هو واحد منا تحسبه أباك أو أخاك أو صديقك.. الذي كان يجلس بجوارك في نفس المكان منذ عشرات السنين.. يلتقي بك باشا وهاشا.. يرفع سماعة التليفون ويتحدث إليك كلما قرأ لك شيئا ما أعجبه مقالا أو قصيدة.. تحقيقا صحفيا أو قصة قصيرة.. غلاف كتاب أو ملصقا.. إنه «عم خيري».. هو جزء من لوحة الوطن لا تستطعم مصر بدونه.. رحلته الطويلة من الظل إلي النور.. ومن القاع إلي القمة.. مكنته من امتلاك أدق الأدوات لرسم ملامح أبطاله بعذوبة ورقة متناهية.. وعدسته النقية المدربة علي التقاط أجمل زوايا الصور منحته قدرة عبقرية علي رصد المشاهد الأكثر حميمية في وجدان الشعب المصري.. أحب مصر.. فأحبه المصريون.. وعشقه المهمشون فالتفتت كل عيون الدنيا إليهم.. بدأ حياته بكتابة شعر العامية فهو الاقرب إلي قلبه منذ بدايات تكوينه.. ولكن قصيدة العامية لم تتسع لمساحات السرد الشاسعة التي ألهمتها له الرواية.. كان باستطاعته أن يقدم سيراً شعبية زاخرة بالنفس الملحمي.. ولكنه فضل الرواية.. وحفظ كل الأشعار العامية لفؤاد حداد وجاهين والأبنودي وسيد حجاب وبيرم التونسي فكان من أعظم الرواة وأجمل الحكائين، ألهم كل كتاب الأغاني الراسخين ودلهم علي كنز الغناء الشعبي.. وأرشدهم إلي طريق الغواية واقتفاء أثر الفولكلور الشعبي في الأغنية المصرية. عندما أسسنا أول مجلة لشعر العامية ابن عروس كان علي رأس أسرة التحرير فأهدانا مجموعة من الدراسات الرائعة والمتفردة حول أصول شعر العامية في وجدان الأمة المصرية.. شاهدته آخر مرة مع الكاتب الكبير الصديق بهاء طاهر في العاشرة مساء مع مني الشاذلي وكان معهما أحد شباب ثورة 25 يناير.. كان خيري متحمسا للثورة وشبابها.. وعندما تحدث عن فترة عبدالناصر ونصيب الفقراء فيها والعزة والكرامة الوطنية خلالها.. هاجمه الشاب وهاجم هذه الفترة بطريقة تفتقر للاحترام وآداب الحوار. فرد عليه «عم خيري» بأبوة وحنو ولكنه كان ممروراً .. ولأنني أعرف «عم خيري» جيداً.. أحسست يومها بأنه يودعنا بكلمات تقطر مرارة وألما.. وداعا عم خيري ونعتذر لك فقد آلمناك كثيراً إذ كان في رعب دائم من سرقة الثورة. رحل في هدوء الروائي "خيري شلبي عن 73 عاما، ابن محافظة كفر الشيخ مواليد (31 يناير 1938 ) رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة ومن أوائل من كتبوا ما يسمي الواقعية السحرية . صباح يوم الجمعة 2011/9/9 استيقظ الروائي "خيري شلبي" واستعد لكتابة مقاله اليومي كعادته، وامسك بقلمه ليرصد ما يراوده من افكار، ولكن فاجأه الموت بأن الوقت قد حان الآن. أزمة قلبية حادة لم تستغرق وقتا، أدت إلي صمت اقلامه، وارتفعت صراخات اوراقه، وتألمت افكاره، التي منعها القدر عنا لنعرفها، رحل وهو يكتب . رحل"عم خيري" كما كان يناديه المثقف من الكبار والشباب واصدقائه. اتصلت «روزاليوسف» ببعض من المقربين المثقفين للراحل عمنا خيري فوجدناهم رفضوا تصديق الخبر وبعضهم تعثرت حروفهم. الدكتور عماد أبوغازي وزير الثقافة بصوت حزين وصمت بين الكلمة والأخري قال أبوغازي: إنه إنسان جميل يتعامل ببساطة مع جميع المثقفين من مختلف الاوساط. فقدانه خسارة كبيرة لمصر وللساحة الثقافية .إنه يمثل لنا جميعاً قيمة وقامة للثقافة المصرية والادب المصري، هو روائي وباحث دءوب ومنقب في اعماق الانسان المصري وحياة الطبقات المهمشة وما يعانون وما يطرأ عليهم من متغيرات. هو واحد من الروائيين المصريين المبدعين الذين تركوا لنا ابداعهم ، وهذا هو عزاؤنا الوحيد أن ابداعه لا يرحل وسيظل باقيا ومكتوبا بصفحاتنا. أثري تاريخنا علي مدار نصف قرن بمجموعات قصصية وروايات ومؤلفات ودراسات نقدية، رحمه الله. الدكتور شاكر عبد الحميد الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة: تربطني به علاقة إنسانية علي مدي سنوات طويلة، فقدنا أديبا كبيرا ومفكرا وإنسانا علي وعي شديد بالمجتمع المصري ومدرك وباحث في ميراث وموروث الشعب بطبقاته، ويعي تفاصيل الشخصية المصرية وخصوصيته، يتسم في كتابته بصياغة ادبية تثري وتغذي الفكر والذات. هو روائي حكاء للادب العربي في القصة القصيرة والرواية. من خلال تواجده في المجلس الأعلي للثقافة كانت تشغله الحركة الادبية والنقدية والابداعية. ورسم العديد من الشخصيات من خلال مقالاته الصحفية تحت عنوان "بورتريه" وكشف عن الشخصيات من جوانب مختلفة، ويكتب بلغة متفردة يستوعبها القارئ العادي. أما الكاتب والروائي ابراهيم أصلان فتحدث إلينا بصوت تملؤه دموع صامتة لانه أحد أصدقائه المقربين قال : هل غاب فعلاً.. لا لم اصدق ابداً من قال ان خيري شلبي رحل لم أستوعب هذا الخبر، لم يبلغني هو بذلك . لم اتخيل الحياة الثقافية بدون خيري شلبي . ذهبت للعزاء ودخلت حجرته، احتضنته وانا اعلم انه فارق الحياة، ولكني كذبت ما قيل وقلت ربما سيفيق موقف صعب علي. كانت آخر مكالمة بيني وبينه والتي استمرت ساعات امس قبل وفاته وكان يسألني عن الجزء الثاني من "الكوميديا الإلهية" لدانتي لانه كان يحتاجها في مقاله الاسبوعي لجريدة الوفد. وتناقشنا حول المدارس الصحفية لكبار الصحفيين امثال كتاب وصحفيي روز اليوسف صلاح حافظ ومحمد التابعي والاخبار مصطفي أمين وعلي أمين وغيرهما ، وتحدثنا عن الدور الذي كان يقوم به الصحفيون والصحافة . هو حالة ابداعية لا تقارن لذلك اعماله لا تترك عقول ووجدان المصريين، خسارة فادحة . خيري كان يعيش في حاله رعب وخوف وقلق علي مصر بعد الثورة ان تتحول الي الدولة الدينية ويخشي ان تسرق الثورة من الثوار الحقيقيين وكان يريدها مدنية. اما الكاتب سعيد الكفراوي فتحدث إلينا بعد عودته من عزاء الفقيد: ذهبت الي العزاء ودخلت حجرته وكشفت وجهه لأودعه . وذكرته بأول لقاء بيننا اوآخر الستينيات علي مقهي " ريش " في وسط البلد وصارت بينا علاقة قوية استمرت . تجربة خيري شلبي الابداعية تتمحور في : محور القرية حيث كتب العديد من اعماله عن القرية المصرية وعمال التراحيل والطبقات المغمورة مثل رواية " اسطاسية " واثر في كتابة وضع اسرته التي كان لها سطوة ثم افتقرت وجسد هذه العلاقة في رواية " لحس العتب " .، وكشف عن المناطق الغامضة في الشخصية . والمحور الثاني: المدينة الأخري المتوحشة التي تتواجد في المقابر والعالم السري لمن يتعاملون مع المخدرات، وحكي عن المقاهي التي في أزقة الشوارع . كما تتبع المتغيرات السياسية التي عاشتها مصر وقمع الشعب، وهو عالم بذاته كاتب حكاء عظيم تجلس معه وتترك له أذنيك وذاتك لتسمع وتتعلم ، يلقي اشعار فؤاد حداد ويدخلنا في حالة فنية ثرية إنسان صادق لايعوض وكاتب لا يرحل، خسارة فادحة رحيلك يا رفيقي. والشاعر شعبان يوسف : خيري شلبي رجل عصامي ثقافي بني نفسه بنفسه من خلال قراءاته هو ناقد وكاتب ترك لنا مكتبة ثقافية ادبية غنية بداية من مقالاته الشهرية في مجلة المسرح التي كانت فترة الراحل "سعد الدين وهبة "، ووصولاً بكل مجموعاته القصصية ، ورواياته . هو باحث ومنقب ومكتشف قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي هي كراسة محدودة الورق مهترئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية . من أهم كتب خيري شلبي وهو كتاب "محاكمة طه حسين" . كما اكتشف من خلال البحث الدءوب نصاً مسرحيا للزعيم المصري مصطفي كامل بعنوان " فتح الاندلس " واخري لاحد قضاة مصر وقتها هو الشيخ امين الخولي ومن كتاب البورتريه ، ويحفظ الشعر ويرويه مثل شعر فؤاد حداد ، هو كاتب عالمي بنكهة مصرية . الجامعة الامريكية رفضت تكريمه علي رواية "صالح هيصا" لان بها وصفا لجلسات الحشيش، واعطته الجائزة علي "وكالة عطية" التي تقترب من سيرته الذاتية والتي مر علي اصدارها 10 سنوات. له مساهمات نقدية وحول المسرح المصري ، وله كتاب عن الراحل نجيب سرور، لانهما جمعتهما صداقه حياتية وثقافية . واطالب وزارة الثقافة بجمع وطباعة اعماله لتستفيد منها الاجيال القادمة. الكاتب فؤاد قنديل تحدث معنا بصوت مرتجف: الله يرحمك عزيزي وصديقي واستاذي وداعاً خيري شلبي، منذ ان عرفته وهو يمثل لي نموذج رفيعا من الارادة والابداع ويتمتع بقدر من الصفات الخاصة التي لا يتمتع بها غيره هو صاحب ارض خصبة من التجارب الإنسانية والاجتماعية ، وقد عاش حياة صعبة ومتنوعة بين المهن المختلفة والاماكن الغريبة هذه الفترة والتجارب هي المادة الاساسية للموضوعات الادبية . يصف الشخصية بملامحها النفسية والفكرية من الداخل والخارج وصف علي مدار 50 عاماً الاماكن الخربة والاماكن العامرة والريفية والصحراوية والمدنية .هو رؤية فنية دقيقة وكلها من بنات افكاره الأصلية يمكنك ان تعرف كتاباته حتي ولو لم يذكر اسمه علي العمل .هو احد الوجوه البارزة في جدارية الادب المصري لم ينسه التاريخ . ترك لنا مكتبة بها العشرات من المؤلفات ومئات القصص ذات طابع متفرد . اقدم العزاء الي اسرته . الكاتب يوسف القعيد : الله يرحمه منذ علمت برحيله وانا في حالة لا استطيع وصفها تنتابني لحظات افكر في انه رحل ،ولحظات افكر في اني سوف اتقابل معه ، ابن كفر الشيخ الإنسان المصري بكل ما فيه من معني مصري ، رحلته في الحياه رحلة كفاح وصبر وهي احد اسباب ابداعه لتكوين خبراته كان كاتبا عاشقا للشخصية المصرية التي لا نعرفها يسلط عليها الضوء من قرب، نجد شخصيات رواياته انه تقابل معها وتحدث إليها . ركز في اعماله علي الريف ودائما كان يشتاق إليه . انتقل في حياته العملية بين اكثر من وظيفة مما جعله يعرف الكثير عن فئات المجتمع المصري يهتم بالصعاليك .كما كان باحثا عن الادب التائهة، كشف عن ثروة من التراث المسرحي المصري عثر علي عدد كبير من المسرحيات غير المسجلة مثل مسرحية للزعيم مصطفي كامل ، والثانية مسرحية امين الخولي.