تقدير موقف: جمعة كشف حساب عدة دلالات تظهرها الأحداث الخاصة بالنائب العام، وما حدث في مظاهرات التحرير. فمن الواضح أن تصدر مؤسسة الرئاسة لتلبية مطالب الرأي العام، في ما يخص السلطة القضائية، خاصة النائب العام، ليست في محلها. فصحيح أن الرئيس منتخب وعليه تلبية مطالب الرأي العام، ولكن ليس في ما يخص السلطة القضائية. وهي نفس المشكلة التي وقع فيها مجلس الشعب المنتخب، عندما عبر عن رأيه في أداء النائب العام، وبعض المنتمين للسلطة القضائية، كتعبير عن الرأي العام. والمشكلة لا تتعلق فقط بأن بعض المنتمين للسلطة القضائية من المؤيدين للنظام السابق، يستغل تلك الوقائع لإشعال الفتنة بين سلطات الدولة، ولكن لأن السلطة القضائية يجب أن تواجه مسئوليتها تجاه الرأي العام منفردة. فهناك غضب لدى عامة الناس من عدم قدرة المؤسسة القضائية على إقامة العدل وتطبيق القصاص العادل، وأيا كان سبب هذا القصور، فمسئولية المؤسسة القضائية أن تواجه هذا التحدي، بل وتواجه العديد من التحديات الأخرى، والتي تفرض عليها بوصفها مؤسسة حراسة القانون، أن يكون دورها في مجمله يحمي الثورة ومسارها، وليس العكس. فلا يمكن أن تكون السلطة القضائية بلا مسئولية تجاه المجتمع والثورة، ولا يمكن أن تكون طرفا خارج إطار الحدث والظروف التي تمر بها مصر، كما لا يمكن أن تكون سببا في تعديل مسار العملية السياسية عدة مرات، دون أن نعرف ما هي المسئولية السياسية والتاريخية التي تقع على المؤسسة القضائية، نتيجة ما قامت به من دور في مسار العملية السياسية. وإذا كانت السلطة القضائية ترفع شعار استقلال القضاء، والذي يؤيده الجميع، فعليها أن تنظر في الانخراط المستمر لبعض القضاة في الجدل السياسي، وفي الخلافات بين القوى السياسية، مما جعلهم طرفا في الصراع السياسي. لذا يصبح من الضروري أن تتفاعل المؤسسة القضائية مباشرة مع الرأي العام، وترد على ما يثار في الشارع تجاه دور القضاء. أما عن موقف جماعة الإخوان المسلمين، فأتصور أن الجماعة عندما دعت للمظاهرات يوم الجمعة، تصورت أن القضية العامة، وهي قضية موقعة الجمل، سوف يكون لها أولوية على رغبة بعض القوى في التظاهر لنقد سياسات الرئيس. وهذا التصور في تقديري خطأ، لأن الخلاف السياسي أصبح الآن يأتي قبل المتفق عليه. وإذا تصور البعض أن الجماعة أرادت تفويت فرصة نقد الرئيس، فهذا أيضا بني على حساب خاطئ، وهو أن القضية العامة، أي قضية دماء الشهداء، لها الأولوية، وهذا غير صحيح. فالخلاف السياسي في مصر، أصبح له الأولوية، وسوف يستمر كذلك لوقت أطول مما يتوقعه البعض. لذا كان الأفضل أن لا تتظاهر جماعة الإخوان في نفس المكان الذي تظاهر فيه خصوم الرئيس.