر بولين: "أي كتاب جديد لجوان ديديون دائماً ما يصل الساحة الثقافية مصحوباً بهزة أرضية مزلزلة. صدور مذكراتها "عام التفكير السحري" عام 2005 عن موت زوجها ومرض ابنتها العضال تجاوز الحداد الشخصي ليلتقط إحساساً بحداد وطني عام في عالم ما بعد 11 سبتمبر." وهذا تحديداً ما تنجح فيه ديديون حين تكتب عن نفسها ضمن كتابتها عن حدث آخر أكبر، لا تشعر كقارئ أنك أمام كاتبة نرجسية مهووسة بذاتها، بقدر شعورك أنها ماهرة في تحويل أدق تفصيلة شخصية تخصها إلي تجربة إنسانية مشتركة عابرة للثفافات والحدود. في 2015 صدرت سيرة ذاتية عن ديديون للكاتب تريسي دوهيرتي بعنوان "أغنية الحب الأخيرة"، واختارتها دار "سيلين" كوجه إعلاني لمنتجاتها، فظهرت ديديون وهي في الثمانين بشعر أبيض وملامح جادة ونظارة سوداء ماركة "سيلين"، في بوسترات إعلانية، لتذكِّر الآخرين أنها مستمرة في الشغب والخروج علي المألوف. في "بستان الكتب" لهذا الشهر نقدم لقرائنا أربع صفحات عن جوان ديديون ووجوهها المتنوعة ككاتبة وأيقونة ثقافية وملاك موت يبشر بالخراب. فشخصية ديديون الإشكالية المثيرة للجدل، تطلبت منا تقديم رؤية مظلمة لشخصيتها، ممثلة في ما كتبته الكاتبة ليلي أنولك وتصوِّر من خلاله السنوات الأولي لصاحبة "الألبوم الأبيض" في هوليود، لكن حتي وهي تحاول التمرد علي الأسطورة الخاصة بديديون، تورطت أنولك في أسطرة مضادة. م. ع