إجلاء سكان 7 قرى، بركان إيبو الإندونيسي يثور ويطلق سحابة من الرماد    مصر ترفض مقتراح الاحتلال لإدارة غزة ما بعد الحرب    ولي العهد السعودي وسوليفان بحثا الاتفاقيات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن وحل الدولتين    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    وصول بعثة الأهلي إلى مطار القاهرة قادمة من تونس والخطيب يخطف الأضواء (فيديو)    142 ألف طالب يؤدون اليوم ثاني أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية    ضحية الهاتف المحمول، ضبط شقيقان تسببا فى مصرع شاب غرقاٌ بنهر النيل    اليوم.. إعادة محاكمة متهم بأحداث محمد محمود الثانية    اليوم، وضع حجر الأساس لمبنى هيئة قضايا الدولة الجديد في الإسماعيلية    في موسم برج الجوزاء 2024.. ماذا يخبئ مايو ويونيو 2024 لفراشة الأبراج الهوائية؟    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 3170 جنيها    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ارتفاع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الأحد 19 مايو 2024    الكرملين: الإستعدادات جارية لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية    هجمات الحوثي في البحر الأحمر.. كيف تنسف سبل السلام؟    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    ميدو يوجه نصائح للاعبي الزمالك في نهائي الكونفدرالية    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه في هذا الموعد    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير شامل من واقع ما جري في تكساس
نشر في نهضة مصر يوم 21 - 04 - 2004

بعد أقل من أسبوع من زيارة الرئيس حسني مبارك للولايات المتحدة ، ربما آن الأوان لكي نعود أكثر من خطوة إلي الخلف ونتأمل تلك العلاقة المركبة والمعقدة بين القاهرة وواشنطن ونكتشف أنه رغم ما فيها من أبعاد متعددة فإنها باتت مستقرة علي أشكال من التفاعلات التي يمكن قراءتها والتنبؤ بها . ويكاد يلخص العلاقة كلها ما بدأت به زيارة الرئيس مبارك وما انتهت إليه ، فالبداية ارتبطت بالاحتفال بمرور ثلاثين عاما علي عودة العلاقات المصرية الأمريكية التي جري قطعها بعد حرب يونيو 1967 بسبب اتهام مصر لواشنطن بالتواطؤ مع إسرائيل في غزوها لسيناء ، ثم جري استئنافها بعد وصول هنري كيسنجر إلي مصر في السادس من نوفمبر 1973 _ أي بعد حرب أكتوبر - حيث تم الاتفاق علي عودة العلاقات وهو ما حدث بعد ذلك في شهر مارس 1974 . وكما هي العادة فقد كان لقاء الرؤساء في كراوفورد بولاية تكساس مناسبة لإصدار بيان يشيد بالعلاقات المصرية الأمريكية باعتبارها نوع من العلاقات " الخاصة " التي توصف أحيانا بالصداقة ، وأحيانا أخري بالشراكة ، وأحيانا ثالثة بالاستراتيجية . ومع ذلك وقبل مغادرة الرئيس مبارك للجنوب الأمريكي كان قد أدلي بحديث لصحيفة " هيوستن كرونيكل " قال فيه أنه يشعر " بالصدمة " من مواقف الرئيس بوش التي يؤيد فيها مطالب إسرائيل بالاحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربية ومعارضة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة .
مفارقة العلاقات المصرية الأمريكية ...
هذه النقلة الكبيرة من الساخن إلي البارد ، ومن التحالف إلي الشقاق ، ليست جديدة علي الإطلاق في تاريخ العلاقات بين البلدين وتؤدي إلي نمط مستقر آخر من العلاقة ، وبشكل ما فإن تاريخ العلاقات بينهما خلال العقود الثلاثة الماضية يشير إلي نوع من علاقات " الاخوة الأعداء " الذي يظهر أحيانا كما لو كان نوعا من التحالف الاستراتيجي ، أما أحيانا أخري فيظهر في شكل العداء المستحكم الذي لا ينتظر له تجاوز . ويكاد الفارق بين الحالتين يبدو بوضوح كامل وكأنه مفارقة ما بين الإدارة والمؤسسات من جانب حيث لم تمر زيارة للرئيس حسني مبارك إلي الولايات المتحدة إلا ويصرح بأن العلاقة مع واشنطن علاقة استراتيجية ، ولا زيارة من رئيس أو مسئول أمريكي إلي مصر دون التصريح بالعلاقة الخاصة التي ترقي إلي مرتبة التحالف مع القاهرة ، ومن جانب آخر توجد النخبة الصحفية والثقافية علي الناحيتين التي لا تبدو علي استعداد لقبول ما يقول به الرسميون فلا تعامل مصر معاملة دولة حليفة ولا تعامل الولايات المتحدة معاملة دولة صديقة ، وبشكل ما فإن القاهرة تبدو في واشنطن عاصمة علي وشك النكوص إلي ما كانت عليه في الخمسينيات والستينيات حيث كانت علي الشط الآخر من الحرب الباردة ، أما في القاهرة فإن واشنطن تبدو وكأنها الامتداد الطبيعي للاستعمار والإمبريالية التي طالما عانت مصر منهما عبر العصور .
تفسيرات هذه المفارقة متعددة ، البعض يعود بها إلي الاختلافات السياسية الطبيعية بين الدول فلا توجد دولتان في العالم تتطابق سياساتهما بصورة كاملة وحتي العلاقات البريطانية الأمريكية الفريدة من نوعها فإنها تتعرض لاختلافات في الرؤي والمواقف ، والعلاقات المصرية _ العربية كثيرا ما تعيش هذه الأجواء . البعض الآخر يأخذ ذلك خطوة أخري ليعود بالمفارقة إلي الفارق بين الدولتين ، فأمريكا دولة عظمي ومصر دولة إقليمية ، وكلا المكانتين ترتب اعتبارات جيوسياسية وجيواستراتيجية مختلفة ، وأمريكا دولة غنية رأسمالية متقدمة صناعيا وتكنولوجيا ومصر دولة تنتمي إلي العالم النامي الذي لايزال يتحول نحو اقتصاد السوق وهو ما يرتب كثيرا من الحساسيات واختلافا في التوقعات ، والولايات المتحدة دولة ديموقراطية معقدة التركيب بين مصالح داخلية كثيرة ومصر دولة تتحول نحو الديموقراطية وبسيطة التركيب مما يرتب اختلافا في سرعة وطريقة الاستجابة للمتغيرات ، والثقافة السياسية في واشنطن ترجع إلي دولة حديثة بلا تراكمات تاريخية، وأما في مصر فإنها تقوم علي دولة عريقة في القدم وتتشابك فيها الهوية والتاريخ بصورة عميقة ، وهذا يفتح الباب لكل أنواع سوء الفهم واختلاف موجات الحديث والتصريح . البعض الثالث يعود بالمفارقة كلها إلي إسرائيل فهي الغائب الحاضر في كل العلاقات المصرية الأمريكية وحولها في العادة تدور كل الزوابع والعواصف ، وهنا فإن أصل الحكاية ليس الخلافات المصرية الأمريكية وإنما التناقضات المصرية الإسرائيلية .
كل هذه التفسيرات لها جدارتها وربما تشرح بعدا أو أبعادا من المفارقة المشار إليها ، ولكن جميعها ليس كافيا ، فالخلافات السياسية بين الدول لا ترتب بالضرورة حالات الالتهاب التي تطرأ علي العلاقات المصرية الأمريكية وإنما يتم التعامل معها بأدوات سياسية ودبلوماسية ونادرا ما وجدنا مثل هذا النمط في العلاقات الأمريكية الهندية علي سبيل المثال والتي حتي وقت قريب كانت علاقات متوترة من الأصل . كما أن الفارق بين البلدين من حيث الوضع الدولي ودرجة التقدم والثقافة السياسية والنظام السياسي هو أساس العلاقات الدولية كلها ونادرا ما وجدنا ما يحث بين مصر وأمريكا يحدث بين واشنطن وجاكرتا أو بين الولايات المتحدة وفرنسا أو عبر المحيط بين أمريكا والمغرب . ورغم أهمية البعد الإسرائيلي في العلاقة فإن النمط المتواتر للتعامل مع الخلافات المصرية الأمريكية لا نجده علي سبيل المثال في العلاقات الأمريكية السعودية _ حتي جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 - مع ما هو معروف من أن الموقف السعودي من إسرائيل لا يختلف كثيرا عن الموقف المصري .
الطريق إلي واشنطن ....
هذه المرة لم تختلف زيارة الرئيس مبارك كثيرا من حيث الجوهر عن المرات السابقة إلا في أن الأحداث تغيرت ، والمشاهد والأشخاص تغيروا بطبيعة الحال ، والزمن لم يعد بالتأكيد كما كان . وعندما طرح الموضوع علي الطرفين مع بداية العام كانت هناك رغبة كبيرة لإتمام الزيارة من الجانب الأمريكي ، وكان مفهوما أن هذه الرغبة تعبر عن الحاجة إلي تنسيق مواقف الطرفين من مبادرة شارون لفك الارتباط مع الأراضي الفلسطينية من جانب واحد ، والتعامل المشترك مع القضية العراقية ، ومراجعة التعاون الجاري فيما يتعلق بالإرهاب ، وتبادل الرأي في القضية السودانية ، وأخيرا العلاقات الثنائية المستقرة في أبعادها الاقتصادية ولكن موضوع منطقة التجارة الحرة يلح عليها من وقت لآخر . وربما كان أول الأسباب كلها أن جورج دبليو بوش يمر بمعركة انتخابية صعبة ، ومن شأن زيارات قادة الدول الأخري أن تعطيه أولا وقتا مجانيا علي شبكات التلفزيون والإذاعة ، والأخطر تعطيه من الموضوعات ما يجعل مسافة كبيرة بينه ومنافسه من حيث الخبرة والقدرة علي إدارة قضايا معقدة .
هذه القضايا علي جدول الأعمال عكست نوعا من التوافق الاستراتيجي الأمريكي المصري نما خلال العقود الثلاثة من العلاقات الكثيفة علي أربعة أهداف كبري هي :
1- تحقيق السلام العربي _ الإسرائيلي
2- تحقيق الأمن لمنطقة الخليج
3- تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة أنواع مختلفة من الفلسفات الراديكالية
4- تحقيق التنمية المصرية كشرط هام لتحقيق كل ما سبق
هذا التوافق الاستراتيجي لم يتغير رغم تعاقب الإدارات الأمريكية المختلفة ديموقراطية كانت أو جمهورية ، ولكن هذا التوافق لم يكن يمنع أبدا خلافات جوهرية في السياسة بين البلدين . ولم يحدث مهما كانت الإعلانات أن حدث تطابق في وجهات النظر حول مسيرة السلام في المنطقة ولكن الطرفين كانا معا في كامب دافيد الأولي ، كما كانا معا في مدريد ، وكانا معا في ترجمة أوسلو علي الأرض ، وتبادلت مدينة شرم الشيخ المصرية مع واشنطن توقيع الاتفاقيات ، ومحاولات " إنقاذ عملية السلام " . وكانت الخلافات موجودة فيما يتعلق بأمن الخليج ، ولكن مصر والولايات المتحدة كانتا معا لإيقاف مد الثورة الإسلامية الإيرانية ، كما كانا معا في مساعدة العراق علي تحقيق نصرها في الحرب العراقية _ الإيرانية ، وكانتا معا في حرب الخليج الثانية . وكان الجانبين علي نفس الصف في مواجهة الشيوعية والأصوليات الإسلاموية ، ولكنهما اختلفا حول إصرار الجانب الأمريكي علي الجانب العملياتي من المواجهة ، وإصرار الجانب المصري علي ضرورة التعامل مع " جذور الإرهاب " . وإذا كان الطرفان قد اتفقا علي ضرورة تنمية مصر ، فقد اختلفا في كل شئ بعد ذلك بما فيها كيف يمكن إنفاق 25 مليار دولار من المعونات الاقتصادية قدمتها أمريكا لمصر . ودون الدخول في كثير من التفاصيل فإن هذه الحالة من التوافق الاستراتيجي ، والخلاف في السياسات كان هو الذي عكس هذا التوتر الدائم في العلاقات من " الشراكة الاستراتيجية " إلي سلاسل من " الصدمات " .
ولا جدال أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت لها نتائج مختلطة ، فهي من ناحية قربت من وجهات النظر بين البلدين حول خطورة الحالة في أفغانستان وخطرها علي الأمن الدولي ، وعلي أمن دول كثيرة بما فيها مصر والولايات المتحدة . كذلك فإن الأحداث أعطت أهمية كبيرة لدور الخارج ، والتنظيم العالمي للإرهابيين ، وبالتالي شحبت وجهات النظر الأمريكية التي ركزت علي الأوضاع السياسية الداخلية . وأخيرا ظهر أن النصائح المصرية الخاصة بالإرهاب والإرهابيين كان لها ما يبررها ، ويعكسها الواقع الذي لو تمت مراعاته لربما ما كانت أحادث الحادي عشر من سبتمبر قد حدثت . وكانت نتيجة كل ذلك هو أن التعاون بين البلدين في محاربة الإرهاب ، وفي الحملة الأمريكية ضد أفغانستان كان كبيرا ، وأكثر في الواقع مما سمحت السلطات المصرية والأمريكية بإذاعته .
ومع ذلك ، وكما حدث من قبل في موضوعات كثيرة ، فإن تعميق العلاقات المصرية _ الأمريكية بسبب التطورات الواقعة في قضية من القضايا ، يؤدي في العادة إلي فتح الأبواب لنقاط من التمايز في المواقف . فالموقف المصري الصلب ضد الإرهاب بات يركز علي استكمال المهمة الخاصة بمطاردة الإرهابيين سواء كانوا من تنظيم القاعدة ، أو حركة طالبان ، ومطاردة قواعدهم داخل أفغانستان ، أو حتي خارجها بما فيها تلك القواعد الموجودة داخل الولايات المتحدة ذاتها . الأمر لا يبدو كذلك بشكل متطابق لدي واشنطن ، فهي تريد الانتقال بسرعة إلي أهداف أخري بعضها يتعلق بالإرهاب مباشرة كما هو الحال بالمطاردات الموجودة في أفغانستان والفلبين ، وبعضها لا يرتبط بها مباشرة ، ويتعلق بقضايا سابقة لأمريكا مثل مسألة ضرب العراق . وبعد أن أصرت إدارة الرئيس بوش علي منهجها بشن الحرب علي العراق فقد تباعدت المسافات بين البلدين من أول الخلاف الحاد حول شرعية الحرب ، ثم إدارة الأوضاع في العراق بعدها والتي تكاد تقود إلي أن تكون بلاد الرافدين قاعدة هائلة لعدم الاستقرار في المنطقة .
القضية الأخري المرتبطة بالإرهاب هي الصراع العربي _ الإسرائيلي الذي وصل إلي ذري جديدة بالمواجهات الفلسطينية _ الإسرائيلية منذ نشوب الانتفاضة في 28 سبتمبر 2000 ، أي قبل عام من أحداث الحادي عسر من سبتمبر 2001 . فمصر من ناحية تري منذ حدوث الأحداث أن هناك علاقة وثيقة بين الموضوعين ، وأن استمرار الأوضاع غير العادلة للشعب الفلسطيني ، وعملية القهر المستمر من قبل إسرائيل للفلسطينيين ، يعطي الفرصة للجماعات الأصولية لتجنيد المتطرفين وصرفهم لأعمال إرهابية قد يكون لها ، أو لا يكون ، علاقة مع قضية الشعب الفلسطيني . ولذا فإن حل هذه القضية ، لا يحقق هدفا استراتيجيا مصريا وأمريكيا علي مدي الربع قرن الماضي ، بل إنه أيضا يشكل معاونة كبري _ تصل إلي 50% علي حد تقدير الرئيس مبارك _ في محاربة الإرهاب . الولايات المتحدة ، علي الجانب الآخر ، تنظر للموضوع بطريقة مختلفة ، فمن ناحية فإنها ليست علي استعداد لقبول سبب للإرهاب مهما كان ، وبالتالي فإنها ليست علي استعداد لقبول حق الشعب الفلسطيني في المقاومة . ومن ناحية أخري فإنها تري في الصراع قضية مستقلة وسابقة علي قضية الإرهاب التي تواجهها الولايات المتحدة ، كما أن لها تعقيداتها الشديدة داخل الولايات المتحدة ذاتها بحكم العلاقة العضوية بين إسرائيل وأمريكا .
الزيارة ....
وسط هذه العلاقة المعقدة والمركبة والمتأثرة إلي أقصي حد بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب في العراق والتعقيدات المختلفة للصراع العربي الإسرائيلي جرت زيارة الرئيس مبارك إلي الولايات المتحدة . ومنذ نهاية العام الماضي بدأت واشنطن تلح علي الزيارة ، وبعد أن وجدت القاهرة أن هناك أسبابا كافية لإتمامها دارت العجلة من حيث تحديد المكان والزمان والموضوعات التي سوف تناقش فيها . وبينما كان تحديد الزمان سهلا في شهر إبريل للتوافق بين مواعيد الرؤساء ، فضلا _ من الناحية المصرية _ أن تتم الزيارة بعد عقد القمة العربية . ولكن اختيار المكان كان أمرا مختلفا فقد كانت هناك أفكارا كثيرة في الموضوع ، فقد كان واضحا منذ أكثر من عام أن الولايات المتحدة أكبر بكثير من واشنطن ، وعلي عكس العاصمة الأمريكية فإن النفوذ الإسرائيلي والصهيوني أقل ، كما أن الطاقة علي الاستماع للقضايا الشرق أوسطية أكبر ، كما أن السياسة الأمريكية تسمح ببناء قواعد للتأثير تقوم علي المصالح المتبادلة أكثر مما هو الحال في العاصمة حيث الأيدلوجيات والأهواء غير قليلة . ولما كان مفهوما أن اللقاء المصري الأمريكي سوف يجري في واشنطن وفي البيت الأبيض كما هي العادة فقد كان الموضوع هو اختيار ولاية أخري_ أو أكثر - يذهب لها الرئيس قبل أو بعد موعده مع الرئيس الأمريكي . وكما هي العادة فقد طرحت نيويورك ولكن تم استبعادها بسرعة لأنها لا تختلف كثيرا عن واشنطن كما أن الرئيس زارها من قبل .
وبعد ذلك طرحت كاليفورنيا لأنها سوف تمثل فتحا مصريا لأكبر الولايات الأمريكية وللساحل الغربي للولايات المتحدة ، ولكن كاليفورنيا كانت بعيدة للغاية ( سبعة ساعات للسفر بينها وبين نيويورك ) علي الأقل بالنسبة لأهداف هذه الزيارة . وجاءت شيكاغو تالية في الترتيب لأنها بلا جدال هي عاصمة الغرب الأوسط الذي يأتي منه أغلب القمح المصري ، كما أن وفدا مصريا " رفيع المستوي " كان قد زارها في شهر يوليو الماضي ووجد فيها من الأسباب السياسية والاقتصادية ما يغري بقيام الرئيس بزيارة لها . وأخيرا فإن تكساس أصبحت مطروحة بشدة فهي من ناحية ولاية الرئيس الأمريكي ، وأكبر ولايات الجنوب ، ولها علاقات تجارية وبترولية متشابكة مع مصر ، كما أن وفدا مصريا آخر " رفيع المستوي " زار هيوستن في فبراير من العام الماضي ووجد في نخبتها السياسية حماسا غير عادي للعلاقات المصرية الأمريكية . ويبدو أن اختيار الرئيس الأمريكي لمزرعته في كراوفورد القريبة من مدينة هيوستن بولاية تكساس قد حسم الموضوع بالنسبة للمكان ، فقد كان ذلك إشارة إلي الرغبة في إبراز طبيعة العلاقات " الخاصة " بين البلدين ، كما أنه أتاح للرئيس مبارك الفرصة للتعامل مع نخبة سياسية غير معتادة ، وأخيرا أنها كانت فرصة للقاء مطول بين الرئيس مبارك والرئيس بوش الأب وقد جمعت بينهما علاقات صداقة خاصة .
ولكن بعيدا عن موعد ومكان الزيارة وأجوائها التي لا تقل أهمية عنها ، فقد جرت المباحثات بين الطرفين بجدية تامة ، وطبقا لمصادر قريبة من المباحثات فقد حصلت القضية الفلسطينية علي أكثر من نصف الوقت ، وتلا ذلك في الأهمية الحديث عن الوضع في العراق ، ثم جاءت قضية الإرهاب في المكانة الثالثة ، أما العلاقات الثنائية فقد تم المرور عليها مرورا عابرا . ومن المدهش أن قضية الإصلاح التي تصور الجميع أنها سوف تكون علي رأس قضايا جدول الأعمال ، لم ترد إطلاقا من الجانب الأمريكي ، وكان الجانب المصري هو الذي طرحها من حيث مبادئها الأساسية القائمة علي برنامج الإصلاح المصري والمبادرات المصرية الجديدة مثل إعلان الإسكندرية .
وبدون الدخول في كثير من التفاصيل التي باتت منشورة بالفعل فإن حصول القضية الفلسطينية علي نصيب الأسد من المباحثات راجعا إلي ثلاثة أسباب : أولهما ما أشرنا إليه من أن عملية السلام العربي _ الإسرائيلي تقع في قلب المبررات الاستراتيجية للعلاقات المصرية الأمريكية كما أسلفنا . وثانيها أن اتفاقا قد تم التوصل إليه قبل الزيارة علي قبول مبادرة شارون بالانسحاب من جانب واحد من مدينة غزة وأجزاء من الضفة الغربية مع تصفية كل المستعمرات في القطاع وبعضا منها في الضفة الغربية كمرحلة من مراحل تنفيذ خريطة الطريق . وثالثها أنه كان هناك خلاف حاد بين الطرفين حول قيام الولايات المتحدة بتقديم خطاب إلي شارون يستجيب لمطالبه بضم المستعمرات الكبيرة ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين فقط إلي الدولة الفلسطينية ، وحق إسرائيل في اتخاذ إجراءات أمنية في الأراضي الفلسطينية بعد انسحابها ، في حالة التوصل إلي الحل النهائي .
والحقيقة أن مصر لم تفاجأ _ كما أشيع _ بالموقف الأمريكي بل أنه كان معلوما في خطوطه العريضة قبل الزيارة ، وكان أمام مصر إزاءها خيار المطالبة ، ولو بشكل غير رسمي ، بالاطلاع علي نص الرسالة الأمريكية . ولكن الموقف المصري قام من ناحية علي ضرورة التأكيد علي الموقف المبدئي حيث لا يوجد ما يدعو الولايات المتحدة علي مكافأة شارون علي قيامه بخطوات غير شرعية من الأصل . ومن ناحية أخري علي ضرورة محاولة التأثير في شكل الخطاب الأمريكي ذاته حتي ولو قررت مصر بعد ذلك _ كما فعلت _ عدم الاعتراف به من الأصل باعتباره مخالفا لخريطة الطريق والمبادئ العامة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي .
وعلي الجانب الأمريكي فقد كان الموقف هو أن الخطاب له أسباب سياسية ، وإذا كانت الولايات المتحدة توافق علي خطة شارون فإن عليها أن توفر الأسباب التي تؤدي إلي نجاحه ، ومنها موافقة أعضاء حزبه علي الخطة ، وهو ما لن يحدث ما لم يحصل علي الخطاب . ومن جانب آخر فقد كان موقف الولايات المتحدة هو أنها لم تعط إسرائيل إلا ما تم إعطاءه لها بالفعل في المفاوضات السابقة التي جرت في طابا وتبنتها بعد ذلك وثيقة جنيف ، في النهاية فإنها تقر بأنه لا بد من موافقة الطرفين علي كل الحلول بعد ذلك ومن ثم فإنه بوسع الفلسطينيين رفض ما لا يوافقون عليه . وربما كان هناك سبب لم يقله الأمريكيين أصلا ويتعلق بالانتخابات الأمريكية ، فمع احتدام المعركة علي الأصوات والدعاية فإن مساعدوا بوش رأوا في هذه الخطوة دعما له داخل السوق السياسية اليهودية الأمريكية .
ومن الناحية التفاوضية البحتة فربما كان ممكنا أن تطلب مصر تطوير الخطاب بحيث يشمل موقفا أمريكيا من كل قضايا الوضع النهائي ، والإصرار علي أن يتضمن ضم المستعمرات الكبري قاعدة " تبادل الأراضي " التي تمت الموافقة عليها في طابا وجنيف ، وأكثر من ذلك أن ينص الخطاب علي ضرورة الوقف الفوري لبناء المستوطنات الإسرائيلية بدلا من النص علي " التقدم " نحو تجميدها وهو نص مائع لا يعني في الحقيقة إلا إعطاء الشرعية لبناء المزيد من المستوطنات في مخالفة واضحة لخريطة الطريق التي تنص نصا صريحا علي ضرورة تجميدها تجميدا كاملا .
ولكن يبدو أن الوفد المصري لم يرغب في الولوج في التفاصيل ، بل ان الوفد المصري لم يطلب حتي ولو بشكل غير رسمي الاطلاع علي الخطاب حتي لا يظن عند أي لحظة أن مصر سوف تعطي أي نوع من الشرعية للخطاب الأمريكي الموجه إلي إسرائيل . ومع ذلك فإنه يبدو أن بعض الملاحظات التي أبدتها مصر قد وجدت طريقها إلي الخطاب الأمريكي ، ومنها النص في أكثر من موضع علي موافقة الطرفين علي كل التغييرات المستقبلية علي أوضاع الرابع من يونيو عام 1967، وعلي تحديد طبيعة الحائط الإسرائيلي بأنه مؤقت وأمني وليس حدودا سياسية . وعلي أي الأحوال فإنه يبقي الخلاف قائما بين مصر وأمريكا في هذه النقطة حتي ولو قرر الطرفين ضرورة تشجيع شارون علي الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة . هذا بالطبع إذا حدث الانسحاب في أي مرحلة حيث أن الخطة الشارونية مجمدة تقريبا إلي ما بعد الانتخابات الأمريكية ، وهي فترة طويلة للغاية في عمر الشرق الأوسط تنقلب فيها الأحوال بأسرع مما يتخيل الكثيرين .
ولكن مثل هذا الاتفاق والاختلاف لم يكن موجودا في الحالة العراقية ، فالتعاون المصري مرتبط بضرورة وجود شرعية دولية في بغداد تسمح بالمشاركة المصرية . ويبدو أن الرئيس مبارك قاوم طويلا أن يقول للأمريكيين " ألم أقل لكم ! " فيما يتعلق بمستقبل التواجد الأمريكي في العراق ، ولكنه من جانب آخر كان حريصا علي ان يعطي للأمريكيين من الأفكار ما يخفف من آثار الاحتلال علي الشعب العراقي ويجعل من عملية انتقال السلطة عملية ممكنة ، وهي المقدمة الطبيعية للانسحاب الأمريكي من العراق . وكان من أهم الأفكار المصرية ضرورة الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية حتي يمكن للسلطة المدنية العراقية مباشرة أعمالها ، وفي هذه الحالة فإن مصر سوف تساعد في تدريب الأجهزة العراقية .
ما تبقي من الوقت في المباحثات كان وقتا للمتابعة ، سواء ما تعلق بالسودان التي قال الأمريكيون فيها أن الأطراف السودانية علي وشك التوصل إلي اتفاق خلال 48 ساعة ( لم يحدث ذلك حتي كتابة هذه السطور ) ، أو ما تعلق بالإرهاب ، أو ما تعلق بالعلاقات الثنائية حيث تقرر تأجيل الحديث عن منطقة التجارة الحرة حتي بعد الانتخابات الأمريكية . وعلي أي الأحوال فربما آن الأوان لفحص دقيق للعلاقات المصرية الأمريكية تكون فيه المصالح المصرية في قلب التحليل والتحرير والنظر إلي المستقبل !! .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.